بقلم: فاطمة الزهراء بولعراس كثيرا ما أتحرج وأنا أجد صحافتنا وكذلك المواطنون يطلقون اسم (اليتيمة) على تلفزتنا الموقرة وإن كان المعنى الذي يقصدونه ربما ليس ذلك الذي أفهمه أو يفهمه غيري، كما أشعر بأن هناك مبالغة في انتقاد ما تعرضه من برامج وأخبار، واعتقدت دوما ولازلت أنه لابد من أن هناك شيئا جميلا فيها مهما بالغنا في النقد.. لكن في بعض الأحيان أشعر أن المنتقدين على حق لأن التلفزيون(الوطني) يحيد عن دوره الوطني التوعوي أحيانا ويخبط خبط عشواء بقصد أو بدونه.... آخر ما أقدمتْ عليه تلفزتنا الموقرة بعد عرضها لأغانٍِ ارتجالية احتفالا بفوز فريقنا الوطني (فوز دائم إن شاء الله) أغاني لا تدخل في حساب الموسيقى من الناحية الفنية ولا في حساب الأدب من ناحية الكلمات أو القصائد.. هي ارتجالات على شاكلة (من كلماتي وتلحيني وغنائي) التي أفرزت عباقرة في الهبوط بذوق المتلقّي إلى الحضيض... وبعد أن كان المتلقي يتعلم من الفنان والشاعر والصحفي والمذيع...الخ أصبح البعض من هؤلاء ينزلون إلى مستوى العامة من البسطاء والأميين ليتكلموا لغتهم، وفي اعتقادهم أن ذلك تواضعا منهم وربما قربا منهم وتفهما لهم؟؟... بينما هم يبحثون فقط عن الشهرة الزائفة والتهريج الزائل.... وأغراض أخرى في نفس يعقوب.. وأبي يعقوب.. وأبنائه... إن واجب المتعلم هو الأخذ بيد غير المتعلم، وواجب الفنان هو ترقية الذوق العام، وواجب الشاعر هو تحريك ضمير الأمة وتحرير وجدانها من الخوف والتردد، والصعود به إلى مراتب الفهم والإدراك وهو لسان الأمة ووجدانها الصافي الذي ينبغي ألا يتعكر فتتعكر بذلك أخلاق الأمة، وتؤول إلى الانحدار ومن ثم تؤول الأمة إذا انحدرت أخلاقها إلى الاندثار....؟؟؟ لقد كان أغلب الشعب الجزائري أميّا أثناء الاستعمار ولكنه حفظ (قسما) عن ظهر قلب كما كان يتأثر ويتفاعل مع إلياذة الشاعر الكبير مفدي زكريا رغم أنها مكتوبة بعربية فصيحة وراقية والدليل على ذلك نجاح أغنية المطربة الكبيرة وردة رحمها الله (بلادي أحبك).. إننا أحوج ما نكون إلى لم الشمل وتوطيد أواصر الأخوة بين بعضنا البعض وبين أشقائنا في الجوار وأشقائنا في الدم واللغة في عالم يحرص على القوة والتكتلات الاقتصادية وغير الاقتصادية....؟؟ فمال هؤلاء القوم لا يفقهون حديثا؟؟ وكيف يسيرون ضد التيار وهم لا يعلمون؟؟ وكيف سمح مغنّ لنفسه أن يردد تلك الكلمات القبيحة (لا أقول العنصرية)... يالجيجلي بوبالطو... الخ وكيف تجرّأ على ترديدها في عرس كبير فرحَ فيه الجزائريون الذين يعشقون كرة القدم حد الافتتان؟؟؟.. كيف استطاع أن ينغص فرحة الجواجلة (الحساسين) بكلماته التي تنم عن استهتار وقلة وعي حتى لا أقول أكثر.. لأنني أتحرج أن أسقط فيما أكرهه من غيري من أخطاء... والأكثر غرابة كيف بثت تلفزتنا التي نسميها وطنية تلك الأغنية...إن جاز أن نسميها أغنية، فهل من الوطنية أن ننتقص من مواطني منطقة ما في بلادنا الحبيبة؟؟ وماذا تركنا للعدو؟؟ بل كيف نقول إنه استعمل سياسة (فرق تسد) ونخر جسم الأمة بالجهوية الضيقة والعنصرية المقيتة؟؟ ولازالت آثاره باقية يجتهد المخلصون في محاربتها كالفنان الكبير رابح درياسة الذي يقول (أنا جزائري) لا أنا شرقي ولا غربي.. فمتى نخلّص ألسنتنا من كلمات رسّخها الاستعمار.... قبايلي ... .شاوي...هجرسي.. عافري...بلْدي.....؟؟؟ ألا يكفي أننا جزائريون....جزائريون فقط...جزائريون ونفتخر؟؟؟ وهل فرقت فرنسا بيننا وهي تنحرنا بقنابلها وطائراتها ودباباتها؟؟ كانت تسعى لتفريقنا بسياستها ولكنها في إبادتنا ومعاملتنا كانت تسمينا (العرب القذرون) فهلا اتعظ هؤلاء؟؟ وهلا اتعظ القائمون على التلفزيون ونقحوا ما يعرضون من رداءة تسئ إليهم قبل غيرهم...؟؟ ألم يفكر المسئولون وهم يعرضون هذه الأغنية مرة أخرى إن جاز أن نسميها أغنية؟، ألم يفكروا في الخلافات الموجودة بين أعضاء الحزب الواحد والولاية الواحدة والبلدية الواحدة فهل يريدون إضافة الماء إلى الطين المبلول.. ونحن على أبواب انتخابات لا ندري إلى أين ستنتهي بنا مع ما نراه من صراع على المناصب بغض النظر عن الكفاءة أو أي مقاييس أخرى لتحمل المسئولية...؟؟ كدتُ أسقط في فخ العنصرية وأفتخر بالجواجلة ولكني لن أفعل ولن أفتخر إلا بجزائريتي التي اكتسبتُها بدماء الشهداء ونضال المجاهدين وما أكثرهم في جيجل المجاهدة... وأتمنى أن تنتبه إدارة التلفزيون إلى ما يعرض على شاشتها وتبتعد عن (المعارف والأصحاب والجهوية) وتعتمد على الجمال والذوق الرفيع فيما تعرضه. لقد ولى زمن(المحتم) وأصبح المواطنون يهربون من الرداءة إلى الفضائيات العربية أو الغربية وهذا ليس في صالح بلدنا لما تبثه هذه الفضائيات من برامج لها أهدافها وتياراتها التي لن تفيدنا قطعا كجزائريين..... إن من واجب الإعلام أن يرقي الذوق العام ويؤلف شمل الأمة.. وحتى الإعلام الحر ينبغي ألا يأخذ حريته من البحث عن النقطة السوداء الوحيدة في الورقة البيضاء.. إنما عليه أن يسد الخلل الموجود وينبه إلى ما هو كائن دون تنطّع ودون نزول إلى(الشعبويات) يسخر من همومها عن قصد أو بدونه واجب الإعلام مراعاة المصالح العليا للشعب والأمة مهما كانت الظروف والأحوال أو ليس هو السلطة الرابعة؟؟ وما فائدة وجود السلطات إذا كانت لا تفيد الأمم والشعوب؟ أخيرا لا يجب أن تمر هذه القضية بسلام... وأن يدفع مرتكبوها الثمن ولو كان التنبيه فقط وهذا ما فعلتُه شخصيا لأني لا أريد أن أقع في فخ الانتقام والتشهير المقيت، خاصة وأن الوسائل متاحة وعلى استعداد لجرف الأمور إلى ما لا تحمد عقباه. في اعتقادي أن الأمر ليس صعبا إذا اعتمد إعلامنا على الشباب الكفء وهم كثيرون والحمد لله، فقط هزة خفيفة لروح المسئولية في بعض القائمين على قطاع الإعلام عندنا تدفع بالرداءة جانبا لتفسح المجال للابتكارات والإبداعات لأبناء الوطن الواحد ومنهم (الجواجلة) طبعا..