التي تنعدم فيها أبسط ضروريات الترفيه والتسلية للأطفال،خلال فصل الصيف الذي لا ينخفض فيه معدل درجات حرارة الجو عن مقياس 45 درجة مئوية في أحسن الأحوال.فالأطفال في قرية قصر العازب المنسية ببلدية عين رقادة الواقعة بأقصى الجهة الجنوبية لإقليم ولاية قالمة على حدودها مع ولاية قسنطينة،يقضون أيام صيفهم الممل في روتين قاتل،وتختلف هواياتهم المرتبطة أساسا بمكتسبات الطبيعة،ففي الوقت الذي يتم فيه تسخير بعض الأطفال من طرف أوليائهم لرعي الأغنام وخدمة أراضي البساتين وسقي المزروعات،فإن البعض الآخر من أترابهم يقضون أيامهم في الجبال بحثا عن مكان يتظللون فيه بعد رحلة طويلة لمطاردة واصطياد العصافير الصغيرة،ليس بغرض تربيتها أو إعادة بيعها،لكن لأجل قتل الأوقات الطويلة والمملٌة من هذا الفصل الذي يحوٌل حياة هؤلاء الأطفال الأبرياء إلى جحيم حقيقي،في قرية قصر العازب النائية والمعزولة،والتي في ظل افتقادها لأدنى وسائل التسلية والترفيه،يضطر أطفالها إلى التنقل كل صباح عبر المنحدرات المحيطة بالقرية إلى بقايا الوادي القريب بغرض السباحة والإستمتاع بمياهه الباردة،هربا من لفح حرارة الجو الحارقة،ومع ميول الشمس إلى المغيب تقوم فئة أخرى من الأطفال بالتجمع بالقرب من إحدى الساحات الترابية المتواجدة بمدخل القرية لمداعبة الكرة في محاولة منها لمحو أثار اليوم الحار والمتعب،قبل أن يفترق الجميع إلى مساكنهم فتظهر القرية خالية على عروشها ليتجدد الموعد في السهرة أين يعقد الأطفال والمراهقون جلسات يتبادلون فيها أطراف الحديث،حول بعض التجارب التي أخذوها في ذلك اليوم،معبرين في ذات السياق عن أحلامهم وتطلعاتهم التي قد تخرج قريتهم من طي النسيان حتى يستمتعوا بأعمارهم الطفولية مثل باقي الأطفال في المدن الكبرى.وغير بعيد عن الصورة القاتمة لأطفال قرية قصر العازب فإن الأطفال ببلدية برج صباط الواقعة بأقصى الجهة الغربية لإقليم الولاية يعيشون أيضا أوضاعا مزرية،ولا تبتعد أيامهم كثيرا خلال فصل الصيف عن حياة رعي الأغنام،والعمل في الحقول والمزارع الفلاحية،وفي أحسن الأحوال يقومون بجني بعض المحاصيل من الخضر والفواكه لعرضها بغرض البيع على جوانب الطرقات،أو في وسط مركز البلدية،لتحقيق بعض المداخيل المالية التي قد تمكنهم من توفير مستلزمات الدخول المدرسي،في حين تقوم فئة أخرى بالبحث في القاذورات وسط القمامة العمومية بحثا عن بعض الأشياء التي قد تصلح للاستعمال مرة أخرى،أو عن بعض الأشياء الأخرى التي يتم بيعها بغرض إعادة رسكلتها خاصة منها المواد البلاستيكية والقطع المعدنية المختلفة،وعلى النقيض من ذلك فإن أطفالا آخرين يصنفون من بين المحظوظين في هذه البلدية يقبلون على العمل في حقول جني الطماطم ويقتنعون بمبالغ زهيدة نظير عملهم في تنزيل بعض مواد البناء في الورشات،لتوفير مبالغ مالية قد تمكنهم من التسجيل في الرحلات التي ينظمها بعض الناقلين مع نهاية الأسبوع باتجاه الشواطئ القريبة في القالة أو عنابة وسكيكدة.الصورة القاتمة لهذه الفئة تزداد سوادا وبؤسا ببلدية بوهمدان التي يهرب أطفالها إلى الغابة لقضاء أيامهم في اصطياد الطيور وبعض الحيوانات الأخرى قبل أن يغامروا بأنفسهم مع اشتداد الحر باللجوء للسباحة في مياه سد بوهمدان الذي يبتلع مع كل صيف العشرات من الأطفال.التي تبقى أحلامهم في إنجاز مسابح وأماكن مهيأة للترفيه ببلدياتهم مؤجلة في ظل الفقر الذي تعانيه هذه البلديات،خاصة بولاية قالمة التي تعتبر واحدة من أضعف الولايات في مجال السياحة الصيفية،ليس بسبب انعدام المرافق بها فحسب بل حتى أن تلك المرافق القليلة المتواجدة بعاصمة الولاية تبقى غير مستغلة لأسباب لا يعلمها سوى القائمون على تسيير شؤون الولاية،أما باقي البلديات فإن صور أطفالها تتشابه خلال فصل الصيف أو حتى خلال باقي الفصول،في ظل تجاهل المنتخبين وباقي المسؤولين لهذه الفئة التي تدفع مع كل فصل صيف العشرات من الأرواح بسبب السباحة في مياه السدود والأودية والمسطحات المائية فضلا عن ما تشكله هذه الأخيرة من أخطار صحية جراء الإصابة بمختلف الأمراض والأوبئة الخطيرة خاصة منها داء التيفوئيد والملاريا.وفي ظل هذه الأمثلة الحيٌة يبقى الجميع مطالبين بضرورة النظر بجدية لهذه الفئة وتخليصها من مخلفات سياسة البريكولاج لتربية جيل بعيد عن كل التأثيرات التي قد تدفع به لاحتراف الإجرام وإلحاق الضرر بالمجتمع،ولن يكون ذلك حتى نتحمل كامل مسؤولياتنا بتوفير أبسط ضروريات الترفيه لأطفالنا خاصة خلال عطلتهم الصيفية لشحن بطارياتهم وإعدادهم للموسم الدراسي الموالي. نادية طلحي