الطبخ للآخرين تحولت إلى مهنة، تلجأ إليها العشرات من السيدات، اللواتي وجدن أنفسهن في مواجهة الحاجة، وغياب دخل يضمن لهن كرامتهن، فكان الاختيار واقعا لا مفر منه، وتعتبر فترة المواسم والأعياد فرصة ذهبية لدى هذه النساء من أجل الظفر بأكبر عدد من الطلبيات، خاصة فيما يتعلق بالحلوى، إلا أن عيد الأضحى حمل معه الجديد لهذه الطباخات، فتحولن من إعداد الحلوى إلى طبخ الأطباق التقليدية الخاصة بعيد النحر.. تحولت عدد من المواطنات إلى سيدات أعمال من داخل منازلهن، من خلال مهنة (الطبخ للآخرين) في المناسبات الخاصة، إلى جانب تلبية إفطار الموظفين والموظفات في عدد من الدوائر الحكومية، لا سيما في المدارس.. وقد نجحت (الطباخات) في الحد من البطالة التي يعانين منها، وتأمين لقمة عيش كريمة دون الحاجة إلى (مد اليد للآخرين)، وتكوين علاقات اجتماعية وشخصية على عدة مستويات، كما ساعد في نجاح هذه المهنة عمل نسبة كبيرة من النساء المتزوجات، وبالتالي فهن يلجأن إلى الطبخات خاصة في مواسم الأعياد من أجل التخفيف من أعبائهن المنزلية.. ولقد وجد هذا النوع من النشاط قبولاً وإقبالاً من المجتمع وله أبعاد كثيرة، فهو أولاً يشجع على العمل والكسب الحلال، خصوصاً ممن تعيل أسرة أو تكون أسرتها محدودة الدخل، حيث تسهم من خلال مهاراتها في الطهي في زيادة دخل الأسرة، مشيرة إلى أن الجانب الاقتصادي مهم جداً في مثل هذا النوع من المشروعات التي تدار من داخل المنازل ويجب أن يبحثه المختصون، لمساعدة المرأة في العمل وتطوير الفكرة، والتحول إلى مصانع ومعامل وورش عمل منتظمة، وتكون تحت إشراف جهات مختصة، وبذلك تجد المرأة مجالات عمل جديدة، فقد يكون بعضهن لديهن مهارة الطهي ولكن غير قادرات على توفير مستلزمات الطهي من المواد الغذائية والآلات المنزلية والعمالة المساعدة. استثمار موسمي كما تروي المعلمة سارة تجربتها، وقالت (أخبرتني إحدى زميلاتي أنها تعاقدت مع إحدى الطباخات في شهر رمضان الماضي لإعداد وجبات الفطور، وكيف أن ذلك أراحها من أعباء إعداد الأصناف المختلفة، فاستحسنت الفكرة وطلبت من نفس الطباخة أن تعد لي وجبة الفطور والسحور يومياً وتوصلها إلى منزلي، حيث سأتفرغ للعبادة والصلاة وأترك لها هم إعداد الطعام). أم عبد الرحمن، طباخة شعبية تحدثت حول موضوعنا، فقالت (الحاجة دفعتني قبل سبع سنوات للطهي، والحمد لله بعدها فتح الله لي باب رزق وأغناني عن المسألة، فبتشجيع من حولي من الأقارب والجيران أصبحت معروفة، وكانت بدايتي الفعلية بعد مشاركتي في الأعراس والمناسبات العائلية، وكان تميزي في عمل الأكل الشعبي باستخدام الأدوات القديمة عامل جذب للكثيرات، وعرفني على عدد من نساء المجتمع اللاتي يحبون وجود تلك الأصناف القديمة والتراثية على موائدهن، ومن خلال الممارسة أصبح لدي خبرة في نوعية المأكولات المناسبة لمختلف المناسبات والمواسم، كما أن الأواني التراثية والشعبية التي أستخدمها في تقديم الأكل أعطته ميزة إضافية، موضحة أنه يجب أن نكون على قدر من الذوق والتميز حتى نكسب الزبائن، فمن يجرب شيئاً يعجبه يعود إليه مرة ثانية.. أما الطاهية (أم عبد الله)، فقالت (زبائننا أغلبهن من الفتيات العرسان، أو من العاملات اللاتي لا يجدن وقتاً لعمل الفطائر والحلويات، فيلجأن إلى الأكلات الجاهزة، وقبل عدد من السنوات كنا نتميز في هذا المجال، ولكن أصبح هناك أكثر من جهة تعمل في الطهي، وبالتالي أصبحت المنافسة صعبة، لذا فنحن نركز على عدد من الجوانب الهامة في نوعية الأصناف التي نعدها، فنهتم بالشكل وطريقة التقديم والديكورات المصاحبة لعرض المأكولات، حيث جهزت المعمل المنزلي وخضعت أنا والعاملات المساعدات لي لعدد من الدورات التدريبية في مجال الطهي، حتى تلبي احتياج زبائننا ونقدم لهم خيارات متعددة تناسب جميع المناسبات والحفلات، وأتمنى أن يكون هناك دعم للمرأة التي تستثمر في هذا النشاط، لنقله من نشاط صغير وبسيط إلى إنشاء مطاعم مفتوحة أمام الجميع وبإدارتها وإشرافها الكامل، كما أن تطور الفكرة إلى صناعات ومنتجات غذائية تخضع لاشتراطات ومواصفات هيئات التغذية المحلية وحتى العالمية، وأتمنى أن ترقى المنتجات والصناعات الغذائية الجزائرية لمستوى الطموح وتنافس المنتجات المستوردة. فاطمة الزهراء خريجة من كلية الاقتصاد، امتهنت الطبخ بعد أن تعذر حصولها على وظيفة، تحدثنا عن تجربتها في هذا المجال، فقالت (جميل أن تمتهن عملاً تحبه لأنك حتماً ستبدع فيه، في البداية كانت المسألة بالنسبة إلي هواية، كنت أتسلى بعمل الأطباق من مختلف المطابخ، الشرقي والإيطالي والفرنسي، وأصطحب معي طبقاً من الحلويات أو الموالح في كل مناسبة عائلية أحضرها حتى اشتهرت بينهم، وفي حفل خطوبة أعز صديقاتي جهزت لها حفل عشائها هدية زواجها، ومنذ ذلك اليوم وأنا أستقبل الطلبات على المأكولات وأصناف الضيافة التي أعملها). وتتابع فاطمة الزهراء(أعتقد أن جانب التعليم في الاقتصاد، أفادني كثيراً، حيث دعم موهبتي بأن أجد حلولاً وابتكارات جديدة، وهذا ما يفضله الناس ويحبونه، حيث إن الطرق التقليدية قل ما تجد لها زبائن، ومن خلال تجربتي أدعو جميع النساء الماكثاث في البيت خاصة اللواتي يعشن في ضيق مالي، أن يفكرن جيداً بمثل هذا المشروع، الذي يؤمن مصدراً مادياً جيداً وعملاً مناسباً للمرأة في بيتها، وبشكل من يضمن لها كرامتها)..