لمجابهة غلاء الأسعار الذي مس كل المواد الأساسية و أمام انخفاض القدرة الشرائية، اضطرت الكثير من العائلات التي تقطن بالأحياء الشعبية في الآونة الأخيرة و أكثر من أي وقت مضى للجوء أو العودة إلى ما يعرف» بالكريدي« أو» الدفتر الذي أصبح يميز تعاملاتها مع بقال الحي و في أحيان قليلة مع بائع الخضر لسد رمق جوع أبنائها بسبب قلة الرواتب التي لم تتماش مع نار الأسعار التي شملت المواد واسعة الاستهلاك من جهة ، و كثرة المصاريف و النفقات التي باتت تثقل كاهل الأسر محدودة و متوسطة الدخل من جهة أخرى عكس ما كنا نعتقد في البداية ،لم تظهر العائلات المستجوبة أي خجل أو حرج في التصريح باضطرارها للتعامل بصيغة» الكريدي« التي وجدت فيها الحل الأنسب و ربما الوحيد المتاح أمامها لتدبير أمورها اليومية ، بعد أن عجزت كل حسابات ومعدلات الأزواج في تحقيق التوازن بين المداخيل و النفقات الشهرية بسبب قلة الأولى و كثرة الثانية، مما مما تسبب أكثر من مرة في وقوع الأسرة في ما يمكن أن يسمى بالإفلاس الحقيقي، أرجعته الأسر إلى الغلاء الفاحش الذي لم يستثن حتى الحبوب الجافة من عدس و لوبيا وغيرها التي كانت تعتمد عليه الأسر محدودة الدخل بشكل أساسي بعد أن أصبحت الخضر باستثناء البطاطس و البصل لا تقدم إلا على موائد ميسوري الحال. »زهرة« أرملة تسكن بإحدى أحياء بوروبة تعيل ثلاث أطفال بعد وفاة زوجها منذ حوالي ست سنوات ، خرجت للعمل كمنظفة بإحدى المؤسسات التعليمية مقابل 12000دج بعد أن كانت ماكثة في البيت تتكفل بتربية أولادها، لكن دوام الحال من المحال راحت تقول وهي تتحسر على حياتها الماضية عندما كان زوجها يأتي بقفة لا ينقص منها أي شيء.... » كنت اخجل في البداية ،راحت تقول ،من التعامل بهذه الطريقة، لكن بقال الحي الذي يعرف ظروفي الاجتماعية جيدا ، خفف عني الحرج مقترحا علّي هذه الصيغة التي يتعامل بها مع أرباب اسر قال أنهم أحسن مني دخلا و أحوالا ، لم أتردد في قبول هذا العرض الأكثر من مغر وسارعت بفتح دفتر عند هذا البقال الطيب الذي افهمني منذ البداية أن اقتصر مشترياتي على الأساسيات حتى لا أتجاوز ميزانيتي، لم نتفق على سقف معين للمشتريات لكن كلما اقترب المبلغ من 2000دج أسارع إلى تسديده حتى لا اسمع عبارات و تلميحات هذا البائع الذي سمعته أكثر من مرة يتحدث بالسوء عن الزبائن الذين يشتكون لكن يشترون دون حساب. يوسف رب أسرة متكونة من ستة أشخاص يعمل في ورشة عند احد الخواص مقابل 20000 دج يسكن بأحد أحياء باش جراح ، اعترف لنا أن نار الأسعار التي مست حتى الحبوب الجافة دفعته للتعامل بصيغة »الكريدي« لكنه عكس جيرانه و حتى لا ترتفع الفاتورة أكد لنا انه يقصد بقال الحي كل نهاية اسبوع لشراء ما يحتاجه البيت من حليب و سكر و عدس ولوبيا و غيرها من الأساسيات و إذا لم يحدد البقال لي المسموح شراؤه والممنوع الاقتراب منه من كماليات، فإنني أرفض شراء الجبن والمايونيز للسلاطة بالدين بينما غيري لا يتردد في اقتناء المشروبات الغازية و التحلية بينما يتأخرون في دفع ما عليهم من مستحقات اتجاه البقال نهاية كل شهر، مما جعل هذا الأخير و غيره يلجاون إلى تطهير قوائم المستفيدين من هذه الصيغة من الانتهازيين، لا يتعاملون إلا مع من يثقون في ذمتهم المالية و المعروفون في الحي بأمانتهم و نزاهتهم . حورية اعترفت دون أي مشكل بكونها من المجبرين اجتماعيا و اقتصاديا للتعامل بصيغة »الكريدي« اعمل ، قالت، في إحدى ورشات الخياطة أتقاضى راتبا لا يكفي حتى لسد نفقات الحليب لابني الرضيع بينما نحاول براتب زوجي الذي يعمل حارسا في إحدى المؤسسات الخاصة تدبير أمورنا...كنا في البداية نلجأ إلى الاستدانة من الأهل ثم من المعارف لكن حتى الذين كنا نستدين منهم أصبحوا يشكون من غلاء المعيشة، لذلك اهتدينا إلى هذه الصيغة التي حدثتني عنها إحدى الصديقات، و بكثير من المن و» المزية «وافق البقال محذرا زوجي من مغبة الاختفاء عن أنظاره عند موعد الدفع... عبارة لم تعجب زوجي، لكن قلت له» واش ايدير الميت في يد غساله«. البقالون الذين يتعاملون بصيغة» الكريدي « بالأحياء الشعبية على قلتهم ، اعترفوا بكثرة المشاكل التي يواجهونها مع هؤلاء الزبائن بسبب عدم التزامهم بقائمة المشتريات الأساسية إذ لا يتردد البعض في إرسال أولادهم بقائمة طويلة من الكماليات يمتنع الكثير من البقالين على حد اعترافاتهم أخذها لمنازلهم ، إذ لا يتردد البعض في شراء جبن» الكاممبير« أو الأحمر »بالكريدي« و عندما يقترب موعد الدفع يتهربون بغباء مفضلين شراء ما يحتاجونه عدا و نقدا من عند بقال أخر ليعودوا بعد شح الميزانية. ونوه احد البقالين بأحد أحياء بوروبة و الذي بات يتعامل كثيرا مع هذا النوع من الزبائن بسبب كثرة عدد العائلات محدودة الدخل المقيمة بذات الحي بما يقوم به بعض ميسوري الحال من شباب الحي الذين يقترحون من حين لأخر تسديد فاتورة بعض الزبائن خاصة من الأرامل و المسنين الذين يعجزون عن تسديد مستحقات البقال في الآجال المحددة. و إذا كان أرباب الأسر من محدودي الدخل باتوا يفضلون هذه الصيغة التجارية التي أصبحت تمكنهم من جهة التحكم في ميزانية الأسرة من خلال ضبط قائمة المشتريات الأساسية و تجنبهم من جهة أخرى الاستدانة من الأهل و الأصدقاء فان الأطفال اعترفوا صراحة بخجلهم من التعامل بهذه الصيغة التي أصبح أقرانهم يعايرونهم بفقرهم و عوزهم بينما لا يتردد البقال في فضحهم أمام الملأ كلما قصدوه لاقتناء حاجيات للبيت بعبارة '' أصحاب الكريدي ابقوا جانبا '' في معاملة تمييزية تظهر للجميع قال احد الصغار القاطن ببوروبة أننا نأتي لنتسول لا لنشتري، مما دفع بمعظم الأطفال المستجوبين إلى رفض هذه الصيغة جملة و تفصيلا لأنها إذا كانت قد حلت بعض المشاكل المادية إلا أنها خلقت حرجا كبيرا لهم في أوساط أصحابهم وصنفت عائلاتهم في خانة الفقراء والمحتاجين، لكن يبدو أن الكبار لا يشاطرونهم الرأي، فراحوا يؤكدون بصوت واحد مادامت الأحوال على حلها ...لا نملك إلا هذا الحل في انتظار الفرج.