كنا نقول للمسؤول غير المرغوب فيه »خذ حقيبتك وارحل« .. اليوم تغيرت المقولة، لتحل محلها مقولة : »اترك حقيبتك وارحل« .. وقد رحل الكثير قبل بشار الأسد بدون حقائب وحتى بدون »هدوم «. هل يمكن أن يبقى بشار الأسد رئيسا لسوريا؟ مستحيل.. وكل الدول التي تقف مؤيدة له حاليا، سوف تنهزم كما انهزم موقفها في ليبيا ومصر وتونس واليمن، وسوف تصبح أنظمة غير مرغوب فيها.. وإن التحولات العميقة التي تحدث في الأطراف ستؤثر لا محالة على المركز . لقد بينت التجارب الأخيرة للشعوب العربية أن كل نظام ثار ضده شعبه أو جزء من شعبه، انتهى الأمر بالرئيس على الأقل إلى النهاية. فرئيس تونس زين العابدين بن علي انتهى، ورئيس مصر حسني مبارك انتهى، وزعيم ليبيا معمر القذافي انتهى، ورئيس اليمن علي عبد الله صالح انتهى.. فهل ينتهي رئيس سوريا بشار الأسد مثلما انتهى سابقوه ؟ نعم.. يعتبر الرئيس السوري بشار الأسد »جزء من ماضي سوريا«، لقد انتهى عندما دخل البرلمان السوري »خاطبا ضاحكا«، وكان بعض أنصاره من شيوخ البرلمان يقرؤون قصائد المدح نفاقا وهو يبادلهم الابتسامة والتحية، في حين كان المنتفضون يسقطون قتلى وجرحى. هنالك تحطمت »صورة الرئيس«، إذ لا يمكن إطلاقا في العصر الراهن أن تحكم شعبا وأنت لا تقدر حتى مشاعر القتلى وعائلاتهم . انتهى العقيد معمر القذافي، بمجرد خطاب قصير وصف فيه الشعب الليبي بالجرذان، انتهى.. لأن صورته تحطمت.. ذلك الخطاب جعله »رئيسا« غير مقبول، فتعززت الانتفاضة ضده، وأصبح التدخل العسكري للحلف الأطلسي بالنسبة للشعب الليبي أهونا من بقاء القذافي ومقبولا أكثر من القذافي . حسني مبارك انتهى بمجرد إرساله البلطجية لميدان التحرير يقتلون الشباب المعتصمين بالجياد وسيارات الشرطة، وبن علي انتهى مباشرة بعد أن عرضت كاميرات التلفزيون الممارسات العنيفة لشرطة بن علي ضد شباب تونس المنتفضين . بشار الأسد اليوم، بمعدل 70 قتيلا يوميا يسقط في سوريا من أطفال ونساء وشيوخ وكهول وشباب، وبآلاف اللاجئين في الأردن، وفي تركيا وفي الجزائر وغيرها من البلدان لا يمكن أن يبقى رئيسا. أصبح اللجوء إلى دولة العراق المضطربة وغير المستقرة وغير الآمنة أرحم بالنسبة للسوريين من سوريا، لقد فروا من الموت والجوع واللاأمن.. فهل بعد هذا يبقى بشار الأسد رئيسا؟ كان ممكنا للأحداث أن تأخذ مجرى آخر لو لم تندلع الإنتفاضة ضد النظام السوري في دمشق، أما وقد أصبحت عاصمة بشار الأسد ملتهبة يتجاذبها الجيش النظامي والجيش الحر، فإن نهاية الرئيس قربت . كان ممكنا لنظام الأسد أن يغير مجرى الأحداث لو لم يلق معارضوه التأييد الدولي عربيا وأوروبيا وأمريكيا.. أما وقد أصبحت »القضية السورية« تدرس في مجلس الأمن، ويتساوم حولها الكبار قبل الصغار، فإن الوضع السياسي لم يبق كما كان في سوريا . كان ممكنا للرئيس بشار الأسد أن يصمد لو لم تبدأ الانشقاقات في صفوف الجيش وفي السلك الدبلوماسي وانضمامهم للمعارضة.. والحال هذا.. كم يستطيع بشار الأسد أن يصمد؟ إلى أي حد يمكنه أن يستمد قوته من الصين وروسيا؟ وإلى أي حد تستطيع موسكو وبكين دعم رئيس آيل إلى النهاية؟ ألم تبين التجارب أن هذين البلدين لم يقوما سوى بتأخير الحلول التي يتصورها الغرب؟ مثلما حدث في العراق وليبيا مثلا؟ ثم في النهاية تصمت روسيا وتصمت الصين. وهل يستطيع أي نظام سياسي أن يستقوى بالخارج ضد شعبه؟ وماذا يحصل إذا استقوى شعبه بالخارج أيضا؟ نعم.. نستطيع أن »نذرف الدموع« على نظام الأسد، مثلما فعل حسين نصر الله زعيم حزب الله اللبناني.. بسبب »عروبة وقومية النظام السوري ودعمه للمقاومة اللبنانية والفلسطينية«، غير أن هذا يبقى شعور خارجي، أما الشعور الداخلي فهو النابع من قلب الشعب السوري، فعندما يرفضك شعبك لا تنفعك الشعوب الأخرى حتى لو ذرفت دماء وليس دموعا. إن أفضل الحلول بالنسبة لبشار الأسد اليوم هو النموذج اليمني، حيث يقوم بتسليم السلطة كما فعل علي عبد الله صالح، وهذا المخرج الأفضل لسوريا من تدخل عسكري أجنبي، تحت بند الباب السابع، خاصة بعد التصريحات السورية الأخيرة حول »استخدام الأسلحة الكيماوية« ضد أي تدخل عسكري خارجي، ما يعني أنه »إقرار بامتلاكها«، وهو ما سيضاعف المخاوف الغربية، ويعيد إنتاج اسطوانة السلاح النووي العراقي. بتسليم السلطة، تستطيع سوريا على الأقل الحفاظ على بعض قدراتها، لكن في حال تدخل أجنبي، أو استمرار الاقتتال الداخلي، فإن أولى الضحايا سيكون الجيش السوري، إما يتم حله مثلما حدث في العراق، أو تدميره كتجربة جديدة في المنطقة، لأن متغير إسرائيل لا يقبل بجيش قوي في الشرق الأوسط. إن الدبلوماسيات العربية يتعين عليها أن تساعد بشار الأسد على تسليم السلطة بدل تشجيعه على المواجهة والصمود، والإدعاء بأن ذلك شأنا داخليا. يجب أن تقرأ المتغيرات الدولية قراءة صحيحة.. فالشأن الداخلي النتهى بمجرد دخول القضية إلى مجلس الأمن، وكل الدول التي وقفت مؤيدة لبن علي وحسني مبارك والقذافي وعلي عبد الله صالح – بما فيها روسيا والصين –فشلت وأذعنت في النهاية للأمر الواقع الذي صنعته الشعوب.. وسوف تشعر الدول التي تؤيد بشار وتدفعه إلى مزيد من الصمود والمقاومة مستقبلا بالعزلة الدولية، وقد تتعرض لضغوطات التغيير من الداخل والخارج، بعد ما يحدث التغيير الكبير من حولها وفي أطرافها.. حينها ستصبح أنظمة غير مقبولة.