بعدما كانت ظاهرة التدخين مقتصرة على الرجال فقط، أصبحت في السنوات الأخيرة تنتشر بشكل خطير بين الفتيات، ورغم تحريم الدين الإسلامي له من جهة لما يسببه من أضرار صحية ونفسية لا تعد ولا تحصى، ونظرة المجتمع الجزائري السلبية للمدخنات من جهة أخرى، إلا أن ذلك لم يمنع من انتشارها والقيام بها جهرا، هي تصرفات يحذر المختصون من تفشيها كونها تهدد المفاهيم الأخلاقية في المجتمع وتدعو إلى التعدي على العادات والتقاليد. تزايد عدد الفتيات المدخنات في الجزائر بشكل ملحوظ، هذه الظاهرة التي تعتبر مرفوضة من طرف المجتمع، لم تعد شريحة كبيرة من هؤلاء الفتيات يقمن بها زسراس وإنما باتت''جهرا'' فبعد أن كانت الحمامات وقاعات الآكل وصالونات الحلاقة ملاذهم لتدخين سيجارة بعيدا عن أعين الناس، أصبح الأمر اليوم مختلفا ويحمل في ثناياه الكثير من الجرأة والإصرار على هذا الفعل الشنيع في حق الأنوثة. الحديث عن هذه الظاهرة الخطيرة التي تفشت بشكل كبير في أوساط الفتيات سواء كانوا يدرسون في الجامعات أو الثانويات يدفعنا إلى تسليط الضوء على الأسباب التي أدت بهذه الفئة من المجتمع إلى تبني هذه التصرفات التي يحرمها ديننا الحنيف وينبذها المجتمع، وما إذا كان قيامها بها ينم عن حرية شخصية أم انحراف، أو هو تمرد على العادات والتقاليد؟ لكن ما يمكن التأكيد عليه في هذا الإطار أن مجموعة من العوامل اجتمعت لتعطينا هذه النتيجة لظروف مختلف كالثقة الزائدة من الأولياء التي نجم عنها التهاون في تربية الأبناء مقابل الاهتمام أكثر بظروف المعيشة التي يحاولون من خلالها تلبية كل متطلبات هؤلاء. عوامل كثيرة أدت إلى تفشي الظاهرة منها الرفقة السيئة التي تؤثر على الفتاة وتدفعها إلى القيام بتلك التصرفات، لكن الأمر المفروغ منه هو أن نظرة المجتمع الجزائري للمرأة المدخنة لم تتغير منذ القديم، ولمعرفة ذلك استطلعنا آراء بعض المواطنين من بينهم ''هشام'' ذو 28 سنة، حيث يرى بأن الفتاة المدخنة في نظره وقحة ولا تحترم العادات والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمع الجزائري، فهي حسب رأيه متمردة من جهة ولا تختلف عن الرجال في تصرفاتها من جهة أخرى، فهي تحاول تغيير القيم التي نشأت عليها وتغير وجودها في الحياة كأنثى. من جهتها تقول لامية طالبة في الجامعة المركزية أن تدخين الفتيات ارتفع بشكل خطير في وسط الطالبات اللواتي أصبحن يدخن دون اكتراث بمن حولهن، ففي السابق كن تبحثن عن أماكن للاختباء فيها لتدخين سيجارة، لكن اليوم تصرفهن هذا بات أمام الجميع، وهو الأمر المؤسف لأنهن بذلك يفقدن تقدير واحترام الكثيرين، لأنهن يتعدين على المبادئ والأخلاق السائدة في المجتمع، مضيفة أن تدخين الفتاة يفقدها الكثير من المزايا الصحية والجمالية حيث يتحول لون شفتيها إلى اللون الأسود القاتم، وتفقد إشراقة وجهها، وتصبح رائحتها كريهة من كثرة التدخين وهو ما يقضي على أنوثتها. وخلال استجوابنا شاءت الصدفة أن نقترب من إحدى المدخنات''إلهام'' ذات الخامسة والثلاثين سنة، أكدت لنا أن التدخين حرية شخصية بالنسبة لها، ولا يمكن لأحد أن يتدخل في ما تقوم به، رغم أن نظرات الناس إليها تزعجها إلا أن ذلك لا يقلقها، والمثير بالنسبة لها أن تلك النظرات توجه للفتاة الجزائرية فقط، فيما تحظى الأجنبيات بالإعجاب، مضيفة أن التدخين يجعلها مختلفة، ومتميزة، كما تعتبره موضة العصر، ومن لا يرى عكس ذلك فهو متخلف. وحول ذات الموضوع ترى حياة موظفة، أن التدخين حالة مشينة وكارثة اجتماعية، ولا تشجع المرأة على القيام بها لأنها ستبدو''مسترجلة''وهو الانطباع الذي غالبا ما يأخذه الناس عنها، مضيفة أن قيام المرأة بذلك هو تحد لعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية، فالظاهرة موجودة منذ عدة سنوات لكنها كانت سرا وبعيدا عن أعين الناس، لكن اليوم أصبح عدد هؤلاء كبير ويدخنون أمام الجميع، مشيرة إلى أن الفتيات في المدرسة التي تتعلم فيها اللغة الإنجليزية تدخين بطريقة مخزية وعلى مرأى من عمال الإدارة والمتمدرسين، وهو السلوك -حسب رأيها- الذي تحاول من خلاله التميز عن الآخرين معتبرينه حرية شخصية، هذا التصرف بعيد عن طبيعة المرأة ومخالف لتقاليدنا كوننا مجتمع مسلم ومحافظ تضيف. ورغم النظرة السلبية للمجتمع الجزائري تجاه المرأة المدخنة، إلا أن ذلك لم يمنع الأمر الكثير من النساء من التدخين بمعزل عن محيطها، لكن الملفت أن هؤلاء أصبحن يدخن وهن يقدن السيارة، وعليه فإن المرأة تتسابق مع الرجل إلى تدخين السيجارة والقيام بالعديد من التصرفات التي كانت ولوقت طويل خاصة به، غير مكثرته بأن تلك الأمور تسيء لها صحيا واجتماعيا. رئيس جمعية رعاية الشبابعبد الكريم عبيدات:الرفقة السيئة والتقليد أسباب إدمان الفتيات على التدخين أكد من جهته عبد الكريم عبيدات أن 12 بالمائة من الفتيات الجامعيات مدخنات، ناهيك أيضا عن الثانويات وهي الظاهرة الخطيرة التي تضاف إلى الظواهر الأخرى التي باتت تهدد الشباب الجزائري في السنوات الأخيرة، مضيفا أنه في هذا الإطار سطرت الجمعية برنامجا خاصا بشريحة الشباب من الجنسين الراغبين في الإقلاع عن هذه الآفة التي تهدد صحتهم. هذه البرنامج -يقول- سينطلق قريبا لمساعدة الشباب الذي يملك الإرادة في التوقف عن التدخين، والذي أطلق عليه ''السنة الجوارية في مكافحة الآفات الاجتماعية'' والذي تسعى من خلاله إلى تقديم العون والمساعدة للراغبين في الإقلاع عن هذه العادة السيئة، خاصة وأنها تتسبب في أمراض خطيرة تهلك الأرواح كما هو الحال بمرض السرطان الذي يودي بحياة 4000 شخص سنويا. مشيرا إلى أنه سيتم توفير الإمكانيات المادية والبشرية لإنجاح المشروع، علما أن التدخين يحتوي على مواد سامة تجهلها العديد من النساء، مضيفا أن التأثير والرفقة السيئة أكثر العوامل التي تدفع الفتيات إلى التدخين، وهو الأمر الذي ساهم في انتشاره الغزو الثقافي والرغبة في تقليد الغير، وقد أدى غياب الأولياء وعدم مراقبتهم لأبنائهم في تفشيها بشكل كبير، مؤكدا في ذات السياق إلى تدخين بعض الأمهات أمام أبنائهن أو إرسال الأب لأطفاله لاقتناء السيجارة، وهو أمر نتيجته إدمان الأبناء على التدخين لا محالة الأستاذ يوسف حنطابلي:''50 بالمائة من المدخنات مثليات جنسيا'' يرى أستاذ علم الاجتماع يوسف حنطابلي أن تدخين المرأة من السلوكات ''الأكثر صدمة'' في المجتمع الجزائري، والذي يعتبره من بين التصرفات الخطيرة التي تجتاح هذا الأخير والتي تتبناها فئة من السيدات بهدف اكتساح الفضاء العمومي الذي يتميز بكونه رجولي بالدرجة الأولى، والتي يضاف إليها قيادة السيارات الرباعية الدفع وكذا طريقة الكلام واللبس، مشيرا إلى أنها تحاول من خلال ذلك التعبير عن تواجدها في الأماكن الخاصة بالرجل. وأضاف محدثنا أن تدخين المرأة في الجزائر موجود منذ السبعينات، لكن ذلك كان يتم في أماكن مغلقة وسرا، مشيرا أن ذلك لا يقتصر على نساء من طبقة معينة بل حتى على بعض النساء الكبيرات في السن اللواتي تتعاطين ما يطلق عليه''الشمة'' وهي موجودة إلى يومنا هذا، وبالتالي فإن الظاهرة ليست بالحديثة، فيما تكمن خطورتها في القيام بذلك في الفضاءات العمومية، وخلال قيادة السيارة وغيرها. وأشار الأستاذ حنطابلي إلى أن 50 بالمائة من النساء المدخنات لديهن مثلية جنسية، معتبرا ذلك التصرف ومختلف السلوكات الأخرى، كمحاولة منهن لمزاحمة الرجل في خصوصياته، والتي كانت نتيجة لتخلي هذا الأخير عن القيم الرجولية التي تحولت بفعل ذلك من الذكورة إلى المرأة، مشيرا أنها ظاهرة خطيرة على المجتمع الجزائري خاصة على الأطفال الذين يتلقون قيم دينية وأخلاقية خلال تربيتهم ويلاحظون في الواقع سلوكات مخالفة لذلك. مضيفا أن هذا الأمر يجعلنا نطرح تساؤلات حول هويتنا ما إذا كنا مسلمين أم لا، وهي السلوكات التي تطرح إشكالية وتدفع النشء الجديد إلى طرح أسئلة وجودية، لتصبح مع مرور الوقت والتعود على مشاهدتها إلى أمور طبيعية. وأكد ذات المتحدث في هذا الإطار أن التغيرات الحاصلة في المجتمع هي من فرضت على المرأة تبني جملة من التصرفات تتعارض مع طبيعتها، كالتدخين واللبس وطريقة الكلام، والتي كانت بسبب تحملها لأعباء خاصة بالرجل سواء في المنزل أو خارجه كتربية الأبناء، وتلبية طلباتهم، وغيرها من المسؤوليات التي أوجدت ظاهرة خطيرة يطلق عليها'' ترجل المرأة''. النفسانية مريم معروف: تدخين المرأة تعبير عن الرغبة في التحرر حذرت أستاذة علم النفس مريم معروف من خطورة وأضرار التدخين الصحية بالنسبة للرجل أو المرأة على حد سواء، مشيرة إلى أن المجتمع ينظر إلى المرأة المدخنة نظرة سلبية بينما يبدو الأمر طبيعي فيما يخص الرجل، كون هذا التصرف غريب عن مجتمعنا ولا يمت بصلة لعاداتنا وتقاليدنا. وأكدت محدثتنا أن هذه الظاهرة كانت تقتصر في وقت مضى على فئة معينة من الفتيات واللواتي ينحدرن من عائلات غير محافظة ويتميزن بالتحرر من مختلف القيود التي يفرضها المجتمع على المرأة وذلك لعدة اعتبارات، لكن اليوم نلاحظ أن ذلك تغير حيث لم تعد هذه النظرية مطابقة لما يحدث على أرض الواقع، فظاهرة التدخين أصبحت تمس فتيات من مختلف الأوساط والفئات الاجتماعية، مضيفة أنه الأسباب النفسية لقيام هؤلاء الفتيات بذلك تتمثل في التعبير عن تحررهن وتشبههن بالنساء المتحضرات، من منطلق أنه بإمكانهن القيام بكل ما يردن، ورفضهن لمختلف العادات والتقاليد التي تقيد تصرفاتهن. مشيرة في ذات السياق إلى أن انتشار ظاهرة تدخين الفتيات في أماكن معينة، كالثانويات والجامعات التي تعتبر مكان تحرر ومنطلق كل فكرة جديدة وتقبل المتواجدين بها لتصرفات الآخر، بالإضافة إلى بعض الفضاءات التي تجدن فيها حريتهن كقاعات الشاي وصالونات الأكل التي تعتبر أماكن مغلقة، والتي تتحول مع مرور الوقت إلى أمكان خاصة بهذه الشريحة، مضيفة أن الفتيات المدخنات اليوم لا تكترثن لنظرة المجتمع السلبية لهن، بما أنه يردن القيام بذلك فلا شيء يمنعهن، محذرة من إمكانية أن تصبح الظاهرة أمر طبيعي مع مرور الوقت. وأضافت أستاذة علم النفس أن جميع المجتمعات معرضة للتغيير واستقبال متغيرات دخيلة يتلقاها الشباب، إلا أن ذلك لا يؤثر في بعض الأمور التي تبقى ثابتة وهذا مع استمرار وجود عائلات متمسكة بالعادات والتقاليد، كنظرة المجتمع الجزائري المحافظ للمرأة المدخنة التي لن تتغير.