إلى كل هؤلاء المتشدقين بحرية التعبير في الغرب، وشعار الجمهورية الفرنسية الثلاثي المقدس المستمد من التثليث المقدس (الآب، الابن، الروح القدس)، رغم ان الشعار المضمر للجمهورية الفرنسية لحظات إسقاط الملكية ''أعدموا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس'' .. إلى كل المغالين في عشق لغة ''فافا'' ونساء ''فافا'' وعطر ''فافا'' وأكنشة (جمع كانيش) ''فافا'' وحتى للأحوال الجوية في بلاد ''فافا'' .. إلى كل الحالمين ب''تورنة'' في باريس، و''تحويسة'' في الشانزلزيه، ومبيت ليلة أو أكثر تحت جسورها المعلقة وغير المعلقة .. إلى كل المتيمين بالمجون تحت أضواء علب الليل الباريسية، والمجنونين بعصير عنب الضواحي غير المسكر .. إلى كل الآملين في رقدة على طرفة تراب في مقبرة فرنسية معشوشبة طبيعيا، ومزينة بالأزهار وشتى أنواع الورد والله اعلم ماذا يفعل بهم عزرائيل تحت التراب .. لكن رغم ذلك يفضلون كل ما سبق لاسيما وأن مقابرنا الإسلامية في ''لبلاد'' ديكورها ''القندول'' وشتى أنواع الشوك المحلي والمستورد من الصين الشعبية .. إلى أجدادنا ولو بالريح والنسمات المستشهدين على أرض ''بواتييه'' ذات يوم من سنة 732 ميلادية وهم يحاولون تحرير فرنسا التي لم تكن لا أمة ولا شبه أمة من البربرية وإلحاقها بركب الحضارة.. وإلى أحفادهم الذين دنست قبورهم ليلة عيد الأضحى المبارك بعد أن ذادوا عن فرنسا الاستعمارية تحت سيف الإكراه والذل أيام الحرب العالمية التي لم تكن تعنينا لا من قريب ولا من بعيد .. إلى كل هؤلاء هذه القطعة المسودة بحبر الألم المعبق بنسمات التاريخ والجغرافيا تحليلا لظاهرة تدنيس قبور المسلمين في بلاد الجن والملائكة التي يبدوا أنها لم تعد كذلك أو لم تكن كذلك من قبل، فهي أقرب إلى شياطين العنصرية ومردة النازية منها إلى الملائكة. وفي هذا المقام الأليم لا يسعنا إلا تذكير أنفسنا والقراء بما حملته أسفار التاريخ، ومحاولة تحليل ذلك تحليل الغائص في أغوار النفس البشرية على منحيين. واستنادا إلى المنحى الأول فإن فرنسا الثالوث والتثليث والثلاثية لا زالت رهينة لأفكار القائد الفرنسي شارل مارتل الذي أوقف زحف المسلمين على بلاد الجن والملائكة، واكتسب لقبه ذلك ''مارتل'' و''المارطو'' أي المطرقة بالعربي الفصيح بعد أن أثخن في المسلمين وأوقف عقارب التحضر على أمة الثالوث بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى منها، وهو ما جعل المتطرفن من أعضاء كوماندوس ''منظمة الجيش السري'' يتخذون من اسم شارل مارتل رمزا لهم ولأعمالهم، واستكمالا لحقده الدفين الذي يرجعه تاريخه إلى ما قبل 732م. فالفرنسيون ممثلين بعنصرييهم لازالوا يعتبرون خطوة المسلمين بإمرة القائد العسكري عبد الرحمن الغافقي لإخراج شبه الأمة الفرنسية من الظلمات إلى النور، اعتداء يضاهي اعتداءات 11 سبتمبر على برجي التجارة في منهاتن، وعلى الدول الإسلامية تقديم اعتذار رسمي للفرنسيين على تلك الخطوة البربرية في نظرهم كما دعا إلى ذلك ستيفان دنيس الصحافي في جريدة ''لو فيغارو'' الفرنسية، بكل هدوء أنه ليس على الغرب أن يخجل من الحملات الصليبية، وحجته الرئيسية: ''لم أسمع يوما عربيا يعتذر لأنه وصل إلى بواتييه!'' ( Le Figaro 24 /9/ 2001 )، مباشرة عقب أحداث 11 أيلول كما يسميها المشارقة. والمنحى الثاني أن عنصريي فرنسا غاضبون على أحفاد الغافقي عدم إكمالهم لمسيرة طارق بن زياد، وهم يحسون بتلك الدونية أمام إسبانيا الأندلسية أيام ابن باجة وابن رشد وابن طفيل وغيرهم، فكأنه دعوة صريحة لسكان الضفة الجنوبية من مشروع الاتحاد من أجل المتوسط لاستكمال مسيرة الغافقي ربما!، وأمامنا فرصة أخيرة نحن ''العرايا'' في نظرهم مدتها وتعدادها تدنيس 202 قبر مسلم آخر، بعد أن دنسوا 530 قبرا ليلة عيد الأضحى المبارك ليصل إلى الرقم الرمز 732. وفي الأخير يكفينا فخرا، ويكفي أجدادنا من العرب والأمازيغ وسادة الأندلس النصيب الأكبر منه أن معركة بواتييه تدرس لتلاميذ المدارس الفرنسية على أساس أنها من بين الأحداث التاريخية المفصلية في تأسيس الأمة الفرنسية وإخراجها من العدم، وتدنيس قبور المسلمين في بلادهم وسيلة من وسائل التعبير عن الاحترام الفائق لمن ساهم في إخراج فرنسا من رحم البربرية إلى سعة الحرية والإخاء والمساواة أو هكذا زعموا!.