عندما كنا نشاهد الرسوم المتحركة الشهيرة “بائعة الكبريت” كنا نبكي ببراءة أطفال يصدقون أن ثمة على هذه الأرض من يموت بردا . ولطالما عبث بنا الخيال وجعلنا نخيط قصصا وروايات على نفس شاكلة الحزن حتى أننا عذبنا أنفسنا وصيرناها بطله كل مسلسلات الحزن والقر والبؤس ولما كبرنا ضحكنا سخرا من براءتنا ربما لأننا أيضا أبرياء لم نتخيل أن يحدث ذلك يوما ...صحيح انه في مناطق عديدة تموت الناس جوعا ..تموت فقرا..تموت مرضا ..تموت عطشا تموت حتى عشقا لكن أن تتحقق تراجيديا بائعة الكبريت لفيكتور هيغو من كتابه البؤساء وتقريبا على نفس الشاكلة وفي زمن لا يدخل البرد إلى البيوت بفعل تكنولوجيا التدفئة ومهارة صناعة الدفئ الا نادرا فتلك معضلة أخرى . تداعت في خاطري أفكار كثيرة وأنا اطلع على خبر وفاة الفنان والكاتب السوداني محمد بهنس والسبب هو موته متجمدا على أرصفة القاهرة فجر أمس حسب ما أوردته الصحافة المصرية المحلية بعد أن لجأ إليها قبل نحو عامين بهدف إقامة معرض لأعماله وقرر البقاء فيها . وتناول نشطاء على الفيس بوك من كتاب وفنانين وأصدقاء بهنسي خبر وفاته متجمدا خلال موجة البرد الأخيرة التي تتعرض لها مصر عن عمر يناهز ال43 عاما معلقين أن سوء أوضاعه الاقتصادية جعلته يعيش متشردا بعد أن اضطر إلى ترك بيته واتخاذ شوارع القاهرة وميدان التحرير مقرا له مذكرين بأهمية موقعه كفنان تشكيلي وروائي من طراز خاص مشيرين إلى معارضه التي أقامها في الخرطوم سنة 1999وندوة ألمانيا عام 2000التي شارك فيها إلى جانب 50 فنانا إفريقيا أقام أيضا معرضا في العاصمة السودانية تبعه اخر في آديس أبابا وآخر في مدينة نانت الفرنسية .بهنس الذي فقد ابنه و زوجته الفرنسية في حادث اليم ظل وحيدا تحت سقف البرد والصقيع دون أن تمتد إليه يد تدفئه فضل الموت أن يرحله متجمدا غير حار بنار الثورات العربية ومشاغل الشعوب الفقيرة بعد أن أحس بلا جدوى تزيين الحياة بألوان الشمس وهي باردة وممتدة إلى قلوب أبنائها على سطح المعمورة بعد أن إخترقتها ناشعة الجشع والأنانية وسادتها اللاانسانية .