بقلم: محمد صادق الحسيني غلبت الروم في جنيف، أقر بنو الأصفر بحق إيران بالتخصيب والعقوبات إلى انحدار بالتدريج، وطهران تمهل الغرب ستة أشهر بتخفيض حجم النشاط دون توقيف أو تعليق لكنها تؤكد بوضوح وشفافية كما ورد على لسان وزير خارجيتها: إن عدتم عدنا.! هذا هو ملخص جنيف وهو ما كنا توقعناه، أما الأهم فهو حنق المفلسين والمهزومين في بيروت، وإليكم قصتهم مع سفارة المنتصرين الغالبين: - إن محاولة اقتحام السفارة الإيرانية في بيروت أتى في سياق محاولات مستمرة منذ أشهر لتنفيذ اعتداءات على المناطق الشيعية في لبنان في إطار حشد مذهبي حاقد هدفه إشعال فتنة سنية شيعية، نجح منها تفجيرا بئر العبد والرويس. - المحاولات السابقة نفذت بواسطة سيارات مفخخة وصواريخ على طريقة: (تكره حزب الله، ضع هذه السيارة المفخخة في الضاحية). - قد تكون الجهة الدافعة باتجاه تفجيرات: السعودية. ومع ذلك، فإن ما حصل في محاولة اقتحام السفارة مختلف من بعض الجوانب: * من حيث طبيعة التفجير، الذي شكل ارتقاءً درجة على المحاولات السابقة: تفجير مزدوج + دخول الانتحاريين على المشهد. * من حيث طبيعة الهدف: السفارة الإيرانية التي تعتبر بحسب العرف الدبلوماسي والقانون الدولي أرضاً إيرانية وتخضع لسيادة الجمهورية الإسلامية. وعليه، فإن الاعتداء أشبه باعتداء على طهران نفسها، من حيث مفاعيله. * توقيته: عشية مفاوضات جنيف حول النووي الإيراني، وفي أوج معركة القلمون. * تجهيز جيش من نحو 50 ألف جندي سوري لاستلام السلطة من الرئيس بشار الأسد، ناهيك عن تحويل الأردن إلى قاعدة لوجستية ومنطقة عمليات للمجموعات الإرهابية العاملة في سورية. ولا بد من الإشارة إلى أن كل ذلك جاء في ظرف دولي تبدو فيه عجلة التقارب الأميركي مع إيران تسير بسرعة فائقة، وفي وقت نجحت فيه فرنسا، بعد شغب، في فرض نفسها شريكا في التسوية، أو على الأقل ضمان حصتها فيها، بخلاف السعودية التي أدركت على ما يبدو أنها فقدت أهميتها الإستراتيجية (النفطية) بالنسبة للسيد الأميركي، وأنها وضعت على الرف، لحظة جلس المفاوضان الأميركي والإيراني إلى طاولة واحدة. هل يمكن للسعودية أن تتعايش مع تفاهم أميركي إيراني؟ كل المؤشرات تؤدي إلى إجابة وحيدة: لا. والأسباب كثيرة. صحيح أن الأساس فيها إيديولوجي، مرتبط بالهيمنة الوهابية على المملكة، وبالصراع التاريخي على خلفية ما يعرف بالعصبية العشائرية والتي تؤدي دوراً كبيراً. كذلك الأمر بالنسبة لتوقيت تلك التسوية، في ظل حال من الخسارة السعودية العامة في المنطقة، من العراق، إلى سورية فلبنان واليمن والبحرين على الطريقة لكن المسألة تبدو أكثر تعقيداً، محورها معلومات عن أن الصفائح الكرتونية التي أقيمت عليها المملكة، بدأت تتصدع. على الأقل هذا ما تفيد به المعلومات الواردة من داخل البيت السعودي، والتي تتحدث عن ما يلي: أولاً، تزايد ثقل المؤسسة الوهابية على حساب نفوذ العائلة المالكة. بل هناك كلام عن أن كوادر هذه المؤسسة باتوا أكثر انتقادا للعائلة وما عادوا يقبلون بهيمنتها على ثروة البلاد ورقاب العباد. ثانياً، يبدو واضحاً أن جناح بندر الفيصلين يتحمل مسؤولية كل الحراك السعودي، في إشارة إلى بندر بن سلطان وسعود الفيصل وتركي الفيصل. المعلومات المتوافرة تفيد بأن الثلاثي المذكور بات مقتنعا بأنه سيصبح خارج أروقة الحكم السعودي ما أن يغمض الملك عبد الله جفنيه، خاصة وأنهم خسروا كل رهاناتهم الإقليمية. ما كتبته الغارديان قبل يومين معبر (الحديث عن أن ولي العهد المقبل ستعينه هيئة البيعة التي تفضل الأمير أحمد، أصغر الأخوة السديريين الذي يبدو أنه على نقيض من مجموعة بندر التي تسعى لإقناع الملك بتعيين الأمير مقرن وليا للعهد!!!!). ثالثا، تضاف إلى ذلك معلومات أن صراع الأجيال داخل العائلة المالكة بلغ مستوى تكسرت تحته الهيكليات والتراتبية وزاد مستوى الفجور والتضعضع. وعلى سبيل المثال، يحكى عن اجتماع عقده الملك عبد الله قبل أسابيع ضم بندر بن سلطان إلى محمد بن نايف ومتعب بن عبد الله كانت نتيجته جد مسيئة في بلد الاحترام الكبير قاعدة حديدية فيه فكيف إن كان ملكاً: فقد تعالت الأصوات بين الأمراء الشباب، في حضور الملك الذي آثر مغادرة القاعة. مملكة فيها تيار بامتدادات دولية وإقليمية وموارد مالية هائلة يتحكم بأجهزة أمنية وتنظيمات مسلحة يسعى إلى فرض وقائع ميدانية في المنطقة، وفرض موازين قوى جديدة في الداخل السعودي! من جهة أخرى فإن كل الحراك الدولي والإقليمي منذ غزو العراق بالحد الأدنى يستهدف جر محور المقاومة، وخاصة إيران وحزب الله إلى معركة مذهبية عرقية مفتوحة، وبالتالي فإن أي انجرار إلى أتون معركة كهذه نكون قد وضعنا أنفسنا في الفخ الذي نصبوه لنا. ثم إن الحركات التكفيرية المسلحة هي أشبه بخلايا سرطانية لا يمكن القضاء عليها بالضربات القاضية، على ما بينت التجربة في أفغانستانوالعراق وسورية. فهي تملك العناصر الثلاثة التي تؤمن نموها واستمرار روافدها التي لا تنضب: المال والإيديولوجيا والبشر. وبالتالي فإن معركة مفتوحة مع هذه الجماعات، لا يمكن ربحها. وحتى ولو لم نخسرها، إلا أن تكلفتها ستكون باهظة جداً. -إن تهدئة مؤقتة، من أي نوع كانت مع الغرب المنكسر على بوابات صبر إيران الاستراتيجي وصمود سورية التاريخي، لابد سيؤدي إلى رفع العقوبات عن طهران وإن تدريجيا واعتراف غربي بموقع إيران ونفوذها في المنطقة، تشكل خسارة محققة للسعودية. أي أن أي مكسب لإيران هو حتماً خسارة للسعودية. - بغض النظر عن موقفنا الفعلي من جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه لا يمكن إنكار تناقضها الإيديولوجي والمصلحي مع الوهابية كفكر والسعودية كبلد. فالأولى، تنظيم إسلامي دولي يسعى إلى إقامة الخلافة، فيما الثاني عبارة عن تحالف مصلحي بين مؤسسة دينية وعائلة: الأولى تؤمن المشروعية الدينية لحكم الثانية التي تؤمن استمراريتها من خلال مظلة دعم أميركية في مقابل خدمات مالية واقتصادية وأمنية وإيديولوجية على المستويين الدولي والإقليمي. وبالتالي فإن تعزيز هذا الصراع بين السعودية والإخوان عبر دعم هذه الأخيرة وتقويتها يشكل مصلحة حيوية. - يبدو واضحا أن الغرب يدرك بأن علاقته مع تلك المجموعات سيف ذو حدين: يستخدمها إلى النقطة التي يحقق من خلالها مصالحه، لكنه يرسم حدودا واضحاً، تصبح فيها تلك المجموعات خطراً عليه، إذا ما تم تجاوزها فينقلب على تلك المجموعات ويعمل على تصفيتها. ما حصل ويحصل في سورية خير دليل، وبالتالي فإن من مصلحتنا اللعب بين أشبه ما يكون بحقل ألغام بما يجعل الغرب يقر ويعترف بأن تلك المجموعات تجاوزت الخطوط الحمر تلك. - بغض النظر عن دقة معلومة بأن الولاياتالمتحدة سبق أن أعطت بندر بن سلطان فترة سماح حتى نهاية العام الحالي لتحقيق إنجاز ميداني ما يمكن صرفه بالسياسة، فإن قدرة واشنطن على تحمل ممارسات بندر (المدعومة بلا شك من قبل تيارات متطرفة أميركية وتحظى برعاية، مباشرة أو غير مباشرة من إسرائيل) تتضاءل كلما سارت الإدارة الأميركية في اتجاه إبرام تفاهمات، أو كلما زاد تفاؤلها من إمكانية إبرام تفاهمات مع إيران. وما يؤكد ذلك هي تلك المكالمة الهاتفية الشهيرة بين قيصر روسيا والملك عبد الله والتي قال فيها الأول للثاني: من يكلمك ليس قيصر روسيا لوحده بل أكلمك باسم إجماع اللاعبين الكبار، بأن اعترف بجنيف وإلا خسرت كل شيء! في الختام ينصح العقلاء بالقول بأن أي رد عقلاني ومجدي على تفجير السفارة يجب أن يعتمد مقاربة إستراتجية مبنية على ما ذكر أعلاه. لكن هناك مشكلة يجب حلها أولا وسريعاً. ما حصل في تفجير السفارة كان تجاوزاً لكل الخطوط الحمر، واستهدافا مباشرا وموقّعاً لإيران نفسها. من هنا فإن رداً ميدانياً على تفجير السفارة يعتبر واجباً، مع الأخذ بالاعتبار أنه يجب ألا يكون أبداً رداً انتقامياً وإنما رداً ردعياً. وأن من شروط هذا الرد أن يكون مباشراً، وأن يحمل توقيعاً إيرانياً واضحاً وألا يؤدي إلى تدحرج الأمور بما يطلق حربا مذهبية!