إذ نعتبر مبادرة الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف الأسري التي تبنتها الوزارة المنتدبة المكلفة بالأسرة وقضايا المرأة أواخر عام 2007 مكسبا هاما، شأنها شأن إطلاق العديد من الجهات المهتمة لخطوط ساخنة وخضراء للعنف الأسري لمساعدة ضحايا العنف الجسدي للتعبير عن واقعهم والإبلاغ عن القسوة و»الحقرة« إلى جانب الاتصال مباشرة بمراكز الاتصال التي تحوي أخصائيين نفسيين وأخصائيين في علم الاجتماع وخبراء قانونيين وأطباء قصد الاستشارة والمساعدة والحصول على معلومات..إلى جانب الحملات التحسيسية التي تقودها العديد من المصالح والوزارات الوصية..فإنها تكشف من جهة أخرى بأن مثل هذه الآفة في تزايد مستمر في مجتمعنا وأن موجة العنف الأسري مستمرة، رغم صرامة الإجراءات التشريعية، خاصة عندما يكشف الأخصائيون ورجال الأمن بأن الأرقام المعلن عنها لا تكشف حقيقة الوضع، على اعتبار أن العديد من الحالات غير مبلغ عنها،لأن بعضها يدخل ضمن »الطابوهات« بينما تبقى أخرى في طي الكتمان ولا يصرح بها لاعتبارات عديدة خاصة إذا ما تعلق الأمر بالمساس بسمعة العائلة. لسنا بمنأى عن الخطر عندما تطالعنا التقارير الصادرة بالجزائر بأن 36 زوجة لقيت حتفها على يد زوجها خلال سنة لوحدها، وأن حوالي 54 من الجزائريات يتعرضن لمختلف أنواع العنف، وأن أكثر من 25 من أعمال العنف التي تتعرض لها الجزائريات لفظية، و 22 معنوية و6 جسدية، وأن امرأتان من 10 نساء جزائريات يُعانين من العنف الأسري، 20 % من المطلّقات والأرامل يتعرّضن للإهانة و5 للعنف المادي، أو عندما تنقلب الآية وتخلص دراسة أعدها البروفيسور رشيد بلحاج، خبير لدى المحاكم، تؤكد تسجيل 54 حالة عنف ضد الرجال على يد زوجاتهم في السنوات الأخيرة بمصلحة الطب الشرعي لمستشفى مصطفى باشا لوحدها، أدت بعضها إلى إزهاق أرواحهم، وأن ذات المصالح تستقبل يوميا 5 حالات ضرب وجرح متبادل بين الأزواج. أرقام لحالات تؤكد المحامية فاطمة الزهراء بن براهم بأنها سوداء وتتعلق بجزء من الواقع، تستخدم فيه الزوجة أسلحة بيضاء، تلكم وتمتد يداها إلى آلات حادة وقاتلة. مجتمعنا ليس بخير عندما تصرّح عميدة الشرطة ومديرة المكتب الوطني لحماية الطفولة خيرة مسعودان بأنه » لا يمرّ يوم دون تسجيل اعتداء على طفل سواء بهتك عرضه أو بفعل مخلّ بالحياء«، وعن تسجيل 11 حالة اختطاف أطفال متبوع بالاعتداء الجنسي والتصفية الجسدية، منذ سنة 2003 إلى اليوم، وعن تمكّن الجهاز من إعادة 286 طفلا إلى ذويهم، بعد أن تمّ تحويلهم خلال 11 شهرا من سنة ,2012 وأن 191 طفلا هربوا من المنزل، من بينهم 65 فتاة، وتطالعنا مصالح الدرك أنّ 2572 امرأة تورّطت، في جرائم مختلفة خلال سنة ,2012 وذلك على المستوى الوطني، وأن 6029 امرأة كانت ضحية لمختلف أشكال الجريمة خلال العام الفارط، وأنّ 2778 حدث من بين 77050 موقوف السنة الفارطة، أغلبهم تورّطوا في قضايا السرقة بنسبة 88,,29 متبوع بقضايا الضرب والجرح العمدي ب 66,,24 مقابل 2444 قاصر من بين 38989 ضحية، ليصل العنف الذي يطال البراءة حدّ إزهاق أرواحها ووضع حدّ لحياتها باستخدام مختلف الوسائل والأسلحة، أرجعتها عميد الشرطة إلى تدهور القيم الأخلاقية في مجتمعنا الجزائري ولامبالاة بعض العائلات واستقالة بعض الأولياء، ناهيك عن أثر الشجارات الزوجية على نفسية الأبناء بالدرجة الأولى و ما ينجم عنها.. ألم يحن الوقت بعد كل هذه الحقائق لتبني استراتيجية عاجلة يشرك فيها جميع الفاعلين في مجال حماية الأسرة لدراسة معمقة لتفشي ظاهرة العنف في مجتمعنا قبل أن تستشري بشكل لا يمكننا بعدها سوى التباكي والتراشق بالتهم والبحث عمن يتحمل المسؤولية قبل الأخر.