لأنها لا تزال المعقل الوحيد للمقاومة والممانعة العربية، في عصر الانبطاح والتدجين، فإن غزة يجب أن تدمر صهيونيا بمباركة أمريكية وغربية، وبصمت عربي من باب »لا حول ولا قوة« ومع ذلك فإن إسرائيل لها حسابات كما لحركة حماس حساباتها أيضا. يعكس العدوان الصهيوني الأخير على غزة، أن لإسرائيل برنامجا عسكريا حربيا عدوانيا يتم تنفيذه كل سنة أو سنتين ضد الفلسطينيين أو اللبنانيين. وواضح أن العدوان العسكري يسعى لتحقيق جملة من الأهداف، أهمها تدمير المنشآت التي بنيت في غزة بعد حرب 2009، واستهداف قيادات المقاومة الفلسطينية السياسية والعسكرية، وزرع الرعب وروح اليأس في نفس الشعب الفلسطيني، وربما حمله على التمرد على حركات المقاومة المختلفة، حتى تصبح غزة في نهاية المطاف نسخة للضفة الغربية في الاستسلام والخنوع للعدو الصهيوني. حسابات إسرائيل إسرائيل من وراء العدوان تريد أن تؤكد للفلسطينيين أن المقاومة لن تنفع ، مثلما لم تنفع السياسة، وعلى راسها سياسة المفاوضات التي باشرتها قيادات فتح مع إسرائيل منذ عام 1993 ، وقد شارفت عامها العشرين دون أن تحقق شيئا للفلسطينيين. وفعلا ما دام الفلسطينيون منقسمون بين موال للمفاضوات، ومؤيد للمقاومة، فإن الخيارين سيصلان إلى الفشل، فالمفاوضات التي تتبناها الضفة الغربية بقيادة محمود عباس، لن تصل إلى أي نتيجة ما دامت غزة ترفضها، والمقاومة التي تتبناها حركة حماس والجهاد وغيرهما لن تحقق نتائج كبيرة، مادامت حركة فتح هي أول عدو لها. إن العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة، رسالة قوية للجميع، بدون »اتحاد ووحدة داخلية« فإن الفلسطينيين جميعا هم الخاسرون. وبدون شك، فإن التصعيد الإسرائيلي في العدوان على غزة، مرده أيضا عدد الصواريخ الحماسية التي نزلت على إسرائيل والمقدرة بنحو 500 صاروخ خلال أسبوع، وهو ما يعتبر ارتفاعا ذا دلالة بالمقارنة مع عدد الصواريخ التي تم إطلاقها خلال 10 أشهر الأخيرة التي بلغت 723 صاروخا، كما إن استهداف تل أبيب التي يسكنها نحو 40 بالمئة من سكان إسرائيل أي نحو 7.7 مليون نسمة بصواريخ »فجر« الطويلة المدى تنظر إليه إسرائيل بعين الريبة رغم أن القدرة التدميرية لصواريخ حماس هي في درجة »الصفر«. كما تنظر إسرائيل بتخوف لحركة حماس، التي يقال أنها تملك نحو 11 ألف صاروخ إيراني الصنع لكنها لم تستخدم منها إلا عددا قليلا. كذلك تتخوف إسرائيل من قبول دولة فلسطين في الأممالمتحدة كمراقب غير عضو، وهو ما يعني فشل المفاوضات أو تشكيك فيها وقد يصل لاحقا إلى محاكمة مجرمي الحرب في إسرائيل في الجنائية الدولية، لذلك عملت على إبراز حركة حماس كحركة عدوانية إرهابية وأن إسرائيل في حالة الدفاع عن النفس. كما تسعى إسرائيل من وراء العدوان إلى اختبار دول الربيع العربي وعلى راسها مصر، في مدى قدرتها على التعامل مع الموقف تجاه إسرائيل، وأن أمير قطر الذي تعتبر بلاده راعية دول الربيع العربي قام مؤخرا بزيارة لقطاع غزة، ما يعني أن القضية الفلسطينية بدأت تأخذ اهتماما كبيرا في الوطن العربي. وفي الوقت ذاته، فإن إسرائيل تريد اختبار حلفائها أيضا، خاصة أمريكا وفرنسا التين شهدتا مؤخرا انتخابات رئاسية، في قدرتهما على تأييد إسرائيل »ظالمة أو مظلومة«. حسابات حماس لكن بالنسبة لحماس وحركة الجهاد، فإن استمرار إطلاق الصواريخ على إسرائيل يبقي على قوة المقاومة ويوجه رسالة إلى »المفاوضين بالمجان«، وأن عدم الرد على أي اعتداء إسرائيلي يعني أن المقاومة دخلت مرحلة الضعف، وهو ما لا تسمح به حماس. كما أن وصول الصواريخ إلى تل أبيب سوف يوسع دائرة الخوف في إسرائيل من الناحية النفسية، وربما يؤثر على السياحة وحتى على جلب الإستثمارات وهجرة اليهود إلى إسرائيل. وفي الوقت الراهن، فإن مواجهة حماس الاعتداء الإسرائيلي، يعني وضع دول الربيع العربي وعلى رأسها مصر موضع الاختبار، خاصة مصر، باعتبار أن الرئيس المصري الحالي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وهي نفس الإيديولوجية مع حركة حماس، وقد نجح مرسي في الاختبار الأول حيث تعامل مع الموقف بحزم من خلال إيفاد رئيس الوزراء إلى غزة وسحب سفير مصر من تل أبيب وفتح معبر رفح فتحا دائما، وهو في حد ذاته مكسب لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية ككل. وهكذا إذن، تكون حماس قد اختبرت الوضع الجديد في مصر، لأن الحرب الحالية تختلف عن حرب 2008، عندما كان في مصر نظام مرتبط بعلاقات متينة مع إسرائيل، والتي سمحت لإسرائيل بقتل 1400 فلسطيني في ثلاث أسابيع فيما يسمى بعملية »الرصاص المسكوب«. من جانب آخر، وضعت حركة حماس الرأي العام الدولي أمام حقيقة أخرى مفادها، أن الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وفرنسا وحلف الناتو، قد تدخلت في دول الربيع العربي، خاصة ليبيا وسوريا، لكنها، ورغم أن المعركة غير متكافئة، بين قطاع غزة الضعيف والفقير والمحاصر وبين إسرائيل القوية اقتصاديا وعسكريا، ومع ذلك صمتت في شكل »تبرير للعدوان«.