لطالما كانت لشهر رمضان الكريم في مصر مكانة خاصة ورونقا يميزه عن بقية شهور السنة، لكن كثيرا من المصريين يؤكدون أنهم باتوا يفتقدون ما اعتادوه واستمتعوا به من أجواء السكينة والبهجة، وذلك بسبب جملة من الأسباب تتقدمها الأحوال السياسية المضطربة وأجواء الصراع التي تخيم على البلاد وتنذر بالأسوأ. ولا يقتصر الأمر على ذلك، وإنما يعاني المصريون خصوصا البسطاء منهم مما يصفونه بلهيب الأسعار الذي طال كل السلع ومنع الكثيرين من شراء ما اعتادوه من حاجيات تتعلق بالشهر الكريم، وهو ما انعكس بدوره في حالة من عدم الرواج يشكو منها كثير من الباعة. ولا يخفي مصريون شعورهم بالحزن لما وصلت إليه الأحوال في بلادهم، حيث يؤكد أيمن أمين أنه لم يكن يتخيل أن تتحول أجواء رمضان في مصر إلى ما هي عليه الآن بعد أن كانت تبعث البهجة، بل وتجتذب كثيرا من الزائرين والسائحين خصوصا من الدول العربية والإسلامية. ويقول أحدهم -ويدعى أمين- إنه حزين لما تشهده مصر من انقسام واضح في أعقاب بيان الجيش الذي أعلن فيه وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، وهو ما دفع الملايين من أنصار الأخير للاعتصام بعدد من الميادين الرئيسية في القاهرة للاعتراض على ما وصفوه بالانقلاب على الشرعية والمطالبة بعودة مرسي. ويضيف أمين أن ما شهده الصراع من تطور دموي تمثل في مقتل العشرات وإصابة المئات من المعتصمين أمام دار الحرس الجمهوري ألقى بظلاله على استقبال المصريين للشهر الكريم، الذي ارتبط في أذهانهم بالكرم والتسامح والتآلف، فإذا به يهل عليهم وهم في حالة غير مسبوقة من الانقسام لدرجة أن الجيش الذي اعتاد أن يكون الملاذ الأخير لهم أصبح هو الآخر طرفا في الصراع. ويعتقد أمين أن حالة القلق ليست مقصورة على أنصار مرسي، ويؤكد أن الجميع بمن فيهم الطرف الآخر يشعر بالقلق على مستقبل البلاد ويعيش حالة من الترقب لما تسفر عنه التطورات الحالية. أما محمد سيد فيشير إلى أن التوتر السياسي والقلق على المستقبل ليسا وحدهما من أفسد على المصريين بهجة رمضان، وإنما يضاف إليهما الارتفاع الواضح في أسعار كل السلع، خصوصا السلع الغذائية الأساسية وتلك السلع التي اعتاد المصريون شراءها في رمضان. وأضاف سيد أنه لاحظ زيادة واضحة في أسعار (ياميش) رمضان، الذي يتكون في الغالب من التمور والتين المجفف والزبيب وقمر الدين، وهو ما اضطره لشراء كميات أقل من المعتاد على أمل أن تنخفض الأسعار فيتمكن من شراء بقية الكمية في وقت لاحق، وأضاف أنه بات يضرب أخماسا في أسداس لأنه مطالب بعد أيام بتدبير المال من أجل شراء ملابس عيد الفطر لأطفاله. المثير أن الشكوى تمتد أيضا للبائعين، حيث قال لنا أحد بائعي فوانيس رمضان إنهم أيضا ليسوا سعداء بارتفاع الأسعار، لأنه يؤدي إلى قلة الإقبال، مؤكدا أنه رغم مرور أيام قليلة على بداية الشهر الفضيل فإنه باع فقط نصف كمية الفوانيس التي اشتراها مع أنه اعتاد بيع كل الكمية بحلول اليوم الأول من رمضان. أما بائع الكنافة الشاب فأشار إلى اثنين من الزبائن كانا ينتظران للشراء، وقال إنه اعتاد في السابق تزاحم المشتركين، خصوصا أن الكنافة والقطايف لهما مكانة خاصة لدى المصريين في رمضان، أما الآن فالوضع يختلف، ولذلك فهو يفضل الاكتفاء بإعداد كميات قليلة وانتظار الزبائن، مؤكدا أن الربح القليل أفضل من الخسارة التي ستتحقق حتما إذا فسدت بضاعته قبل أن يشتريها أحد.