فرنسا التي ترفع شعار الحرّية والإخاء والمساواة تعرّضت لانقلاب حقيقي من طرف باريس، رمز النّظام الفرنسي، وواجهة الجمهورية الفرنسية وعاصمتها طبعا، انقلاب عصف بتلك المبادئ التي تأسّست عليها فرنسا الحديثة ومات من أجلها كثيرون في الثورة الفرنسية، حيث لم تعد الحرّية أمرا مُهمّا في فرنسا وأصبح الإخاء وهْما وتحوّلت المساواة إلى كذبة كبيرة في زمن ساركوزي· في زمن ساركوزي صدر قانون يجعل المرأة التي تُضبط متلبّسة ب جرم ارتداء النّقاب في الأماكن العامّة خارجة عن القانون، وعقابها ضروري وأكيد، فعن أيّ حرّية يمكن للنّظام الفرنسي أن يتحدّث اليوم وهو يحرم النّساء من حقّهن في تغطية وجوههن؟ وفي زمن ساركو أصبح المواطن الفرنسي ذو الأصول الفرنسية فوق الجميع، لا يرقى إليه أيّ مواطن آخر من أصول عربية أو إفريقية أو غيرها مهما كان وزنه في المجتمع الفرنسي، ومهما كانت الخدمات التي يقدّمها للدولة الفرنسية، بدليل مشروع قانون الهجرة الجديد الذي يقرّ جزاءين مختلفين لنفس العمل، فإذا كنت مواطنا فرنسي الأصل والجنسية وقمت بارتكاب حماقة ما فإن عقوبتك ستكون أخفّ بالتأكيد من عقوبتك إن كنت تحمل الجنسية الفرنسيةو لكنك من أصل جزائري أو مغربي مثلا· فباريس لن تنسى أبدا أنك كنت عربيا في يوم من الأيّام، لذلك سيسلّط عليك قضاؤها حكما ثقيلا قد يصل إلى حدّ تجريدك من الجنسية الفرنسية التي بكيت طويلا للحصول عليها وناضلت طويلا للاستفادة من المزايا التي تمنحها· فعن أيّ إخاء ومساواة يمكن أن يتحدّث النّظام الفرنسي بعد الآن؟! ومادامت باريس تتّجه بخطى حثيثة نحو إقرار مزيد من الإجراءات القانونية التمييزية بين المواطنين الفرنسيين أصلا وبين الدخلاء على المجتمع الفرنسي، فلا شكّ أن الذين كانوا يعتبرون فرنسا بلدا كاملا متكاملا ينبغي الاقتداء به بدأوا الآن يراجعون حساباتهم، ففرنسا لم تكن يوما ملاكا ولم تسع يوما لتكون كذلك رغم شعاراتها الرنّانة التي خدعت كثيرين وجعلت بعض أبناء جلدتنا يفضّلونها على وطنهم الأمّ قبل أن يتلقّوا الصفعات تلو الصفعات·