صدرت حديثا في القاهرة الترجمة العربية لكتاب حركة الإصلاح في التراث الإسلامي للمؤلف شارل سان برو والذي نقله إلى اللغة العربية المترجم الدكتور أسامة نبيل، وقد أقيمت بالمجلس الأعلى للترجمة بالقاهرة ندوة حول هذا الكتاب نهاية الأسبوع الماضي حضرها مؤلف الكتاب ومترجمه. يناقش الكتاب قضية كيف أن الإسلام دين التزام وتطور، وأن التوحيد جاء لينقل البشر إلى مرتبة أسمى وأعلى وليس العكس، وأن ما يفعله مدعو الإسلام يصب في إطار الأفكار السائدة التي يصنعها أعداؤه مستهزئين بالإسلام والمسلمين. ويؤكد مترجم الكتاب أن هذا الكتاب سيضيف جديدا إلى القارئ العربي ليس فقط بغرض الاطلاع على آخر ما كتبه الغرب عن الثقافة الإسلامية والعالم الإسلامي بل للتعرف على وجهة نظر الآخر المتعددة عن الإسلام والمسلمين، فهو يرى أنه عندما يقوم مفكر كبير ورجل قانون وأستاذ جامعة مثل شارل سان برو بتصحيح كثير من المفاهيم الإسلامية عند الغرب، سيكون حديثه مقبولا لدى الغرب لأنه يمثل ثقافتهم، ولأنه حاول أن يكون موضوعيا وعادلا. ويسعى المؤلف على مدار صفحات الكتاب في تبيان وتوضيح كيف أن الاجتهادات المغلوطة التي يقدمها بعض من يحسبون على علماء المسلمين، تؤثر سلبا على صورة الإسلام في الغرب، ويؤكد أن السلفية الصحيحة لا تعنى الركود والجمود الفكري ، بل التمسك بالأصول والمبادئ الرئيسة للإسلام وسماحته. كما يعلن المؤلف وبمنتهى الصراحة عن الخطأ الجسيم الذي وقع فيه الفكر الأوروبي بشأن ربط تراجع المجتمعات الإسلامية بجمود الإسلام. ويتعجب شارل سان برو بسخرية من الموقف الغربي من الإسلام، والمبنى على أسس وتفسيرات سطحية. ومن ثم فقد تبنى المؤلف قضية كبيرة ومهمة، ألا وهي أن الدين الإسلامي دين تطور وإصلاح، ونظرا لأن الإسلام دين ودنيا فهو يهتم ليس فقط بالعبادات لكن أيضا بالمعاملات، مؤكدا أن ربط تخلف المجتمعات الإسلامية في الفكر الغربي بجمود الإسلام خطأ جسيم ووهم كبير وقع فيه معظم مفكري الغرب مما أثر على صورة الإسلام لدى العامة في الغرب. ويقدم المؤلف تعريفا دقيقا لمعنى الإصلاح وعلاقته بالفكر السلفي، ثم يتحدث باستفاضة عن الحركة الإصلاحية في التاريخ الإسلامي منذ بداية تأسيس الدولة العثمانية حتى العصر الحديث. كما تحدث المؤلف عن الإسلام وتحديات العصر والعالم الغربي. وكرس مساحة كبيرة لتاريخ الجماعات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر بداية الثلاثينيات من القرن الماضي. كما يظهر المؤلف كيف تحول الحلم بالمدينة الفاضلة من المثالية إلى الثورية، وأبرز المؤلف التعارض بين الفكر الإصلاحي والفكر الثوري داخل حركات الإصلاح الإسلامية، حيث يؤكد أن البعض منها لم يأت بجديد على المستوى الديني بل ركز على العمل السياسي. وبحسب المؤلف، فإنه لا وجود للدولة الدينية في الإسلام، لأن الإسلام يهتم بالسياسة التي تنظم المجتمع بطريقة لا تتعارض مع المبادئ الأساس للدين والتي تهدف إلى تماسك المجتمع والتعايش السلمي، ويختتم المؤلف كتابه بأنه يجب أن يعتمد المسلمون في العصر الحاضر والمستقبل على الاجتهاد من أجل تحقيق التقدم والتجديد والعدالة الاجتماعية. ومما يذكر أن المؤلف شارل سان برو،هو مدير مرصد الدراسات الجغرافية السياسية بباريس، وباحث في مركز موريس هوريو بكلية الحقوق بباريس، وأستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة اوبرتا بأسبانيا، كتب العديد من المؤلفات في مجال الإسلام والعالم العربي وترجمت أعماله إلى لغات أجنبية كثيرة.