إذا كنت فلسطينيا تسكن بالقدسالمحتلة فبالتأكيد تلقيت إخطارا من لجنة التنظيم والبناء التابعة لبلدية الاحتلال يبلغك بهدم منزلك بذريعة انعدام التراخيص. وحتى لو كنت تسكن البلدة القديمة، فإن الوضع لن يختلف، لأن الهدم سينال من بيتك المتصدع والآيل للسقوط بسبب حفريات سلطة الآثار الإسرائيلية، وستمنع لعقود من ترميمه وصيانته. ترسم هذه الصورة واقع المحامي رشدي أبو غيث البالغ من العمر 38 عاما، بعد أن وجد نفسه مع زوجته وأطفالهما الستة بدون مأوى وبلا أرض، مثل مئات العائلات المقدسية التي هدمت منازلها وصودرت أراضيها العام الجاري. فبعد معاناة لسنوات بأروقة المحاكم الإسرائيلية، أصيب خلالها بجلطة بالرئة والقلب، أُبلغ رشدي بحتمية هدم منزل العائلة وتغريمه مبلغ 15 ألف دولار. ويستذكر رشدي الذي يسكن حاليا شقة صغيرة مستأجرة ظروف عملية الهدم المباغت لمنزله ومصادرة أرضه، قائلا إنه كان يتوجس من هذا المصير بعد مصادرة أراضي الجيران في ظل نشاط للاستيطان والحدائق التوراتية. ويضيف أنه أحس بالظلم ورافقته طويلا كوابيس وهواجس المستقبل المبهم، بينما توفي والده نتيجة تغلب الحسرة والقهر على مشاعره. لكن رشدي يؤكد أنه تجاوز المحنة بفضل قوة إرادته، قائلا (تخطيت وأطفالي حاجز الخوف وتسلحت بالقوة والإصرار على الصمود والتصدي للاحتلال ومخططاته). ويتحكم الشعور بالخوف من التهجير والتشريد في العديد من العائلات المقدسية التي تقطن البلدة القديمة ويبلغ تعدادها عشرين ألف نسمة، بينما تسومها إسرائيل صنوف الإذلال والتضييق. الحاج بسيم دعاس هو الآخر عنوان حيّ لقصص التهجير والتشريد التي تكتبها إسرائيل للعائلات الفلسطينية بالقدس. ويقول دعاس إنه و28 عائلة مقدسية تلقوا أوامر بإخلاء منازلهم بذريعة أنها متصدعة وآيلة للسقوط، قائلا إنه يتقاسم بيته مع أربعة من أبنائه المتزوجين. ومثل غيره من سكان الحي، ترتقب دعاس منتصف أكتوبر الجاري الذي حددته بلدية الاحتلال للشروع في إخلاء المنازل، بينما يُفترض أن تبت المحكمة الإسرائيلية في استئناف تقدم به الأهالي ضد هذا القرار. ومع تصاعد وتيرة الهدم ومصادرة الأراضي للتهويد والاستيطان، كثفت الفعاليات المقدسية من خطواتها النضالية الشعبية للتصدي للاحتلال الذي شرع في تنفيذ مخطط لهدم 450 منزلا بموجب قرارات المحاكمة الإسرائيلية. ويوضح رئيس اللجنة الشعبية بقضاء العيسوية مفيد أبو غنام أن الاحتلال يشن حربا شرسة على مختلف مناطق القدس لتهويدها وتشريد سكانها ومصادرة أراضيهم ومنحها للمستوطنين. وينبه إلى أن إسرائيل تتطلع لبناء نحو ستين ألف وحدة سكنية إضافية، ضمن مخطط "القدس الكبرى" مستهدفة المناطق المتاخمة للضفة والمواقع الإستراتيجية. ومن أبرز المناطق المستهدفة منطقة العيسوية التي تواجه قرارا بمصادرة 740 دونما من أراضيها لإقامة حديقة وطنية لليهود، إلى جانب أوامر هدم تهدد 2500 وحدة سكنية. من جانبه، لفت مدير الخرائط ونظم المعلومات بمركز الدراسات العربية د. خليل التفكجي إلى أن إسرائيل تعتمد (سلاح الهدم) ضمن برنامج مدروس لتقليص وجود الفلسطينيين بالقدس والذين يبلغ عددهم ثلاثمائة ألف نسمة. ويضيف أن إسرائيل مهدت لترحيل الفلسطينيين عن القدس بجدار الفصل العنصري الذي سلخ نحو 125 ألف فلسطيني عنها، بينما تهدد السلطات حاليا بسحب الإقامة منهم. وبالتوازي مع الهدم والتهجير، تواصل إسرائيل المشاريع العمرانية وضم الكتل الاستيطانية لخلق أغلبية يهودية بالقدسالمحتلة. ويسكن بالقدس نحو تسعمائة ألف يهودي منهم مائتا ألف مستوطن بالقدس الشرقية التي تضم نحو 48 ألف وحدة سكنية للفلسطينيين صدرت أوامر بهدم 22 ألفا منها. وفي حديث له، قال التفكجي إن إسرائيل تستغل أجواء المفاوضات والظروف الإقليمية، لتمرير مخططاتها بتصعيد وتيرة الهدم والاستيطان.