اتفقت الحكومة المالية مع أكبر فصيلن مسلحين في شمال مالي وهما حركتي »الأزواد« و»أنصار الدين« على صيغة أولية للمفاوضات تستند أساسا على نبذ كل أشكال الإرهاب واحترام الوحدة الترابية لمالي وهو ما يعدّ من وجهة نظر المتتبعين لتطورات الوضع في شمال مالي نجاحا للتحركات الدبلوماسية والسياسية التي باشرتها الجزائر على عدة مستويات في »تجميد« أو استبعاد وبشكل كبير مشروع التدخل العسكري في شمال مالي . توصلت كل من حركة تحرير إقليم الأزواد و التنظيم الذي يسمي نفسه » أنصار الدين« للاتفاق لأول مرة مع السلطات المالية على إدانة جميع أشكال الإرهاب و احترام السيادة الوطنية المالية على حدودها المتعارف عليها، وجاء هذا الاتفاق في وجهات النظر عقب اجتماع جمع أول أمس ممثلي الحكومة المالية و موفدي الحركتين بوساطة الرئيس البوركينابي بليز كومباوري لمحاولة إيجاد اتفاق مبدئي لحل سلمي للازمة المستعصية في شمال مالي. وحضر اللقاء بالإضافة إلى رئيس بوركينا فاسو وسيط المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا »ايكواس« في الأزمة المالية مندوبين عن السلطة المالية ومجموعتي »انصار الدين« و»الحركة الوطنية لتحرير ازواد«، إلى جانب مشاركة ممثلين عن دولة كوت ديفوار ونيجيريا ومنظمتي الايكواس ومنظمة التعاون الإسلامي، ومن المقرر أن يعرض رئيس بوركينا فاسو على ممثلي الحكومة المالية »أجندة مباحثات« مع حركة »انصار الدين« ومع »الحركة الوطنية لتحرير الازواد«. وتأتي هذه المفاوضات بعد تقرير قدمه بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي الأربعاء الماضي حذر فيه من مخاطر التدخل العسكري في شمال مالي و الذي قال »إن من شأنه أن يفاقم الوضع الإنساني الهش ويؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان«. وأطلقت الجزائر بالتزامن مع حشد الدول الإفريقية لهذا المشروع تحركات على مسارين الأول دبلوماسي حيث قام وزير الخارجية مراد مدلسي والوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية عبد القادر مساهل بزيارات مكوكية في المنطقة وكذا دول غربية أخرى مثل روسيا والولايات المتحدة وفرنسا لشرح الطرح الجزائري. كما عرفت الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة حراكًا دبلوماسيًا كثيفًا من خلال زيارات لمسؤولين دوليين ومن المنطقة بينهم وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون إلى جانب المبعوث الأممي إلى الساحل الإفريقي رومانو برودي ثم رئيس الوزراء المصري هشام قنديل وأخيرا رئيس الحكومة التونسية حمادي جبالي الذي أعلن دعم بلاده المطلق للطرح الجزائري الحكيم بشأن مالي. وفي هذا السياق أعلن مراد مدلسي مؤخرا أن الدول الغربية التي كانت متحمسة للتدخل العسكري في مالي بدأت بالتراجع بعد أن أدركت واقعية الطرح الجزائري وخطورة الخطوة. أما المسار الثاني للتحرك الجزائري فكان بإطلاق وساطة بين الحكومة المالية وحركتي أنصار الدين والأزواد من أجل الشروع في مفاوضات لإيجاد مخرج سلمي للأزمة في الشمال،ووصل منذ أسبوع إلى الجزائر وفد من حركة أنصار الدين لإجراء مباحثات يحضرها ممثل عن حكومة باماكو من أجل التمهيد لإطلاق مفاوضات مباشرة بينها. وقال وزير الداخلية دحو ولد قابلية في تصريح سابق بشأن المفاوضات أن قبول حركتي أنصار الدين وتحرير أزواد بالشروع في مفاوضات مع حكومة باماكو لم يأت صدفة، وإنما بتوجيهات من الجزائر، ويرى خبراء أن حل الأزمة في مالي لابد أن يمر عبر الجزائر التي قادت وساطات من سنوات لحل أزمة مالي وكذا نفوذها الاستخباراتي الكبير في المنطقة بحكم تجربتها في مواجهة الحركات الجهادية. وتتنازع حركتا تحرير أزواد وأنصار الدين النفوذ في شمال مالي مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد المنشقة عنه منذ أفريل الماضي، تاريخ سقوط شمال البلاد تحت سيطرة هذه المجموعات غداة انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المالي توماني توري وانسحاب الجيش النظامي من الشمال.