انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من الحرم القدسي الشريف بعد أن هاجمت المعتكفين هناك صباح أمس الأربعاء وفشلت في إدخال مستوطنين يهود، وقد أوقع الهجوم جرحى بين المصلين الفلسطينيين في الحرم. وقال مراسلون في القدس إن القوات الإسرائيلية فشلت لليوم الثاني على التوالي في إدخال متطرفين يهود إلى باحات المسجد الأقصى ضمن ما يعرف بعيد العرش، إذ حال دون ذلك وجود المصلين بأعداد كبيرة. وأفادوا أن الأوضاع الآن عادت إلى حالة الهدوء بعد أن هاجمت القوات الإسرائيلية المصلين في محاولة لطردهم من باحات الحرم القدسي وإخراجهم منه لتأمين عمليات اقتحام الجماعات المتطرفة. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصدر مقدسي أن الشرطة الإسرائيلية قامت -قبل انسحابها- بجولة تفقدية في ساحات الأقصى، وتبعتها قوات كبيرة من الوحدات الخاصة والقناصة وحرس الحدود والشرطة التي اقتحمت المكان واعتدت على المعتكفين. وقد استخدمت قوات الاحتلال الغازات المدمعة وأطلقت قنابل الصوت والرصاص المطاطي باتجاه المصلين، وهو ما أوقع العديد من الجرحى. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت أن المواجهات بين مواطنين فلسطينيين من القدس وعرب ال48 وبين الشرطة الإسرائيلية تجددت صباح أمس على خلفية اقتحام مستوطنين للحرم القدسي. وأفادت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث في بيان بأن قوات الشرطة الإسرائيلية اقتحمت فجر أمس المسجد الأقصى، واعتقلت الشاب محمد ارشيد من قرية جديدة في الجليل واقتادته للتحقيق. وفي ظل دعوات المستوطنين المتكررة لاقتحام الأقصى، تنادى الفلسطينيون إلى تكثيف وجودهم في البلدة القديمة من القدسالمحتلة، بينما اتخذت سلطات الاحتلال إجراءات أمنية استثنائية. وكانت منظمات إسرائيلية تطلق على نفسها اسم "المكتب المشترك لجماعات الهيكل" دعت مؤخرا إلى اقتحامات للمسجد الأقصى احتفاء بعيد العُرُش اليهودي. غير أن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل دعا الفلسطينيين بالقدس إلى الاحتشاد في ساحة المسجد الأقصى لإنقاذ القدس والأقصى "من دنس الاحتلال الصهيوني" داعيا الفلسطينيين لجعل القدس على رأس الاهتمام. وقال ملاحظون إن الفلسطينيين يخشون من أن تعمد إسرائيل إلى تقسيم الحرم القدسي بين المسلمين واليهود، كما فعلت في الحرم الإبراهيمي بالخليل، ولاسيما أن دعوات المتطرفين للاقتحامات باتت تحظى بغطاء سياسي. انتفاضة شعبية بالقدس تتحدى قمع إسرائيل وعليه، يخيم التوتر على القدسالمحتلة وسط اتساع دائرة الحراك الشعبي الفلسطيني الذي ترجم إلى صدام مع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تعتمد قمعه بالبطش والاعتقالات والغرامات الباهظة، حيث تسعى لمحاصرة المواجهات بالبلدة القديمة وأسواقها والمسجد الأقصى وتخومه بغية إخمادها ومنع انتشار نيرانها. وتحولت القدس بمقدساتها الإسلامية والمسيحية إلى رمز القضية الفلسطينية وما يعصف بها من تحديات تلخص جوهر الصراع، وذلك قبالة الهجمة الاحتلالية الشرسة التي تتعرض لها المدينة المقدسة وقوبلت بالتصدي والصمود للمقدسيين في وجه الاحتلال الذي يخشى أن تتحول هذه المقاومة الشعبية لنموذج فلسطيني عام. ومقابل شراسة عدوان الاحتلال على المقدسيين بمخططات التشريد والتهويد وما يرافقها من مسيرات استفزازية للجماعات الاستيطانية المساندة لوتيرة اقتحامات اليهود الجماعية لساحات الحرم القدسي الشريف، صعدت القوى الإسلامية والوطنية الفلسطينية بالقدس من الحراك الشعبي والوقفات الاحتجاجية المنددة بممارسات الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف القدس والمسجد الأقصى. وتصدت الأذرع الأمنية والعسكرية للاحتلال -مساء أول أمس- بعنف للحراك الشعبي الذي أطلقته القوى الوطنية والإسلامية بمشاركة شخصيات سياسية ودينية وشعبية، وأسفر ذلك عن جرح 15 فلسطينيا واعتقال ما لا يقل عن 40 آخرين. وحذرت القوى المقدسية في بيان من تصاعد الهجمة الاحتلالية على القدس وارتفاع وتيرة الاقتحامات للمسجد الأقصى وإقامة الشعائر التلمودية والصلوات اليهودية في ساحاته، وطالبت دول العالم والمنظمات العربية والإسلامية باتخاذ مواقف فورية وجريئة لردع الاحتلال وحماية المدينة ومقدساتها. ووصف عضو الهيئة التنسيقية للجان الشعبية بالقدس جواد صيام الاقتحامات للأقصى وحملة الاعتقالات بحرب تهويدية شاملة للمدينة ومقدساتها وحضاراتها. وأشاد بوحدة صف المقدسيين بوجه سياسة الاحتلال لاحتواء الانتفاضة الشعبية المتواصلة بالمدينة، مؤكدا أن تصعيد الحراك الشعبي بانضمام القوى الوطنية والإسلامية من شأنه أن يؤدي إلى تفاعل شعبي بمختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة. ووجه صيام انتقادات شديدة اللهجة لمختلف قيادات الفصائل الفلسطينية لعدم احتضانها ودعمها للحراك والمقاومة الشعبية بالقدس، واستشهد بما آلت إليه الانتفاضة الأولى التي أخمدت نيرانها عقب اتفاقية أوسلو. ويرى رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية بالقدس الشيخ عبد العظيم أن سلطات الاحتلال شرعت في المراحل الأخيرة من مخططاتها بالتطهير العرقي للمقدسيين، وهدم الحضارة الإسلامية والعربية وتزييف التاريخ وتهويد الحضارة سعيا لترويج الرواية اليهودية والمزاعم بحقهم في المكان. وأشار سلهب إلى أن إسرائيل "ماضية بالاستيطان في المدينة وتكثف من مشاريع تهويد المقدسات والأقصى وتحاول سحب الصلاحيات من أيدي الأوقاف الإسلامية لفرض السيادة الاحتلالية، لذا وجب علينا كمقدسيين مواجهة ذلك بوحدة الصف وتوسيع دائرة الحراك الشعبي لإسماع صرختنا للمجتمع الدولي للجم إسرائيل واستغاثة العالم العربي والإسلامي لمساندتنا ودعمنا وتعزيز صمودنا". من جانبه، قال عضو المجلس الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ديمتري دلياني إن الحراك الشعبي المتواصل في القدس ساهم بإفشال مخططات التقسيم الزمني للمسجد الأقصى خلال الأعياد اليهودية، فالمرابطون هناك استطاعوا من خلال مسيراتهم ووقفاتهم إجهاض الحراك اليهودي المتمثل بمسيرة مليونية كان من المقرر لها أن تقتحم أسوار المسجد. وأضاف دلياني أن "الاحتلال يحول القدس لثكنة عسكرية ويمهد الأجواء لعربدة المستوطنين، مما ينذر بوجود مخطط خطير بمنطقة البلدة القديمة بالذات، وهي المنطقة التي أضحت حاضنة لليهود ومنفرة لأصحاب الأرض الذين يتعرضون للترهيب، فيما تستمر الجماعات الاستيطانية باقتحام الأقصى بدعم رسمي وبشكل غير مسبوق، لتتكشف مخططات هدمه". ويرى أن الحراك الفلسطيني المتصاعد سيتحول إلى مقاومة شعبية للاحتلال، مستبعدا أن يتحول ذلك إلى كفاح مسلح لكي لا يجني الاحتلال أي ثمار، ويجب أن "تتبلور انتفاضة سلمية لا تشكل عبئا على القيادة الفلسطينية تحمل في طياتها أبعادا سياسية وشعبية تركز على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره لتفضح وتحرج قيادة إسرائيل عالميا".