تعاني كثير من الأسر عجزاً مالياً في ميزانيتها الشهرية؛ بسبب غلاء المعيشة، وارتفاع الإيجارات، وتدني مستوى الدخل، وثبات سلم الرواتب منذ سنوات، وارتفاع أسعار الخدمات، مثل الكهرباء والماء والهاتف والمحمول، إلى جانب اهتمام البعض بالكماليات.. يعتبر عمل رب الأسرة اليوم هو المصدر الأساس غالباً لدخل الأسرة وتلبية احتياجاتها، وقد تعمل الزوجة وتساعد زوجها في الإنفاق مما يحسن الوضع الاقتصادي لهم، وفي كثير من المجتمعات يرتبط المستوى الاقتصادي للأسرة بمستواها الاجتماعي، ومن هنا يكون التخطيط الاقتصادي للأسرة مطلباً يجب أن يُربّى عليه الأبناء؛ لأن متطلبات الحياة كثيرة ولا تنتهي، ولابد أن يكون هناك إدارة وتخطيط للصرف والترشيد، حيث يحتاج جميع أفراد الأسرة وعلى رأسهم الأبوان إلى نوع من التعليم والوعي في إدارة المنزل واقتصاديات الأسرة؛ لتكون لديهم مهارات تساعدهم في التعامل مع المواقف الاقتصادية والأزمات المالية، وهذه المهارات الاقتصادية المتعلمة والمكتسبة مرتبطة بالإنتاجية وتحسين الدخل ومستوى المعيشة، فلها أثرها على اقتصاد الأسرة. شهوة التسوق العشوائي تزلزل الأسر ميزانية المنزل من الأمور المهمة والحيوية في حياة كل أسرة، ويرى اقتصاديون أن عدم وجود ميزانية للأسرة أحد أهم أسباب عدم استقرار أوضاعها، فمتى ما وجدت ميزانية متوازنة وأفراد يقدرون مسؤوليتهم، قلت إمكانية التعرض للهزات المالية، فيما نلاحظ في الواقع أن معظم الأسر في تسوقها وإنفاقها للراتب تصرفه بشكل عشوائي، أو بحسب الظروف والاحتياجات، وليس بشكل مخطط ووفق جدول مرسوم للمتطلبات، وفيما يلي سنسلط الضوء على تجارب بعض الأسر في إدارة شؤونهم المالية. هم ثقيل ترى (أم أحمد)، موظفة قطاع خاص، أن الميزانية والتدبير المنزلي أصبح يشكل هماً ثقيلاً لدى الكثير من الأسر، خاصةً في هذا الوقت الذي كثُرت فيه الطلبات والاحتياجات، مع بقاء الراتب ثابتاً دون زيادة، موضحةً أن البعض يعجز عن ترتيب أوضاع ميزانيته الشهرية، فدخل الأسرة ليس ملكاً لأحد أفرادها، بل من حق كل أفراد الأسرة أن ينعموا ويتمتعوا بهذا الدخل، فالمصاريف متغيرة فهناك طوارئ ومستجدات، مضيفةً (من ناحية مشاركتي في الميزانية المنزلية فأنا لا أوفر أي فائض من راتبي الشهري، كله يذهب في مشترياتي الخاصة ومشتريات أبنائي من ملبس وترفيه ومجاملات، لذا أُفضل أن يتولى زوجي ميزانية البيت فيما يخص الفواتير والمستلزمات من مأكل ومشرب ورسوم مدارس وغيرها من المتطلبات الضرورية، ويرجع ذلك إلى اتفاق بيننا منذ بدأت العمل). تجارب واقعية عن نجاح المرأة في تسيير ميزانية الأسرة وتحكي (أم إبراهيم) تعمل في القطاع الخاص تجربتها الشخصية بقولها (حاولت أن أثني زوجي عن إصراره في تولي الشؤون المالية للمنزل ولم تجد محاولاتي معه أي نفع، ونتيجة لتعنته برأيه لمدة عامين، تراكمت علينا الديون وتثاقلت القروض، فرفع راية الاستسلام طالباً مني تولي دفة الميزانية، مؤكدةً أنه ومنذ خمس سنوات وأنا أتولى إدارة ميزانية المنزل، وقد وفقت في تحمل إدارة النفقات، حيث انتهت أزمة الديون واستطعت توفير مبالغ الفواتير وإيجار المنزل والطوارئ التي يمكن أن نتعرض لها، وبسبب هذه الإدارة أصبح كل طرف منا حراً في الفائض من راتبه بدون حساسية). ويبدو أن هناك من الأزواج من يتنازل عن أحد حقوقه المشتركة، ولكن بعد أن يقدم على كارثة تحيط به وبأسرته، وهذا ما حصل مع زوج (زينب( وهي موظفة التي أوضحت أنه منذ عامين وهي تتحمل مسؤولية إدارة المال في البيت، بعد فشل زوجها المتكرر في تدبير الميزانية، مضيفةً أنه بسبب جهله وإسرافه في جانب الكماليات وقعنا في متاهة الديون الشخصية ثم القروض البنكية، مما أثر سلباً على حياتنا، مشيرةً إلى أنها عرضت عليه أن تتولى ميزانية البيت، على أن يسلمها رأس كل شهر راتبه بالكامل، وبالفعل اجتهدت كثيراً حتى حلت هذه المشكلة، والآن وبعد مرور أكثر من عامين على إدارتها للميزانية، فقد استطاعت هي وزوجها شراء سيارة وشراء منزل عن طريق التقسيط، (بل أصبح زوجي يبادر من نفسه لإعطائي راتبه). وتقول (نورة)، موظفة حكومية (إنه في السنة الأولى كان زوجي هو المتولي جميع شؤون المنزل المالية وراتبي من شؤوني الخاصة، وكنا نعيش بالإيجار في شقة بالإيجار، ومع ارتفاع الإيجارات اقترحت على زوجي أن نشتري منزلاً بنظام التقسيط المنتهي بالتمليك، وبالفعل خطونا هذه الخطوة رغم أن راتب زوجي يعتبر فوق المتوسط، إلا أن القسط المرتفع أربك وتيرة حياتنا، الأمر الذي ترتب عليه مشاركتي الإجبارية في ميزانية المنزل، فتوليت من جانبي شراء المستلزمات الرئيسة مثل الأكل والشرب وبعض الفواتير لتسير دفة المركب. ولم يدر ببال (سميرة) بأن تكون الوظيفة التي لطالما سعت إليها بكل ما استطاعت وتعلقت بها أن تكون وبالاً عليها في حياتها، وتصبح عقبة في طريق سعادتها الأسرية، حيث تقول (مع أول راتب استلمته أصررت على شراء أغراض البيت كاملة وسط مباركة خجولة من زوجي، وتكرر نفس الأمر لمدة أربعة أشهر وكنت أفعلها بسعادة، وعندما احتجنا لبعض الأغراض في وسط الشهر الخامس طلبت منه أن يشتريها لارتباطها بمناسبة، فسألني عن راتبي؟، فأجبته بتلقائية إنه لم يتبق منه شيء، إلا أنه رد بحسم واستفسار كيف لم يبق شيء؟، مضيفةً لمست من لهجته أنه منزعج، وبالفعل قال لي: إنه من المفترض أن التزم بشؤون المنزل، لافتةً إلى أنها أصبحت بتلقائية منها وبتخطيط منه مسؤولة عن أغراض الأبناء أيضاً، (فعندما يطلبون منه شيئاً يجبرهم على الذهاب إلي، وعندما أسأله يقول: طلباتهم بسيطة وقيمتها المالية منخفضة، وعندما بدأت أعترض أصبح يناديني ب(البخيلة)، مؤكدةً على وقوع الخلافات فيما بينهما بسبب المصاريف، ومتأسفة على بعض الردود التي تأتي منه مثل قوله عندما لا يسدد فاتورة الهاتف: إنه لا يستعمله، والكهرباء يقول: إنه لا يجلس في البيت كثيراً وأغلب وقته في الخارج، والآن أصبحت أفكر جدياً بترك العمل حتى يعود لتولي أمور المنزل مثلما كان سابقاً).