أطفال تحوّلوا إلى مدمنين على محلات الأكل السريع ظاهرة انتشرت واستفحلت في مجتمعنا في الآونة الأخيرة إلى أن تحوّلت إلى ثقافة ألا وهي ثقافة (الفاست فود) أو الأكل السريع، هذه الظاهرة كانت من فترة ليس ببعيدة مقتصرة على فئة المسافرين والذين أتعبهم السفر ولا يجدون ما يسدون به رمقهم فيلجأون إلى مثل هذه المحلات لمواجهة مشاق السفر، أما الفئة الثانية فهي فئة العمال وليس كل العمال بل الذين يعملون في أماكن بعيدة عن مساكنهم، إلا أن ثقافة الفاست فود سرعان ما تحوّلت إلى عدوى سريعة الانتشار وسط كامل أفراد المجتمع الجزائري.. ليندة مخلوفي أدى تسارع نمط الحياة إلى اتساع هذه الظاهرة، بحيث أخذت حيزا أكبر لتطال شريحة أوسع من المجتمع بحكم أن جميع أفراد الأسرة إما أن يكونوا عمالا أو طلبة بل وحتى تلاميذ المدارس لم يسلموا منها، فسرعان ما تحوّلت من ظاهرة إلى ثقافة والغريب أنها وصلت إلى عقر دارنا فأصبحت ملاذا لكثير من النساء اليوم فنجد الكثير من النساء حتى لا نقول معظمهن كل يومين أو ثلاثة تطلب إحضار أكل من الخارج أو تطلب من زوجها أن يعشيهم خارج البيت وكل مرة تأتي له بحجة، مرة التعب ومرة المرض ومرة الانشغال بأعمال البيت، وإن لم تجد أي سبب تتسبب بحجة تغيير الجو في الخارج، إضافة إلى أنها لم تعد تقتصر على النساء العاملات بل حتى ربات البيوت وعند غياب مختلف الأكلات الشعبية والمنزلية في غالب فترات العام فتحل محلها الوجبات السريعة لقضاء الشخص فترات كبيرة خارج المنزل، فهذه الأخيرة لا تأخذ وقتا كثيرا لإعدادها وأيضا هي متوفرة في كل مكان بعكس الأكلات الشعبية، هذا ما أدى بنا إلى التساؤل عن الأسباب التي ساعدت على انتشار هذه الظاهرة بهذه الطريقة بعد أن كان الغذاء والعشاء من المواعيد المقدسة للأسر ويجب التساؤل عن الخطأ هل في الفاست فود أم نحن من أساء استخدامه؟ الربح فوق راحة الزبون فالمواطن لا يريد أن يودي بنفسه إلى التهلكة فهو ينفق ماله لأخذ وجبات في المستوى المطلوب الذي يريده، حيث يشتكي أغلب المواطنين الذين التقينا بهم من الطريقة التي يتعامل بها أصحاب هذه المحلات والطريقة التي تحضر بها تلك الأطباق والأكلات، ناهيك عن انعدام النظافة وسوء استقبال الزبون حيث يذكر المواطنون بأن مستوى هذه المطاعم تدنى بدرجة كبيرة في الآونة الأخيرة إلى درجة أن الفرد لا يستطيع أن يتناول وجبته في ظروف ملائمة ومريحة، وبحسب المواطنين فإن الملام الوحيد في هذه القضية هم أصحاب المحلات الذين لا يهمهم سوى الربح وبالتالي لا يكترثون لا للزبون ولا بحسن استقباله ولا توفير الجو الملائم له ليشعر بالراحة، متناسين بذلك بأن خطر المواد الغذائية قد فتك بحياة الكثيرين وفي مقدمتها مطاعم الشوارع، وغالبا ما يتضرر المواطنون من مطاعم المسافرين حيث أنه عادة ما يتفق سائقو حافلات النقل مع أصحاب المطاعم على التوقف أمام المطاعم لأجل تناول وجبات الإفطار، وعادة ما تتحول هذه الوجبات إلى مصدر تسمم للمسافرين. إذن هي ظاهرة انتشرت بشكل ظاهر للعيان واشترك فيها الجميع سواء شبانا وشابات، كهولا، عجائز وشيوخ، ولا شك أن تأثرنا بما في العالم يؤثر جذريا على مجتمعنا فعمل الغالبية من النساء وكثرة الخروج من البيت سواء للدراسة أو التسوق أو السياحة ونظرا لضيق الوقت وضغوط الحياة مع كثرة الانشغالات بالنسبة للأسر الجزائرية والأبناء ومشاكلهم، ناهيك عن انخفاض تكلفة الوجبة السريعة الخفيفة بالنسبة للمواطن الذي يرى أن سعرها منخفض كلها أسباب ساهمت في انتشار هذه الظاهرة. غياب الرقابة يزيد من انتشار الظاهرة يقول أحد المواطنين الذين صادفناه في محل للفاست فود بأن هذه المهنة أصبحت شغل من لا شغل له وأصبح من هب ودب يفتتح له محلا صغيرا بأدوات بسيطة ويجعله محلا للأكل السريع سواء كان يفقه في هذه المسالة آم لا يفقه فيها شيئا، فأغلب المحلات تفتقد إلى النظافة سواء كان ذلك من جهة العمال أو من جهة التجهيزات، حيث صرح بعض المواطنين ل (أخبار اليوم) بأنهم يجدون في المحلات من يقوم بطبخ الأكلات بثياب متسخة ولا يهتم بنظافته أبدا ولا يرتدي حتى قفازات تحمي الأكل من المكروبات والجراثيم سريعة الانتشار في عصرنا الحالي، إضافة إلى التجهيزات والأدوات التي يعمل بها وحدث ولا حرج عن الأواني التي تقدم فيها المأكولات والطاولات التي هي متسخة بالزيوت لدرجة أن المواطن لا يستطيع أن يضع يديه على الطاولة التي سيأكل فيها. وفي بعض الأحيان إن لم نقل أن أغلب المحلات تستعمل هذه الطريقة وهي أنهم يضعون لك بقايا الخبز التي استعملت من قبل وعند دخولك المحل لا تستغرب إن وجدت الطاولات متسخة، فيأتي ذلك العامل لينظفها فوق ثيابك دون اعتبار للزبائن واحترامهم وقد تجد بعض النساء مشاكل حتى مع العاملين بالمحلات، ففي بعض الأحيان يقوم العمال بتقليل احترام الزبائن. ويأتي هذا كله في ظل غياب الرقابة من السلطات المعنية بالأمر التي تتفقد بعض المحلات وليس كلهم وفي أوقات محددة ولا تلتزم بالمراقبة الدائمة لهذه المحلات التي تشكل خطرا على صحة الفرد والمجتمع، إذ أن أغلب المحلات ما إن تسمع بأن لجنة مراقبة النوعية الغذائية يتجولون يسارع أصحابها إلى غلقها بصفة مؤقتة حتى تنتهي فترة المراقبة. المواطن الجزائري "أكل متسخ ولذيذ" يقول أحد المواطنين من الشرق الجزائري بأن هناك مقولة متداولة في المنطقة التي يسكن بها عن هذه المأكولات والوجبات السريعة وهي مقولة (متسخ ولذيذ)، يضيف قائلا بأنه من محبي الأكل خارج البيت أي هو من عشاق أكل (الفاست فود) ولا يحبذ إطلاقا المأكولات التقليدية مثل (البربوشة) أو (التريدا) وغيرها يكمل حديثه قائلا، (إن وضعت لي الوالدة هذه الأنواع من المأكولات لن آكلها وأفضل شرب كأس من الحليب بدلا منها في انتظار ذهابي إلى محلات الفاست فود، أي أني أحبذ الأكل السريع لأنه لذيذ على أكل المنزل ولا أكترث لما فيه من أضرار صحية رغم أني أعاني من مرض القولون في العديد من المرات). حيث لطالما كانت هذه المحلات أكثر الوجهات إقبالا من طرف المواطن نظرا لما تعرضه من مأكولات استحوذت على عقول وبطون الكثير منهم بداية من ساندويتشات الشاورما، قطع البيتزا المطلية بالهريسة والمايوناز، البانيني، الفرنطيطا وغيرها من الأكلات السريعة. نساء يفضلن الأكل السريع على الطبخ في المنزل إقبال النساء أيضا على هذا النوع من المحلات بعدد هائل لاحظناه في جولتنا الاستطلاعية، حيث اكتظ بهن محل الأكل السريع ببلدية الدويرة، هذا الأخير وبحكم تواجده بالقرب من السوق التجاري، فرض سيطرته عليهن مفضلات أخذ قسط من الراحة والأكل فيه قبل العودة إلى منازلهن. وفي هذا الإطار تقول نعيمة كانت برفقة بناتها (إن هذا المحل خفف عنا عناء الطبخ بعد العودة إلى المنزل، فبمجرد الانتهاء من التسوق نتناول وجباتنا فيه ونعود أدراجنا بعد أن نكون قد أخذنا قسطا من الراحة). أما كريمة موظفة بذات البلدية قالت هذا المحل وجهتي رفقة زميلاتي في وقت الغداء، حيث نأتي إلى هنا ونأكل ساندويشات ومشروبات وعصائر، رغم أنه لا يحتوي على النظافة التي نريدها ولكن حين نكون مجبرين على أخذ قسط من الراحة أو الأكل فنتغاضى عن هذه الأشياء). من جهتنا كانت لنا جولة استطلاعية لزيارة بعض محلات الفاست فود الموزعة عبر شوارع بلدية الدويرة والبلديات المجاورة، وما شد انتباهنا عند دخولنا لهذه المحلات هو عدم احترامها لشروط النظافة، وكذا عدم ارتداء العاملين بها ملابس عمل نظيفة، وتسابقها على تلبية هذه الطلبات التي تتزايد مع مرور كل ثانية أمام القلق الذي يميز المستهلكين في تحضير الوجبات وتقديمها. من جهتهم، يقبل التلاميذ بصفة عامة بشكل كبير على هذه المحلات، حيث التقينا العديد منهم، فسمير تلميذ بالثانوي قال: (أنا يوميا أتناول غدائي بهذا المحل رفقة أصدقائي، ولا أفضل أكل المطعم بالثانوية، لأنه لا يلبي رغباتي.... كما أن الأسعار ملائمة، وأبي يعطيني يوميا مصروفي)، أما التلميذ كريم بالثانوي، فقال: (ساندويش فريت وكأس حمود، ونفريها، أحب كثيرا أكل الفاست فود...). وبالرغم من أن الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث حذرت من أن الأطفال الذين يقصدون محلات الفاست فود يعانون من تذبذب غذائي يؤثر سلبا على صحة أجسامهم، نظرا لما تحتويه الوجبات التي يتناولونها من مركبات غذائية فقيرة من الفيتامينات ومضرة بالمعدة، كما حذّر الأطباء من إفراط الأطفال في تناول الأغذية التي تحتوي على كميات من الزيوت التي عادة ما تنتهي صلاحيتها وتتسبب في تسممات غذائية خطيرة. إضافة إلى أن الأطفال الذين يقصدون محلات الفاست فود يدمنون على تناول المشروبات الغازية بكافة أشكالها، مما يسبب لهم إصابات خطيرة على مستوى الأمعاء والجهاز الهضمي. وحسب الدراسة دائما فإن ربع العائلات الجزائرية تعتمد في غذائها على العجائن التي تتميز بافتقارها للفيتامينات بكافة أشكالها، في حين أن كثيرين منهم يعيشون على محلات (الفاست فود).