موجة من الرعب والخوف والهلع تجتاح هذه الأيام مختلف العائلات الجزائرية، بسبب حالتي القتل التي راح ضحيتها الطفلتين البريئتين سندس وشيماء، هلع دفع بالعديد من الأولياء إلى تشديد الرقابة على أطفالهم ومنعهم من الاستمتاع بالعطلة الخريفية عن طريق سجنهم بين جدران المنزل، فيما كان وقع تلك الأحداث على مسامع الأطفال قويا إلى درجة عدم النهوض من أمام شاشة التلفزيون لمعرفة مختلف المستجدات المتعلقة بتلك الحادثتين. استطاعت حادثتي القتل التي تعرضت لها الطفلتان سندس وشيماء أن تزعزع استقرار العديد من الأسر الجزائرية، فهذه الأخيرة تعيش تحت وقع حالات اختطاف وتعذيب وعنف يتعرض لها هؤلاء الأطفال قبل أن يتم قتلهم، وهو الأمر الذي جعل الأولياء عبر مختلف الأحياء بالعاصمة يشددون الرقابة على أطفالهم والاستنفار لمجرد شكوك تراودهم حول هذا الشخص أو ذاك وضعية حبست أنفاس أفراد المجتمع ودفعت بالبعض إلى سجن فلذات أكبادهم أو مرافقتهم في مختلف تحركاتهم خوفا عليهم من مصير مجهول يحولهم إلى جثة هامدة في لحظة غفلة كما كان الحال بالنسبة لسندس. حراسة مشددة على الأطفال رعب حقيقي يعيشه الأولياء الذين وجدوا أنفسهم في حيرة حول الطريقة التي تجنبهم تعرض أطفالهم لمثل هذه الأحداث، وهو الأمر الذي لاحظناه على سيدة كانت جالسة في محطة القطار وبرفقتها طفلتها التي تبلغ حوالي الإثنى عشرة سنة، كان الخوف والقلق باديان عليها، وما إن تحدثنا إليها حتى عبرت عن مخاوفها من مصير الطفولة في الجزائر التي أصبحت تنتهك براءتها بطريقة وحشية لا إنسانية، قائلة أنها وككل العائلات الجزائرية تأثرت لما تعرضت له الطفلتان "شيماء" و"سندس" وكان لذلك نتيجة سلبية على حياتها الأسرية، فأطفالها باتوا ممنوعين من الخروج من المنزل، بينما هدد زوجها في حال استمرار هذا الوضع بتوقيف ابنته عن الدراسة وإبقائها في المنزل. حالات الاختطاف والقتل تلك وقبلها التي كانت تصل مسامع المواطنين وعبر الجرائد في السنوات الأخيرة، حولت حياة المواطنين وعلى وجه التحديد الآباء والأمهات إلى جحيم حيث وجدوا أنفسهم أمام ظاهرة، لا حل لها سوى التطويق على أطفالهم وحرمانهم حتى من اللعب وهو أبسط حق لهم، وذلك نتيجة غياب الأمن، فقد تملّك الخوف نفوس الأولياء الذين دقوا ناقوس الخطر واعتبروا ما يحدث تعدي صارخ على حياة أطفالهم الأبرياء الذين حرموا من الشعور بالاستقرار. وكثيرون ممن تحدثنا إليهم وقد أصابتهم الصدمة جراء ما يتابعون على القنوات التلفزيونية الخاصة التي تنقل المستجدات أولا بأول، ومن بينهم وسيلة التي أكدت أن الحادثتين لم يكن لها عواقب على الكبار فحسب بل كان لها تأثير خطير على الصغار الذين يعيشون خلال هذه الأيام حالة نفسانية مضطربة، فأطفالها على سبيل المثال كانوا لا يتوقفون عن مشاهدة القنوات التلفزيونية ومتابعة مختلف التفاصيل المتعلقة بالقضيتين مما انتابهم الخوف والهلع من الطريقة التي قتلت بها الطفلتان، وهو ما جعلها- تقول- تمنع عن أطفالها مشاهدة التلفزيون والعمل على تبديد مخاوفهم بخلق تفسيرات مختلفة للواقعتين. هذه الأجواء الحزينة التي حرمت بعض الأطفال من الاستمتاع بعطلتهم وإجبار بعض الأولياء أمام هذه الجرائم الخطيرة المتوالية من أخذ عطلة رفقة أطفالهم للترويح عنهم وإبعادهم عن هذه الأخبار التي تؤثر سلبا على حياتهم، حيث لم يلبث كل من تحدثنا إليه في التنديد بمثل هذه الجرائم التي ترتكب في حق البراءة كسيدة وجدناها بشارع العربي بن مهيدي، حيث استغربت للوحشية التي باتت تميز بعض البشر الذين انعدمت لديهم الإنسانية قائلة " كانت صدمتي كبيرة لما حدث للطفلتين شيماء وسندس، والأمر خطير جدا خاصة عندما علمنا أن الجناة من المقربين إليهما، وهو ما زاد من مخاوفنا حتى أن ذلك أصبح يشككنا في من يحيطون بنا ولا نثق بهم، فبعض الناس غابت الرحمة عن قلوبهم وتحولوا إلى وحوش حقيقية، ومن المحزن أن تنتهك البراءة بهذا الشكل الفظيع، وكل منا مهدد بالتعرض لمثل تلك الأمور لذا من الضروري معاقبة المتسببين عقابا عسيرا". مضيفة أنها ستشدد مراقبة وحراسة أطفالها أكثر من أي وقت مضى وإن كانت في الأول تتساهل مع طفلها الذي لا يتعدى السادسة وتسمح له بالخروج للعب مع أصدقائه في الحي، لكن من اليوم فصاعدا قررت أن لا يغادر المنزل إلا برفقتها. مطالب بتشديد العقوبة على المجرمين نفس الشعور وجدناه لدى مواطنين آخرين حول ما حدث ل"سندس وشيماء"، حيث أعرب رب أسرة تتكون من 3 أولاد، عن اندهاشه من التحولات الخطيرة التي يعرفها المجتمع الجزائري، خاصة فيما يتعلق بظاهرة الاختطاف والقتل التي يتعرض لها الأطفال في السنوات الأخيرة، مبديا تخوفه من هؤلاء المجرمين الذين لا يملكون الرحمة في قلوبهم، مشيرا إلى أن الأطفال الضحية الأولى في كل ذلك رغم أنهم لا حول ولا قوة لهم ولا يتم مراعاة ضعفهم، ومهما كانت الحجة في ذلك سواء كان المجرمين مسبوقين قضائيا أو يعانون من أمراض نفسية أو عقلية، يجب معاقبتهم على فعلتهم الشنيعة. مضيفا أن أحسن وسيلة لحماية أطفالنا هي عدم السماح لهم باللعب خارج المنزل أو بعيدا عنه، كما أن الوضع يتطلب يقظة مستمرة للأولياء لأن الأمور تسير نحو تحول هذه الظاهرة إلى كابوس حقيقي. وتمثل النساء العاملات من أكثر الفئات تأثرا بمسلسل الاختطاف والقتل الذي تتعرض له البراءة في بلادنا، خاصة وأن البعض منهن تتركن أطفالهن خلال هذه العطلة وكذا في سائر الأيام الأخرى في المنزل لوحدهم، وأمام ما يروج له من وجود شبكات متخصصة في الاختطاف والمتاجرة بأعضاء الأطفال زادت مخاوفهن ودخلن في دوامة لا نهاية لها من القلق والرعب، وفي هذا الإطار تقول نعيمة موظفة وأم لثلاثة أطفال أنها كانت في الأيام السابقة تتصل بأبنائها للاطمئنان عليهم مرة أو مرتين لكنها اليوم وبعد ما قرأته في الجرائد وما شاهدته في القنوات الجزائرية الخاصة أصبحت تتصل بهم كل ساعة لمعرفة أحوالهم وتذكيرهم بعدم فتح باب المنزل لأي كان حتى ولو كان من العائلة، مضيفة أنها منعت عنهم متابعة ما ينقله التلفزيون بعد الخوف الذي انتابهم جراء ما شاهدوا. آراء المواطنين وتصرفاتهم حول ظاهرة الاختطاف التي تحولت حديث العام والخاص خلال هذه الأيام، فيها الكثير من الخوف والإحباط كونها تمس فئة الأطفال التي تبقى على حد قول البعض الفئة الأكثر تهميش في المجتمع في ظل غياب قوانين ردعية تحميهم، وهو ما جعلهم يتساءلون عن السبل الكفيلة بتوفير الأمن لهذه الشريحة التي باتت تعيش في ظروف اجتماعية قاسية أثرت على نموهم وهم اليوم مهددون بالتعرض لجرائم بشعة يكون مصيرهم فيها المصير الذي انتهت عليه قضية الطفلتين "شيماء" و"سندس". هذا الوضع زاد من انتباه ويقظة الأولياء للسهر على سلامة أطفالهم وحمايتهم من هذه الظاهرة لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق مدى نجاعة هذه الطرق بعد أن كان المجرمين اللذان قتلا شيماء وسندس من المقربين للعائلتين، خاصة وأن الأطفال مقبلون على نهاية العطلة وبالتالي سيتوجهون يوميا إلى المدارس بالإضافة إلى عدم إمكانية منعهم من اللعب خارج المنزل طيلة الوقت، وهو ما تطرق إليه مراد، موظف في إحدى المؤسسات الخاصة الذي تحدث عن الظاهرة قائلا " رغم أنه من الضروري توعية أطفالنا بما يجري حولهم، وأخذ كل الاحتياطات لتجنيبهم من التعرض للخطف أو القتل، إلا أن ذلك يبقى غير كاف خاصة بالنسبة للعائلات التي تقطن مثلا في أماكن بعيدة وبالتالي يتحتم على الأبناء قطع مسافات طويلة للوصول إلى المدرسة، وعليه فإن القضية اليوم ليست متعلقة بمحاولات فردية من طرف الأولياء لتأمين أبنائهم لوحدهم، بل تتطلب تدخل ومساهمة جميع الأطراف بما قي ذلك السلطات المعنية والجمعيات وكذا المواطنين للتنديد بمثل هذه الممارسات، ووضع قوانين تمنع المساس بحقوق البراءة". حرمت هذه الأحداث الأخيرة البراءة من الاستمتاع بعطلتها الخريفية، فوجد الكثير من الأطفال أنفسهم حبيسي جدران المنزل أو محاطون بحراسة مشددة حدت من حريتهم وتحركاتهم، وعليه يطالب الأولياء بتحرك عاجل للمعنيين من أجل بعث الراحة والاطمئنان في قلوب الأطفال الذين فقدوا براءتهم.