انقضت سنة 2008 على وقع نشاط سياسي مكثف أعطاه دفعا إعلان رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة لدى افتتاحه السنة القضائية يوم 29 أكتوبر الأخير، عن تعديل ''جزئي'' للدستور، كان السبب في حالة الترقب التي دخلت فيها الأحزاب السياسية منذ مطلع السنة رغم أن ذلك لم يمنع البعض منها من عقد مؤتمراتها للتفرغ إلى التحضير للرئاسيات بمجرد الإعلان الرسمي عن التعديل الذي أقر منصب وزير أول، آل لأحمد أويحيى الذي كان يشغل منصب رئيس حكومة، ليقوم بعرض مخطط عمل الحكومة على البرلمان بغرفتيه والذي تم في ال 14 ديسمبر. تميز العام 2008 في أشهره الأولى بحالة ترقب من قبل قادة مختلف التشكيلات السياسية للإعلان عن تعديل الدستور على اعتبار أنه أهم حدث سياسي يسبق الرئاسيات التي تفصلنا عنها أشهر قلائل، وضع لها الرئيس بوتفليقة حدا لدى افتتاحه السنة القضائية بإعلانه عن تعديل الدستور، لكن ليس بشكل معمّق وإنما جزئي مرّ عن طريق البرلمان وفقا للصلاحيات المخوّلة له يوم 12 نوفمبر المنصرم، مفضلا إرجاء التعديل المعمّق الذي يمرّ عن طريق إستفتاء شعبي، مؤكدا في هذا الشأن ''لقد أعلنت من قبل بأنني لن أتردد في التوجه مباشرة إلى الشعب لاستفتائه بشأن مشروع تعديل الدستور، إلا أنه على ضوء التجربة المعيشة منذ سنوات، ومعاينة تداخل السلطات في ممارستها لمهامها من حين إلى آخر، فقد برزت ضرورة إدخال تصحيحات مستعجلة على بعض أحكام الدستور، لضمان المزيد من التحكم في تسيير شؤون الدولة''. وأعاد رئيس الجمهورية إجراء تعديل جزئي فقط على الدستور وعرضه على البرلمان وفق ما تقتضيه المادة 176 من الدستور إلى ظروف مستعجلة، وجاء في كلمته بأنه ''نظرا للإلتزامات المستعجلة والتحديات الراهنة، فقد ارتأيت إجراء تعديلات جزئية محدودة، ليس بذلك العمق ولا بذلك الحجم ولا بتلك الصيغة التي كنت أنوي القيام بها، التي تتطلب اللجوء إلى الشعب، فقد فضلت اللجوء إلى الإجراء المنصوص عليه في المادة 176 من الدستور''. وحرص القاضي الأول في البلاد في نفس السياق، على التأكيد بأنه لم يتخل عن فكرة التعديل الدستوري عن طريق الاستفتاء وتأجيلها إلى حين، وتوقع الأمين العام للهيئة التنفيذية لحزب جبهة التحرير الوطني ''الأفلان''، عبد العزيز بلخادم، أن يتم مطلع العهدة الرئاسية المقبلة. ولم يفوّت رئيس الجمهورية المناسبة لتوضيح النقاط التي يشملها تعديل الدستور ويتعلق الأمر بحماية رموز الثورة المجيدة التي أصبحت رموزا ثابتة للجمهورية لما تمثله من ميراث خالد للأمة جمعاء، لا يمكن لأحد التصرف فيها أو التلاعب بها، وهذا بإعطائها المركز الدستوري الذي يليق بمكانتها ولعل أبرز نقطة شملها التعديل، تلك المتعلقة بالصلاحيات ''من أجل إعادة تنظيم وتدقيق وتوضيح الصلاحيات والعلاقات بين مكونات السلطة، دون المساس بالتوازنات الأساسية للسلطات، سلطة تنفيذية قوية موحّدة ومنسجمة، بإمكانها تحمّل المسؤوليات واتخاذ القرارات الناجعة بسرعة، بما يمكنها من تجنب الازدواجية والتعارض، وتجاوز سلبيات التوفيق بين برامج مختلفة، تؤدي في النهاية إلى تشتيت وتمييع المسؤوليات وتضارب القرارات، مما يعطل تنفيذ البرامج وإنجاز المشاريع ويضرّ بمصالح العباد''. كما شمل التعديل أيضا المادة المتعلقة بتحديد العهدة الرئاسية باثنتين فقط، قصد ''تمكين الشعب من ممارسة حقه المشروع في اختيار من يقود مصيره، وأن يجدد الثقة فيه بكل سيادة إذ لا يحق لأحد أن يقيد حرية الشعب في التعبير عن إرادته، ثقة عميقة متبادلة، قوامها الاختيار الشعبي الحر والتزكية بحرية وقناعة''. واستنادا إلى بيان مجلس الوزراء المنعقد 5 أيام بعد إعلان رئيس الجمهورية عن إجراء التعديل، وتحديدا يوم 3 نوفمبر الأخير، فإن هذه المسألة تندرج في إطار تكريس حق الشعب في اختيار قادته بكل حرية وسيادة ''ومن هذا الباب يبقى التعديل المقترح إدخاله على المادة 74 على الخمس سنوات مدة للعهدة الرئاسية ويسوغ لرئيس الجمهورية أن يعاد إنتخابه... كل نظام ديمقراطي يقر للشعب وحده حق اختيار قادته من خلال انتخابات تعددية وحرة وشفافة... من ثمة، التناوب الحق على السلطة من الاختيار الحر للشعب بذاته حين يستشار بكل ديمقراطية وشفافية من خلال انتخابات حرة وتعددية وهو المغزى المبتغى من تعديل المادة .''74 تحديد مهام الجهاز التنفيذي وبموجب التعديلات، يتولى رئيس الجمهورية تعيين الوزير الأول وانهاء مهامه، كما له أن يعين نائبا أو أكثر للوزير الأول لمساعدة هذا الأخير في ممارسة مهامه وفق المادة 77 التي تخوّل له إنهاء مهامهم، يقوم الوزير الأول بتطبيق برنامج رئيس الجمهورية، حسبما تنص عليه المادة ,79 فيما تنص المادتين المواليتين (80 و81) على ''عرض الوزير الأول برنامج عمله على موافقة المجلس الشعبي الوطني، عند الاقتضاء يجوز له أن يكفيه بالتشاور مع رئيس الجمهورية على ضوء ما جاء في نقاشه، وفي حالة عدم الموافقة على برنامج عمله من قبل المجلس الشعبي الوطني، يقدم الوزير الأول استقالة حكومته لرئيس الجمهورية، وعلى هذا الأساس، عرض أحمد أويحيى مخطط عمل حكومته على البرلمان بغرفتيه خلال النصف الثاني من ديسمبر على أن يمتد المخطط على مدى 4 أشهر فقط، نظرا لبرمجة إنتخابات رئاسية في الربيع المقبل. تحريك النشاط السياسي وقد أعطى تعديل الدستور الذي تطرق إليه رئيس الجمهورية في سنتي 1999 و,2004 دفعا للنشاط السياسي، في غضون السنة الجارية وتحديدا الأشهر الثلاثة الأخيرة منها، لكن قبل ذلك، وتحديدا في العام 2006 الذي اختاره ''الأفلان'' للدعوة إلى تعديل الدستور ورفع مقترحات إلى الرئيس بوتفليقة في هذا الشأن أثار إنزعاج زميليه في هيئة التحالف الرئاسي، ويتعلق الأمر بالتجمع الوطني الديمقراطي ''الأرندي'' وحركة مجتمع السلم ''حمس''، أعابا على ''الأفلان'' تحركه الفردي، وتحجج الأمين العام ''للأرندي'' آنذاك لتبرير استيائه بأن التعديل من صلاحية رئيس الجمهورية فقط، والأحزاب السياسية غير مخوّلة لرفع مقترحات، ورغم أن بلخادم لم يرد آنذاك على أويحي إلا أنه لم يفوّت فرصة انعقاد مجلسه الوطني مؤخرا للتأكيد بأن رئيس الجمهورية تبنى بعض مقترحات ''الأفلان'' في التعديل الجزئي وتوقع إحداث تعديل معمق يمر عن طريق الاستفتاء مطلع العهدة الرئاسية الجديدة. وتحسبا لتعديل الدستور، فضلت بعض الأحزاب السياسية مثلما هو الشأن بالنسبة ل''حمس'' و''الأرندي'' عقد أهم المواعيد المبرمجة في أجندتها السياسية، حيث عقد معا على التوالي المؤتمر الرابع والثالث، ورغم أن حزب أويحيى لم يحدث أي مفاجأة نظرا للانضباط الكبير الذي يحرص عليه لتفادي أي انفلات أو انشقاق داخلي مثلما هو الشأن بالنسبة ''لحمس'' وان بقيت الرئاسة في يد أبو جرة سلطاني، رغم المنافسة الشديدة من قبل عبد المجيد مناصرة، إلا أن المؤتمر الرابع لم يتمكن من رأب الصدع الذي مازال يتربص بالحركة التي سجلت تراجعا أكدته نتائج الإنتخابات المحلية لنوفمبر ,2007 الأمر الذي قوّى شوكة المعارضة بداخل الحركة. من جهته، قرر بلخادم تعليق كل المواعيد الهامة إلى مابعد الإعلان عن تعديل الدستور، موازاة مع برمجة اللقاءات المقررة منها الجامعة الصيفية الذي كان موضوعها اجتماعيا مرتبطا بالجامعة وبعيدا كل البعد عن السياسة، ورغم المشاكل الكثيرة التي حالت دون استكمال عملية الهيكلة بتسع محافظات إلا أن بلخادم كان لها بالمرصاد وتمكن من احتواء الوضع، مذكرا في كل مرة يلتقي فيها بممثلي الصحف الوطنية، بأن ما يحدث داخل ''الأفلان'' حالة صحية ولأنه حزب غير منغلق، فإنه يسمح للجميع بالتعبير عن آرائهم دونما إسكات أصوات المعارضة، وكما قرر عقد اجتماع الهيئة التنفيذية والمجلس الوطني الذي دعا رئيس الجمهورية للترشح رسميا إلى رئاسيات الربيع المقبل بعدما دعاه على لسان رئيس التحالف الرئاسي عبد العزيز بلخادم باسم زميليه أويحيى وسلطاني إلى الترشح خلال أشغال القمة التاسعة التي تأخرت هي الأخرى إلى ما بعد الإعلان عن التعديل رسميا وشهدت تسليم الرئاسة من ''الأرندي'' إلى ''الأفلان''. تماسك هيئة التحالف رغم الخلافات الجزئية ولعل ما ميز القمة التاسعة للتحالف الذي يحتفل بعيد ميلاده الخامس في فيفري المقبل، تجديد قادته الثلاثة تمسكهم بالهيئة رغم الاختلافات التي تصل في بعض الأوقات إلى الانتقادات اللاذعة كتلك التي يطلقها سلطاني في كل مرة على زميليه معيبا عليهما عدم تنزيل التحالف إلى المجالس المنتخبة وبقائه أفقيا، ورغم الإلتفاف مجددا على برنامج رئيس الجمهورية ودعوته للترشح لعهدة ثالثة، إلا أن سلطاني الذي لم ييأس، حاول مجددا الضغط على بلخادم وأويحيى من خلال دعوتهما إلى ترقية التحالف إلى شراكة سياسية بمناسبة الإنتخابات الرئاسية. وإذا كان هذا هو حال التحالف الذي يبقى كذلك في السنة الجديدة التي تميزها الرئاسيات، فإن الأحزاب الأخرى تستعد على طريقتها لخوض معركة الرئاسيات، فالتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي يعتزم الدخول في الرئاسيات لعدم تفويت الفرصة على التشكيلة التي غيّبت نفسها بسبب اعتماد قيادتها على سياسة المقاطعة، ورغم اتخاذ هذه الأخيرة من حضور المراقبين، ذريعة إلا أنه يرجح أن تشارك. من جهتها، وإن لم تعلن بعد عن ترشحها رسميا، فإن لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال هي الأخرى، لن تفوّت الرئاسيات للمشاركة فيها، وتأكيد تعزز الوعاء الإنتخابي لهذه التشكيلة التي تتقدم بخطوات ثابتة، شأنها في ذلك شأن الجبهة الوطنية الجزائرية بقيادة موسى تواتي الذي كان سباقا للإعلان عن ترشحه مثله في ذلك مثل علي فوزي رباعين، رئيس عهد .54 وعلى العموم، فإن العام ,2008 تميز أساسا بتعديل الدستور ولأنه العام الذي يسبق الرئاسيات، فإنها كانت سنة تحضيرية، حيث سارعت الأحزاب لعقد أهم مواعيدها للتفرغ للاستعداد للرئاسيات التي تأتي في ظروف استثنائية تطبعها الأزمة المالية العالمية التي تعصف باقتصاد الدول وبتدحرج أسعار البترول إلى مستويات متدنية، وبالتالي التحديات ليست بالهيّنة بالنسبة للرئيس الذي ستفرزه الرئاسيات. ------------------------------------------------------------------------