انتهت مناسك خامس أركان الدين الحنيف، الحجّ، وسيشرع حجّاجنا الأفاضل هذا الأسبوع في العودة إلى بلادهم وأهلهم وذويهم، ونرجو اللّه أن يكون حجّهم مبرورا وذنبهم مغفورا، ونأمل أن يعودوا كيوم ولدتهم أمّهاتهم، بلا ذنوب، ولكن مرّة أخرى عاد الحديث عن (بهدلة) وإهانة حجاج الجزائر. الحجّاج الجزائريون لم ينجوا هذه السنة على غرار السنوات الأخيرة من (التمرميد)، حيث كان المئات منهم على موعد مع معاناة كبيرة، ليس المتسبّب فيها كثرة عدد حجّاج بيت اللّه الحرام ولا أشغال التوسعة التي تمسّ الحرمين الشريفين، بل التسيّب الذي أصبح ميزة جزائرية خالصة. ازدحام شديد لرمي الجمرات أدّى جلّ الحجّاج الجزائريين للموسم الحالي يوم الخميس الركن الأخير للفريضة الخامسة بعد رمي جمرة (العقبة) صباح يوم العيد الموافق للعاشر من ذي الحجّة والجمرات الثلاث الصغرى والمتوسطة والكبرى يومي 11 و12 من الشهر. وقد شهد منسك رمي الجمرات زحاما كبيرا، خصوصا للمتعجّلين وذلك رغم فتح طابقين لرمي الجمرات وإصدار فتوى شرعية أجمع عليها فقهاء المذاهب الأربعة تسمح للحاجّ برمي الجمرات على مدار الساعة منعا للتزاحم وعدم رمي الجمرات على الوجه الشرعي الصحيح. وقد تسبّبت مخالفة هذه الفتوى في وفاة العديد من الحجّاج، خصوصا المسنّين والنساء بفعل التزاحم حول حوض الجمرات وإصابة العديد منهم بجروح في الرأس نتيجة رشقهم بالجمرات من مسافات بعيدة عن الحوض. وميدانيا لوحظ خلال هذا الموسم أن الكثير من الحجّاج الجزائريين البالغ تعدادهم 28 ألف و800 حاجّ وحاجّة وخصوصا الشباب منهم فضّلوا التأخّر إلى اليوم الثالث عملا بالآية الكريمة {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتقى} وكذلك تجنّبا لأذى الازدحام. في هذا الشأن قال الحاجّ نصر الدين خلاصي الذي فرض الحجّ هذا الموسم مع أمّه (أفضّل أن أكون في حجّتي الأولى من المتّقين أولا تطبيقا للآية السالفة الذكر وأجتنب الزحام وأذى الآخرين ثانيا وأتمتّع بحسن أداء كل المناسك التي فيها منافع كثيرة لضيوف الرحمن). الحجّاج يختمون مناسكهم بطواف الإفاضة واصل مئات الآلاف من حجّاج بيت اللّه الحرام التوجّه إلى مكّة المكرّمة لأداء طواف الوداع الذي تكتمل به مناسك الحجّ بعد رمي معظمهم الجمرات الثلاث بمشعر منى أمس الجمعة ثالث أيّام التشريق. وقالت السلطات السعودية إن نحو 1.9 مليون حاجّ قاموا أوّل أمس الخميس برمي الجمرات (الصغرى فالوسطى ثمّ جمرة العقبة) بكلّ يسر وسهولة مستخدمين الطبقات التي قامت السلطات السعودية ببنائها بتكلفة تبلغ نحو أربعة مليارات ريال سعودي. وساعدت قلة أعداد الحجّاج مقارنة بالأعوام السابقة على التحرّك بسهولة، وبينما أتاح تطوير جسر الجمرات -المكوّن من ستة طوابق- رمي الجمرات بطمأنينة دون أي عوائق، ينتشر رجال الأمن انتشارا منظما لتقسيم الحجاج إلى مجموعات وفصلهم يمينا ويسارا تجنبا للازدحام. وتعتمد السلطات السعودية تنظيما دقيقا لتفويج الحجّاج لرمي الجمرات من أجل استيعاب التزاحم الشديد ووجود الحجاج في وقت واحد بالمكان ذاته، حيث يفوّج حجّاج كلّ دولة وفقا لجدول وتوقيت محدّدين مسبقا. ويبلغ طول جسر الجمرات 950 متر وعرضه ثمانين مترا، وصُمّم على أن تكون أساسات المشروع قادرة على تحمّل 12 طابقا وخمسة ملايين حاجّ في المستقبل. لا أوبئة في الحجّ طلبت وزارة الحجّ السعودية من نصف الحجّاج هذا العام عدم التعجّل في أداء المناسك والبقاء حتى آخر أيّام التشريق، وذلك في خطوة استباقية لتخفيض حدّة الازدحام أثناء أدائهم طواف الوداع. وبلغ عدد الحجّاج الذين أدّوا الفريضة هذه السنة نحو مليونين، وهو ما يعني انخفاضا بنسبة 37.4 بالمائة مقارنة بالعام الماضي. ويستعدّ قرابة 600 ألف من الحجّاج -بعد أدائهم طواف الإفاضة- للتوجّه إلى المدينة المنوّرة للصلاة في المسجد النبوي والسلام على الرسول (محمد) صلّى اللّه عليه وسلّم وزيارة بقيع الغرقد الذي يضمّ بين جنباته أكثر من عشرة آلاف صحابي والاطّلاع على أبرز المعالم الإسلامية التاريخية في المدينة المنوّرة. ووصفت السلطات السعودية موسم الحجّ هذا العام بالناجح نظرا (للتنظيم الرائع لموسم الحجّ والتعاون والتنسيق الكبير بين الجهات الحكومية العاملة في الميدان، وللحملة التوعوية التي سبقت موسم الحج وكان لها الدور الكبير في اختفاء كثير من الملاحظات التي كانت تقع في السنين السابقة). ومن جهتها، أعلنت وزارة الصحّة أمس أن مستشفياتها في المشاعر المقدّسة استقبلت أكثر من 997 ألف قرابة المليون حاجّ، مؤكّدة أن موسم حجّ هذا العام خلا من الأمراض الوبائية، وأن الحجّاج يتمتّعون بالصحّة والعافية.