لم يعد مراهق اليوم يتخوف من قرار الطرد من المدرسة بل أصبح هو من يقرر مصيره لوحده دون أن يأبه بخطورة القرار، وتبدأ الخطوات الأولى أو الحيلة المستعملة بالتماطل في الذهاب إلى المدرسة وتكرير الغيابات كتمهيدات يمهدها المراهق لأوليائه وبداية اقتحامه لسوق العمل مبكرا والعودة بعائدات إلى البيت وهي الأمور الغريبة التي بات يصادفها الأولياء من أبنائهم الذين مقتوا الدراسة ومنحوا الأولوية لاقتحام سوق العمل. نسيمة خباجة وعادة ما تكون وجهتهم حراسة مواقف السيارات أو (الباركينغات) أو العمل بمحلات الفاست فود أو المخابز وغيرها من الأعمال الحرة التي يتذوقون فيها الاستغلال وهم في المراحل الأولى من حياتهم ويختاروا تلك المجالات بدلا عن الدراسة التي يبينون مقتهم لها بدليل انفلاتهم منها مبكرا واتخاذ قرار المغادرة والحكم على أنفسهم بالفشل قبل أن تتخذه المؤسسة التربوية. وراح إلى ذلك المصير العديد من المراهقين الذين ودعوا مقاعد الدراسة في مرحلة المتوسط خاصة كونها مرحلة تتميز بالعديد من التغيرات التي تطبع التلميذ وهو في سن المراهقة ويسجل الأمر لدى الذكور خاصة فيما تستبعد الفتيات اللواتي يخترن استكمال مسارهن الدراسي إلى الآخر. فاحتكاك بعض التلاميذ مع أقرانهم يؤدي إلى غرس فكرة كره الدراسة والابتعاد عن المدرسة بكافة الطرق واختيار الكسب والاستقلال المادي الذي يكون بممارسة تلك الحرف المتقطعة التي لا تخرج عن بيع بعض الأشياء البسيطة عبر الأسواق أو العمل بمواقف السيارات الليلية أو الفاست فود، فهي معظمها مهن تجلب الشقاء للطفل المراهق الذي لم يكمل سن 17 عاما في أحسن الأحوال، بل ومنهم من يتعرضون إلى استغلال بشع في العمل ومعظمهم يعملون في الخفاء ولا يستفيدون من نظام التأمين. فلم يعد حسب ما هو يجري قرار الطرد مخولا إلى المدرسة بعد النظر في إمكانيات التلميذ المحدودة بل صار هو من يقرر مغادرة المدرسة والاتجاه إلى سوق العمل حتى في بعض الأحيان عنوة عن الأسرة التي تقابل القرار بالرفض دوما، لكن فشلت بعض الأسر في الأخير في إقناع الابن باستكمال دراسته وتقبلت الوضع مكرهة بعد أن يتخذ التلميذ سلاح الغيابات المتكررة عن القسم وتضييع الدروس. ويعيش الكثير من الأولياء على وقع تلك المتاعب التي تلحقهم من أبنائهم بعد أن يعلنون فشلهم في المسك بزمام الأمور، ويتغلب عليهم الأبناء في اتخاذ تلك القرارات الصعبة التي يراها الأولياء كبداية للرمي بفلذات أكبادهم إلى مخالب الشارع الذي لا يرحم وكبداية للسلوكات الانحرافية أو حتى استغلالهم البشع في أعمال شاقة متنوعة. تحدثنا إلى الأستاذة (ف هجيرة) فأكدت الظاهرة وقالت إن بعض تلاميذ اليوم لا ينتظرون مصيرهم المحتوم بل هم من يسارعون إلى رسمه عن طريق مغادرة مقاعد الدراسة بمحض إرادتهم وإعلان فشلهم، وبحكم مسيرتها قالت إنها صادفت الكثير من تلك العينات التي دخل فيها التلاميذ في صراع مع أوليائهم بسبب الدراسة، وعادة ما ينجح التلميذ في الأخير في فرض منطقه بمغادرة الدراسة على الرغم من النصح المتكرر له من طرف الأساتذة والطقم التربوي ككل، وفي العادة يكون لجوؤهم إلى ميدان العمل وبداية الشقاء وهم في مراحل عمرهم الأولى، وعادة ما ينجم المشكل عن رفقاء السوء الذين أطاحوا حتى ببعض التلاميذ النجباء وأفسدوا طباعهم وأبعدوهم عن الدراسة بأفكار خاطئة، فمن يخرج من المدرسة يجر وراءه جماعة من التلاميذ بعد التواصل معهم وغرس فكرة الخروج من المدرسة في أذهانهم. وحسب الواقع فإن هؤلاء التلاميذ المتخذين لتلك القرارات عادة ما يجدون أنفسهم ضائعين عبر الشوارع فيما تستغل فئات منهم في بعض الأنشطة التجارية بالمحلات والأسواق ومنهم حتى من كان مآله الانحراف.