تسارعت وتيرة التطورات التراجيدية داخل العديد من الأحزاب السياسية، إلى درجة جعلت البعض منها يقدم على تعديل أجندته التنظيمية، ودفعت بأخرى إلى التمسك برزنامتها المبرمجة، في انتظار ما سيسفر عنه الحراك الداخلي لتلك الأحزاب الذي يستهدف زعماءها، ضمن رؤية يربطها بعض المحللين بالرئاسيات القادمة . يربط مراقبون للمشهد السياسي الذي أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية وتداعياته على الأحزاب الفاعلة في الحقل الحزبي، بالتحضير للرئاسيات القادمة التي مايزال يفصلنا عنها سنتان كاملتان، حيث يعتقد هؤلاء المراقبون أن الخارطة السياسية المنبثقة على انتخابات العاشر ماي تؤشر أن معركة الرئاسيات قد انطلقت في الكواليس وبدا دخانها يتصاعد من خلال الأزمات التي تعصف بالعديد من الأحزاب الفاعلة ومنها جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، وحركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية والجبهة الوطنية الجزائرية. فرغم أن قيادة حزب جبهة التحرير الوطني تؤكد أن مسألة الرئاسيات من اختصاص مؤتمر استثنائي للحزب ينعقد لدراسة موضوع الدخول للمنافسة بمرشح أو بدائل أخرى، إلا أن العديد من معارضي الأمين العام داخل الحزب لم يتأخروا في ربط تحركهم بالتحضير للرئاسيات المقبلة، وهو ما تنفيه قيادة الحزب استنادا إلى اللوائح التنظيمية والقانون الأساسي للحزب، بل أكثر من ذلك تعتبر قيادة الآفلان أن أولوياتها الحالية تنحصر في التحضير الجيد للانتخابات المحلية ومعركة تعديل الدستور وهي على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للحزب، من منطلق كون عملية تعديل الدستور لها علاقة وطيدة ببناء مؤسسات الدولة وتحديد العلاقة بينها، وإعادة تنظيم آليات الحكم وتوزيع السلطات. لكن بالنظر إلى ما يحدث في بيت التجمع الوطني الديمقراطي، يدفع هؤلاء المراقبون إلى التأكيد على حضور ملف الرئاسيات في ما يجري داخل الأحزاب، فالتصريحات الأخيرة للأمين العام للأرندي أحمد أويحيى خلال ندوته الصحفية والتي فهمت على أن هناك أطرافا داخل السلطة تعارض مسألة ترشحه أو على الأقل ترفض تزكيته للترشح، زادت من قوة المؤشرات التي تصب في خانة سعي خصومه لقطع الطريق أمام ترشح محتمل لأويحيى عام 2014 . فالرجل حسب مقربين منه كشف مبكرا عن طموحه في الترشح بعد أن أيقن أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لن يقدم على الترشح لعهدة رابعة. وبرأي العارفين بخبايا الأرندي، فإن رفض الأمين العام لفكرة المؤتمر الاستثنائي قبل المحليات التي يطالب بها خصومه، يراد منها ربح المزيد من الوقت ومراقبة تطورات الأمور وما يمكن أن تؤول إليه. وبالنسبة لحركة مجتمع السلم تتحدث أوساط قريبة من محيط الحركة أن موضوع الرئاسيات له مكانة وإن لم تكن ظاهرة بقوة فيما تعرفه الحركة من تجاذبات، فتيار المعارضة الذي يقوده نائب رئيس الحركة عبد الرزاق مقري يسعى لتجديد عذرية الحركة شعبيا من أجل الموعد المنتظر 2014، وتتحدث ذات الأوساط على صفقة بين أبوجرة ونائبه مقري تقضي بدعم ترشح أبو جرة للرئاسيات مقابل دعم مقري للتربع على رأس الحركة في المؤتمر المنتظر العام المقبل، كما أن تمسك حمس بالتكتل الأخضر يهدف إلى حشد الدعم لأبي جرة وتقديمه كمرشح للتيار الإسلامي، إلا أن هذه المعطيات قد تصطدم بتمسك تيار المشاركة في الحكومة بخياره قد يفرز وضعا مغايرا تماما في توجهات الحركة. والملاحظ في الحديث على ملف الرئاسيات وعلاقته بأزمات الأحزاب، أنه لم يستثن حزب المعارضة جبهة القوى الاشتراكية، فالمعارضون للقيادة الحالية من إطارات الأفافاس، وحتى من يوصفون بالمقربين من الحزب يقولون أن هناك ترتيبات ما أو صفقة بين أطراف في السلطة والأفافاس تمتد إلى غاية موعد 2014. لكن ماذا عن الجبهة الوطنية الجزائرية؟ يبدو الحزب ضعيف التأثير في مجرى الانتخابات الرئاسية، لكن سبق لرئيسه موسى تواتي وأن ترشح للرئاسيات، وهو ما يجعله يتمسك بمنصبه الذي تطالب به المعارضة أكثر إلحاحا، ولذلك استبق الرجل مناوئيه بالدعوة إلى مؤتمر استثنائي في الأيام القادمة لاستباق ضربة موجعة محتملة.