يعتقد كاتب الدولة لدى الوزير الأول المكلف بالاستشراف والإحصاء الدكتور بشير مصيطفى أن الجزائر نجحت في تجاوز رياح وعواصف ما يسمى »الربيع العربي«، وذلك باعتمادها على مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، ونبه مصيطفى في هذا الحوار الذي خص به »صوت الأحرار« إلى ضرورة التحكم في المعطيات والاقتصادية والاجتماعية حتى لا تفاجأ الحكومة بهزات وصدمات غير متوقعة واعتبر أن ما يحدث من احتجاجات في الجنوب بسبب ملف البطالة يستدعي الاهتمام أكثر بالتنمية المحلية والجهوية. ربما إن قطاعا واسعا من الرأي العام يسأل عن دور الوزارة التي تشرفون عليها..؟ يمكن إيجاز دور الوزارة في خمس مهام أساسية وهي أولا أننا نبني ونقترح إستراتيجية النمو والتنمية الاجتماعية على المدى البعيد، ثانيا إعداد السياسة الإقليمية المناسبة للتماسك الاجتماعي، إلى جانب إعداد النظام الوطني للإحصاء، وبناء أدوات التوقع والتحليل لمتابعة التحولات المستقبلية كما أننا نقترح سياسة التماسك الاجتماعي ورفاهية المجتمع. يعرفك الرأي العام والإعلاميون على وجه التحديد بدفاعك عن أهمية التحكم في المعطيات والمعلومات والإحصائيات، والذي يحدث أحيانا أن مشاريع ضخمة تصرف فيها أموال طائلة ليتم التراجع عنها أو إلغاؤها، هل تتحمل وزارتكم مسؤولية مثل هذه الأخطاء إذا حدثت؟ لا نحن لا نتحمّل هذا النوع من الأخطاء لأننا لسنا وزارة تنفيذية ودورنا يقتصر على المهام المذكورة في السؤال السابق فنحن نقدم الاقتراحات ونقدّم الحلول التي نتوصل إليها انطلاقا من تحليلنا للواقع وللمعلومات الإحصائية بينما القطاعات الوزارية المعنية بهذه المقترحات هي التي تتولى عملية التنفيذ وبالتالي نحن لا نتحمّل ما ينجرّ عن التنفيذ من أخطاء، ويمكن تشبيه الدور الذي نقوم به وما نقدّمه لبقية القطاعات بوصفة الطبيب الذي لا يتحمّل بدوره نتيجة عدم التطبيق الجيد والالتزام بمضامين الوصفة، لكن وفي المقابل، وفي إطار التضامن الحكومي فمن البديهي أن تكون هناك مسؤولية مشتركة خاصة وأن مقترحاتنا يتم اعتمادها والموافقة عليها بعد تشاور في الاجتماعات الحكومية أو مجلس الوزراء. أغلب الجزائريين وخاصة النخب والساسة والصحافة ينظرون إلى الأرقام والإحصائيات الصادرة عن الهيئات والأجهزة الرسمية بكثير من الريبة والتحفظ، هل تعتقدون بقدرتكم على استعادة مصداقية هذه الأجهزة والهيئات؟ بكلّ تأكيد نحن قادرون على ذلك، لأن الإحصاء علم مثل بقية العلوم وإذا طبقت قواعد العلم بشكل جيد أكيد المنتج سيكون جيدا؛ أي أن المعلومة الإحصائية تتوقف صدقيتها على الطريقة التي تطبق بها قواعد النظام الإحصائي، ومن مهامنا الأساسية تطوير النظام الإحصائي لتوحيد المعلومة الإحصائية وتفادي تعدّد المصادر، وإذا نجحنا في توحيد مواصفات الحساب في نظام إحصائي وطني موحد مثلما هو معمول به في بقية الدول تكون النتيجة بالتأكيد معلومة إحصائية موحدة مهما تعدّدت القطاعات التي اشتغلت على هذه المعلومة وبهذه الطريقة نضفي المصداقية على مصادرنا الإحصائية فلا نجد مثلا اختلافا في نسبة البطالة التي تقدمها وزارة العمل مع ما تقدّمه أية هيئة أخرى لأن حساب هذه النسبة تمّ بنظام إحصائي موحد، فتوحيد النظام الإحصائي في الجزائر هو مشروع طموح ونتمنى استكماله قبل .2014 ترفعون شعار اليقظة الإستراتيجية ومحاولة بناء مخططات اقتصادية على المدى المتوسط والبعيد، ألا تعتقدون أن مثل هذه المشاريع لا تزال مجرد خطط نظرية بالنظر إلى تأثير القرار السياسي على القرارات الأخرى وفي مقدمتها القرارات الاقتصادية؟ نحن مهتمون برؤية بعيدة المدى للاقتصاد الوطني تقوم على ثلاثة أهداف أساسية: الاستقرار والتوازن في2019 والنشوء في 2030 والتطور في 2050 ولتحقيق هذه الرؤية بعيدة المدى نحتاج إلى طرق قوية في الإحصاء ونظام لليقظة والتوقع الرشيد وهذا علم في حدّ ذاته فالمستقبل عبارة عن معطيات نجهلها لكن منها ما يمكن توقعه من خلال معطيات ضعيفة البروز وأخرى قوية البروز ونحن نحتاج مثلا إلى اليقظة في المعطيات ضعيفة البروز على غرار سعر البترول مثلا سنة 2020 بينما عدد السكان هو معطى قوي البروز يمكن توقعه لكن مع ذلك تستجد أحيانا معطيات تقلب هذه التوقعات. لهذا نحن خصّصنا مديرية كاملة خاصة بالطرق وتتضمن نيابتين الأولى للتوقع والثانية للنمذجة فالعلاقات الاجتماعية والاقتصادية يمكن تحويلها إلى نماذج رياضية لدراستها، إلى جانب استحداث مديرية لليقظة الإستراتيجية تزود الوزارة بآليات جديدة ما تزال في مرحلة التطور كما أننا نساعد بقية الوزارات على إعداد أنظمة لليقظة فيصبح بإمكان المسؤول في مختلف القطاعات اقتصادية أو تربوية اكتشاف التحولات المتوسطة المدى وهذا ليس ضربا للغيب لكنه علم في حد ذاته على غرار تنبؤات الأرصاد الجوية، ونظام اليقظة الذي نريد إطلاقه في بلادنا يتطلب معطيات إحصائية ونظريات اقتصاديات تشترك فيه عدة مديريات فرعية وورشة اليقظة الاقتصادية . بعض القطاعات تشهد احتجاجات بشكل يكاد يكون مزمنا ما هو العلاج لهذه الأزمات في تقديركم؟ يمكن ذلك عن طريق تنظيم المعلومة الاقتصادية والتحكم في الأدوات العلمية بما يسمح في المستقبل من تجنب الصدمات وحالات الاحتقان في مختلف القطاعات فما هو موجود حاليا من ظواهر سلبية هو نتيجة لغياب المعلومة الإحصائية والرؤية الاستشرافية وبالإمكان تفادي هذه النتيجة بالعلاج طويل المدى . في الفترة الأخيرة شهدنا الكثير من اللغط حول ملف التشغيل في الجنوب، ما هي مقاربتكم لحلّ هذه الأزمة التي يعتقد البعض أنها قد تهدّد استقرار وتماسك الوحدة الوطنية؟ التخطيط الإقليمي هو صلب مهامنا لتقديم حلول وسياسات مواتية لكل منطقة خاصة وأن الجزائر بمساحة قارة كبيرة وهي تحتاج إلى رؤية وتخطيط إقليمي وولائي ومحلي ونحن نسعى لأدوات إحصائية محلية لتحديد المعطيات الخاصة بكل منطقة لأن لكل منطقة خصوصيتها على غرار البلديات الحدودية مثلا منطقة الجنوب، الهضاب العليا. من صلاحيتنا مساعدة الحكومة في التخطيط الإقليمي وهو ما نقوم به من خلال مديرية التخطيط الإقليمي والتي تتولى بمديرياتها الفرعية إعداد سياسات ملائمة للمناطق المختلفة لتفادي سوء توزيع الثروات بين المناطق والفوارق الاجتماعية. تعلمين أن الفقر في الجنوب أحد الأسباب الرئيسية للهجرة نحو الشمال وبالتالي نشهد ظهور العشوائيات والأحياء الفوضوية وهو الأمر الذي ينجم عنه تفشي الانحراف في المدينة التي تصبح بدورها حاملة للفقر على غرار بعض المدن الأوروبية التي ليس لها توازن جهوي وليس لها ثروات كفاية، فمدينة باريس وبفعل أزمة 2008 تحولت إلى مدينة للمتسولين، وعلى العكس من ذلك فالجزائر لديها الخيرات وتسعى لتوزيع الاستثمارات بين الشمال والهضاب والجنوب وهذا المسعى أو المجهود بحاجة إلى تعميقه برؤية استراتيجية والتجديد الريفي مثلا من أهم رهانات الحكومة ونحن نسعى إلى استكمال ما أنجز والبناء عليه ورؤيتنا بالأساس استشرافية للمستقبل بينما القطاعات الوزارية الأخرى على غرار الطاقة والفلاحة تتولى تنفيذ السياسات التي نزودها بها . عرفت بعض الدول العربية انتفاضات واحتجاجات، وجاء إلى السلطة أشخاص وأحزاب منتخبون ديمقراطيا، لكن الذي حدث هو أن الأوضاع ازدادت تأزما في هذه الدول، ما تعليقكم على ذلك وهل نجحت الجزائر في تجاوز ذلك السيناريو؟ الجزائر وضعها أفضل بكثير من حيث العدالة الاجتماعية وتكفل الدولة باحتياجات المواطنين وكذا عدالة الفرص الاقتصادية والاجتماعية وهو ما نعتبره أمرا إيجابيا، فكلما كانت الدولة متماسكة في علاقتها بالمواطنين تكون احتمالات الفوضى أقل. والوضع الاقتصادي للدولة في هذه الحالة مهم لأنه كلما اقتربت حياة المواطنين من الجودة في التعليم والصحة والمعيشة كما تراجعت الاحتجاجات والفوضى وهنا نؤكد على أهمية الاستشراف حتى لا تصطدم الحكومات بمستقبل غير متوقع واليقظة الاقتصادية تسمح بتصور التحولات الداخلية والإقليمية في السنوات المقبلة يمكن الدولة من التدخل في الوقت المناسب وتعليقا على ما حدث في دول الربيع العربي فإن ما يجري يعود إلى العامل الاقتصادي، أكيد أن قضية الحريات السياسية مطلوبة لكن ما يفجر الفوضى في المرتبة الأولى هو العامل الاقتصادي فالشرارة الأولى للاحتجاجات والفوضى والثورات هي البطالة والفقر بينما القمع يأخذ وقتا ليفجر الفوضى . بصفتكم محلّل اقتصاديا في الأساس وعضوا في الحكومة، كيف تنظرون لقضية »سوناطراك 2« ومحاولة استغلالها سياسيا وما هي الطريقة المثلى في نظركم لإدارة هذا الملف؟ طرح علي هذا السؤال قبل يومين وسأكرّر الإجابة نفسها وهو أن هذه القضية ليست لها علاقة بعملي أو بصلاحياتي فبعض القضايا هناك هيئات مخولة قانونا للحديث عنها والإجابة على ما يتعلّق بها من أسئلة . ما هي خططكم وطموحاتكم المستقبلية؟ خططنا أن ننجز في السنتين المقبلين ورقة العمل التي تحدد صلاحيات الوزارة وأن نصل إلى نظام وطني للإحصاء واستكمال مشروع اليقظة الإستراتيجية للجزائر وبناء نموذج نمو ملائم لبلادنا، إستراتيجيتنا بعيدة المدى انجاز رؤية الجزائر 2030 و2050 النمو والتطور. كما نسعى إلى وضع قواعد للتخطيط الجهوي المتين ولا مركزية التخطيط والقرار هي من الآليات التي نعمل لإرسائها. وأقول هنا إننا نملك كل أدوات وإمكانيات النجاح سواء في الجانب القانوني أو الصلاحيات وإدارة القطاع ونحن بحاجة إلى الإعلام لمرافقتنا في عملنا لإبراز هذه الجهود للرأي العام الذي يحتاج بدوره إلى جرعة أمل للمستقبل تساعده على الآن ليربح المستقبل فليس مستحيلا أن نصنع معجزة صنعتها دول تشبهنا وبإمكانيات أقل بكثير من إمكانياتنا.