تشهد الحدود الشرقية للبلاد وبخاصة بولاية الطارف هذه الأيام نشاطا مكثفا لعصابات تهريب المازوت على المكشوف وذلك بتواطؤ من بعض أصحاب محطات البنزين، أكبر المستفيدين منها مهربون تونسيون الذين استغلوا الوضع الأمني المتدهور ببلادهم ودول الجوار لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية مهددين بذلك مخزون واقتصاد الجزائر. وقفت »صوت الأحرار« على شكاوى عديدة بعثها مواطنون من ظاهرة تهريب الوقود التي أصبح يمارسها معظم أصحاب محطات البنزين مع عصابات التهريب خاصة الأجانب من أجل الربح السريع والمتمثلة في تهريب الوقود بمختلف أنواعه وبكميات كبيرة إلى الضفة الأخرى حيث أصبحوا شركائهم الأساسيين والممولين لهم بتلك المادة الحيوية. سيارات ''الهيليكس'' المتهم رقم 1 ● ويتجلى ذلك من خلال الطوابير الكبيرة واللامتناهية لسيارات »الهيليكس« المتهم رقم واحد بالتهريب، بالإضافة إلى السيارات العادية وسيارات بترقيم تونسي بطول 60 سيارة إلى 100 سيارة عبر محطات البنزين المتواجدة ببلديات الولاية على رأسها عاصمة الولاية، بلدية عين العسل الحدودية، القالة وبوتلجة، حيث تقتني الكمية اللازمة في براميل مخصصة لذلك بسعة 5 إلى 20 لتر وتنطلق إلى وجهتها نحو الحدود التونسية لتفريغ الحمولة ثم الرجوع أدراجها لمعاودة العملية. » وتستمر طوال اليوم إن استدعى الأمر ذلك وتجعلك تقضي ساعات وساعات وأحيانا يوما وليلة ليصل دورك علك تظفر بلتر أولترين لن توصلك إلى حيث تريد وإن حصلت عليها فإنك حتما من المحظوظين أومن المرتشين أو أنك زبون خاص جدا«. كل تلك الشكاوي الصادرة عن المواطنين والزبائن بوجه خاص سبق وأن تعرضت إليها »صوت الأحرار« في أعداد سابقة، لكن مع تجدد الشكاوي، زرنا بعض المحطات ووقفنا أكثر من مرة على طوابير طويلة لعدد كبير من السيارات والزبائن الذين يتشاجروا بين الحين والآخر على الدور، محدثين فوضى على مستوى الطرق وعرقلة السير العادي للمركبات والحافلات، الأمر الذي يستدعي توقف أصحاب وسائل النقل لفض النزاع وتنظيم المرور. اصحاب الحافلات بدورهم يكونون أحيانا طرفا في الشجار، بالإضافة إلى تواجد ملفت لسيارات بترقيم تونسي تزاحم مواطني الطارف وزوارها، كل هذه العوامل مجتمعة زادت من فضولنا للتقرب أكثر وأكثر من أصحاب المحطات واكتشاف ولو سر من أسرارها التي صدمتنا حقا وجعلتنا نفكر في نقلها كما هي، بروح دعابة وجرأة المهربين الجدد أنفسهم، الذين أصبحت تهمتهم واضحة للعيان وعنوانهم ومهنتهم معلومة لدى العام والخاص، وذلك تحت اسم »محطة بنزين جزائر-تونسية بدرجة مهرب« حيث لا يستحون مما يفعلوه بثروات الولاية، ولتنفيذ مهمتنا على أحسن وجه استدعى منا الأمر تقمص دور زبونة عادية، خاصة وأننا علمنا أن لدى أصحاب المحطات زبائن خصوصيين جدا سواء كانوا نساء أو رجالا صفتهم الوحيدة أخذ الحيطة والحذر. تواطؤ مفضوح والتونسيون يزاحمون الجزائريين ● في البداية حددنا مواقع المحطات ووجهتنا بالتدقيق مع تحديد يومين لتنفيذ مهمتنا ووقت زمني معين لساعات معينة ليست بالضرورة ساعات الذروة لأن أوقات ومواعيد التهريب تتفاوت من محطة إلى أخرى ومن عصابة إلى أخرى، المهم أننا اخترنا 3 مواقع تعتبر ساخنة جدا في مواعيد وكمية وعدد المهربين، حسب معلومات تحصلنا عليها خلال بحثنا وتتبعنا للموضوع مدة أسبوع كامل. في البداية استعنا بإحدى قريباتنا وسيارتها لمرافقتنا في المهمة وتعمدنا أن تكون أولى أيامنا بسيارة عادية. وفي الصباح الباكر اخترنا في اليوم الأول محطتين كنا متأكدتين أننا سنظفر بكمية من البنزين وسنلقى الاحترام بحكم أننا نساء، وصلنا محطة بوثلجة في حدود ال8 والنصف صباحا، حيث وجدنا طوابير طويلة تصل إلى 60 سيارة ينتظر أصحابها دورهم. ووقفنا عندها مع شجارات لا تكاد تنتهي بسبب الدور والمحسوبية المفضوحة في الظفر بالكمية المحددة تحدثنا مع بعض الرجال للتقدم في الدور بحكم أننا كنا رقم 57 بعد خروج ثلاث سيارات وتحججنا بزيارة مريض لنا في بلدية بوحجار الحدودية والبعيدة جدا عن بلدية بوتلجة وكثرة انحرافاتها لكن ذلك لم يشفع لنا، حيث أكدوا أن بعضهم مسافر إلى ولايات بعيدة، حيث اصطفوا في الطابور منذ الساعات الأولى من الفجر عندها تأكدنا أن لا أحد سيرأف بنا فأخذنا نتبادل أطراف الحديث، حتى تبادر إلى أذهاننا الحديث مع أحد أعوان المحطة عله يساعدنا على الأقل في التقدم من ذلك الطابور المرهق لكنه سألنا إن كنا مستعدات لشراء كمية كبيرة من المازوت وبيعها للتوانسة أم لا، حيث أكد جاهزيته على أن نتقاسم الغنيمة فيما بيننا لاحقا. استغربنا لسؤاله في البداية لكن هذا الموقف أكد لنا بما لا يدعو مجالا للشك تواطؤ أصحاب المحطات مع المهربين بشكل أو بآخر، حيث اخبرنا بسرعة محدثنا بأننا لا نستطيع تخريب اقتصاد بلادنا ولا نريد التورط في مثل هذه الجريمة، والأكثر من ذلك أنها ليست من شيمنا، بالإضافة إلى أن أخلاقنا لا تسمح بذلك ، فقهقه قهقهة كبيرة استدار لها معظم الزبائن في الطابور وأجابنا متهكما: »الكل هنا يبيع ويشتري في اقتصاد الولاية إلا انتم يا لكم من أغبياء جاءت الفرصة إلى حد أيديكم فلا تترددوا«، مضيفا »خاصة وأنكن محجبات ولا أحد يشك فيكن» مستطردا أن كل أصحاب المحطات يوكلونا المهمة إلى أعوانهم وأحيانا يتولون المهمة بأنفسهم ويمارسون هذه المهنة منذ سنوات. حديثه استفزنا ودفعنا للدخول والتوغل لمعرفة أكثر عن هذا العالم الذي أصبح مكشوفا وعلى الملأ وأمام مرأى ومسمع الجميع. وقد مر على وقتنا أزيد من ساعة من الزمن وتعمدنا البقاء لوقت طويل خاصة وأننا بين الحين والآخر نلمح دخول مباشر لسيارات عادية وأخرى بترقيم تونسي تبين فيما بعد أنهم زبائن خصوصيين لهم علاقة مباشرة مع المهربين داخل وخارج الولاية. حاولنا استدراج محدثنا فأخبرناه بأننا سنراجع أنفسنا وندخل معهم كشركاء وطلبنا منه أن يخبرنا عن كيفية سير العملية التي لم تعد بعد الآن سرية )فهي اليوم جهارا نهارا(، فكان رده ذكيا واخبرنا قائلا : »اسألوا زبائننا خاصة من هم في الدور الأول وكانوا مواطنين بسيارات تحمل ترقيم ولاية عنابة ، الطارف وقالمة وتونس .....«، وكان ردنا بتصرف أغضبه من خلال محاولة الحديث مع زبائنه التونسيون وليس الجزائريون وكاد يدخل معنا في شجار لولا تدخل البعض الذي انتهى بمغادرتنا المكان وترك المهربين من أبناء الولاية والأجانب من التونسيون يفعلون فعلتهم بمازوت الطارف الذي يعتبر بالنسبة إليهم من أجود الأنواع. غيرنا وجهتنا نحو بلديتا بوحجار والقالة وكانت قريبتي في كل مرة تحاول ثني عن مواصلة مهمتي من خلال إقناعي أن الكل متواطؤ، ولا داعي الدخول في متاهات قد تدفع بهم إلى ما لا يحمد عقباه، لكن أقنعتها بمواصلة المهمة حتى ولو دفعنا الأمر إلى المغامرة كمهربة لكشف أمرهم أكثر ، فما كان عليها إلا أن رضخت للأمر حتى آخر اليوم فقط . فضلنا أن نلج المحطة في الساعة الثالثة مساء، وكالعادة طوابير لا تنتهي من السيارات بمختلف الأحجام والماركات، اصطففنا في الطابور ونزلنا من السيارة لاستطلاع آراء الزبائن حول هذه الظاهرة التي أصبحت تطبع ولاية الطارف طيلة شهور تتوقف اضطراريا وتعود لسابق عهدها حسب بعض سكان الولاية وبنشاط أكثر من ذي قبل، فأجابنا أحد الزبائن انظروا بأم أعينكم التونسيون يزاحموننا في الظفر بكمية ننتظر فيها 3 ساعات على الأقل لنحصل على مبتغانا وبشكل محدود لكي يوفروا بقية الكمية للعصابات والمهربين الذين أحيانا يستأجرون أشخاصا ينبون عنهم يضيف محدثنا في انجاز المهمة المشينة التي جعلت معظم المحطات تجف وتعطلت بسببهم مصالحنا ناهيك عن تورط بعض مواطني الولاية أنفسهم في تهريب المازوت من أجل المال. الموقف الأول الذي وقع لنا في أول محطة بنزين جعلنا نحبك خطة للإيقاع بصاحب محطة بنزين وكان لنا ذلك حيث اخبرنا أن بعض التونسيون يدخلون التراب الوطني بطرق قانونية لكنهم يقومون بمخالفات تهريب المازوت من خلال مصالح تجمعهم بأصحاب المحطات خاصة وان المازوت التونسي أسعاره غالية جدا ولا يفي بالغرض كما انه مغشوش أحيانا وغير عملي وعن نشاطه معهم أخبرنا بأنه »يتوخى الحذر ولا يثق في أي احد سواء من أهل الطارف أو زوارهم أو التوانسة أنفسهم لان حسبه العصابات أصبحت تعتمد أسلوب الوشاية للانتقام من بعضها البعض في حال عدم التفاهم على الغنيمة تماما كما يفعل بارونات تهريب المرجان والمخدرات«. كشفنا له عن هويتنا الحقيقية في خضم الحديث معه ففرح كثيرا واقترح علينا النشاط معه بكل وقاحة حيث أكد لنا انه لا يهم من نكون إطارات أو ذات مستوى تعليمي محدود بقدر ما يهم ضمان العملية بحذر شديد مع تركيزه على الجمع بين صفتي التبلعيط والكذب لتمويه مصالح الأمن فحسبه توجد نساء وفتيات إلى جانب الرجال والشباب متواطئون معهم ومع التونسيون في المهمة القذرة من خلال إعلامهم بالتحركات الأمنية أن استدعى الأمر عن طريق الهواتف النقالة مقابل مبالغ مالية قد تكون مغرية وبصراحة فالجميع متورط في تدمير الاقتصاد يختم محدثنا كلامه الذي أصر على العمل معه أو مع غيره مقابل فوائد طبعا. مازوت الجزائر يباع بأضعاف مضاعفة في تونس ● خلال هذه المرة استأجرنا سيارة أخرى تعمدنا أن تكون سيارة »هيليكس« المتهمة رقم واحد بالتهريب واخترنا بلدية حدودية بالقالة التي تكثر فيها حركية المهربين بحكم قرب مكان التجميع من الحدود التي تتكفل بها مجموعة أخرى تقوم بتهريب الكمية إلى الضفة الأخرى ليلا أو عند خيوط الفجر الأولى حسب أحد العارفين بخبايا عصابات التهريب، المحطة التي ولجناها حصلنا على مبتغانا وهو الحديث مع التوانسة ومعرفة آرائهم وردة فعلهم بما يقومون به على حدود تراب غير وطنهم. في البداية أخذنا دورنا في طابور هو الآخر طويل وكانت الساعة العاشرة صباحا أحد أعوان المحطة تفاجأ لسياقتنا سيارة »هيليكس« وكان أجرأ عندما سألني »هل أنني مهربة جديدة ؟«. لم اعره اهتماما وأخبرته أني انتظر دوري وقد تعطلت سيارتي وعوضتها بهذه وأنني بصدد القيام بمهمة وفقط. فساعدنا من خلال التقرب من بعض الأشقاء التوانسة فكانت آرائهم تصب في قالب واحد وهو ميزة المازوت الجزائري وجودته الكبيرة وفعاليته وكثرة الطلب عليه من طرف التونسيين أنفسهم الذين وجدوا فيه ضالتهم خاصة من اختصوا في تهريبه بالتواطؤ مع جزائريين، حيث أخبرنا أحدهم أنه ثروة بالنسبة إلينا نستفيد منها كثيرا. وقد أصبحت يضيف التونسي الذي رمز لاسمه ب »المنجي« مصدر رزق لعدد معتبر من التونسيين الذين تغيرت أوضاعهم الأمنية بشكل ملفت. ولجودة المازوت الجزائري الذي أصبح مطلوب بكثرة في الضفة الأخرى فإن العصابات وحتى الناس العاديين من التوانسة حسب من تحدثنا إليهم يقومون بشراء المازوت الجزائري بكميات معتبرة من الجزائريين وخاصة أهل الطارف وكل المناطق الحدودية كتبسة وسوق أهراس والوادي بأسعار متدنية وتباع في الضفة الأخرى بعد تهريبها بأضعاف مضاعفة قد تصل ال 4000 دج للتر الواحد وأكثر إن كانت للحافلات أي أنها تباع ب 5 أضعاف مما يبيعه الجزائريون. وما أكد لنا ذلك هو التوافد الكبير للتونسيون على محطات البنزين وأسواق ولاية الطارف يترجمه العدد الكبير من السيارات بمختلف أحجامها وماركاتها بترقيم تونسي تسير في طرقات الولاية ليلا ونهارا. مصالح الأمن تترصد شبكات التهريب ● وفي خضم تنامي هذه الظاهرة عززت مصالح الأمن تواجدها بالمناطق الحدودية، حيث تم القبض على العديد من المهربين وحجز مئات آلاف اللترات سنويا من مادة المازوت من طرف قوات الجيش والأمن وحراس السواحل المجندة ليلا ونهارا لحماية حدودنا ومحاربة الظاهرة التي كما معروف قد عششت بشكل مرعب في الحدود الشرقية حيث تم مؤخرا حجز حوالي 10 آلاف لتر من المازوت على الحدود تورط فيها عديد الأشخاص متعودون على تهريب المادة عبر الشريط الحدودي خاصة عبر منطقة بوقوس وبوحجار أكثر المناطق نشاطا وسخونة في تهريب المازوت. وقد خلصنا في نهاية هذه المغامرة إلى أنه توجد بارونات مختفية تفضل »مسح الموس« في أشخاص آخرين يضحون بهم لاستكمال مهمتهم على أحسن وجه، بعبارة أخرى يعملون في الظلام ويعطون الأوامر فقط من بعيد يغيرون من أساليبهم المعتمدة وينجحوا في الإفلات من قبضة الأمن. وعلمنا أيضا أن كل العصابات التي تنشط عبر الحدود الشرقية وبولاية الطارف خاصة على علاقة ببعضهم البعض لأن لهم مصلحة واحدة، حيث ينسقون فيما بينهم، كما خلصنا إلى أنه ليس كل أصحاب محطات البنزين متواطئين مع المهربين لأن هناك من لهم سمعة طيبة بين الناس والزبائن وإن كانوا يشكلون فئة قليلة.