تواجه وزارتا الصحة والتربية الوطنية، ومن ورائهما الوزارة الأولى غضبا عُماليا كبيرا، يتواصل التعبير عنه باحتجاجات وإضرابات، مسّت القطاعين في العمق، وأثّرت ومازالت تؤثر سلبا وبقوة على السير الطبيعي والعادي للخدمات الصحية عبر مختلف الهياكل، ومعاناة المرضى تتفاقم وتتعقد يوما بعد آخر، في غياب أي تقدير حقيقي وفعلي لقساوة هذه المعاناة، وفي الطرف المقابل تتواصل معاناة تلاميذ الجنوب وأهاليهم، ومعهم كافة سكان حوالي 13 ولاية، الذين يعانون الأمرّين بسبب الإضراب المتواصل منذ ستة أسابيع لعمال الوظيفة العمومية في قطاعات الإدارة والتربية والصحة والتعليم العالي، ورغم هذا الشلل العام المتواصل، الذي مضى عليه حتى الآن وقت طويل، إلا أن النقابات مازالت في واد، والسلطات العمومية في واد آخر. تشنّ اليوم إضرابا وطنيا من ثلاثة أيام قابلة للتجديد أربعُ نقابات وطنية في قطاع الصحة العمومية، يُشارك فيه كافة عمال وموظفي القطاع، عدا أساتذة العلوم الطبية ومساعديهم، وسيُرفق في يومه الأخير بتجمع وطني أمام مقر وزارة الصحة في المدنية، وقد قررت اتحادية الصحة التابعة لنقابة»سناباب« من جهتها الدخول في الإضراب، وبنفس عدد الأيام، في الوقت الذي يتواصل فيه الإضراب الوطني المفتوح للممرضين وباقي عمال الشبه طبي والأسلاك المشتركة لأسبوعه الرابع على التوالي، وكل هذا يتزامن مع تواصل إضراب عمال التربية بولايات الجنوب للأسبوع السادس على التوالي، والإضراب الوطني العام الذي دعت إليه نقابة اتحاد عمال التربية والتكوين اليوم وغدا من باب التضامن مع عمال التربية الوطنية، وزملائهم في قطاعات الوظيفة العمومية، الذي هم في حالة إضراب مفتوح. وحتى التنسيقية الوطنية للأسلاك المشتركة والمهنيين، المنضوية تحت لواء نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين وفق ما جاءت به وكالة الأنباء الجزائرية، هي الأخرى أعلنت عن دخولها في إضراب وطني مُستقل لمدة أربعة أيام من كل أسبوع ابتداء من نهار أمس الأحد، وتنظيم وقفة احتجاجية يوم غد الاثنين، مع الملاحظ أن عمال وموظفي الأسلاك المشتركة والمهنيين وأعوان الأمن والوقاية هم منذ مدة طويلة مُقسّمون نقابيا على وجه التحديد بين التنسيقية الوطنية المنضوية تحت لواء نقابة الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، والنقابة الوطنية للأسلاك المشتركة التي يرأسها سيد علي بحاري، ومشهود له ولزملائه في اتحاد عمال التربية والتكوين بالنضالات النقابية والعمالية التي قاموا بالتأطير لها، والدفع بمطالبها المهنية الاجتماعية نحو الوصايات والسلطات العمومية الأخرى المتعددة، وطالما أن نقابة سيدي السعيد قد تقدمت خطوة إلى الأمام نحو هذا الإضراب المُعلن عنه من قبلها، عقب أسابيع من الإضرابات والاحتجاجات المتواصلة من أطراف نقابية أخرى، فإنه من المرجّح بقوة وفق ما هو معتاد، ووفق ما كان يحصل في كل المرات السابقة أن تكون الوزارات المعنية والوزارة الأولى قد رتبت مدخلا محددا لمفاوضات، يُنتظر أن تشرع فيها خلال الأيام القليلة القادمة، وقد تكون قريبة، وستمنح بكل تأكيد »شرف انتزاع المكاسب المنتظر الإعلان عنها حكوميا إلى نقابة سيدي السعيد، التي عودتنا على البروز في نهاية كل مطاف لقطف ثمار ما تجود به السلطات العمومية«. وما جاء في بيان هذه الأخيرة، أنها رفضت توسيع منحة العدوى دون تعميمها على كافة عمال الصحة، وضمت صوتها إلى أصوات النقابات الأخرى المطالبة برفع قيمة هذه المنحة إلى 8000 دينار و 10000 دينار. وما يُمكن تسجيله هنا أن تنسيقية الأسلاك المشتركة التابعة لاتحادية سيدي السعيد، قد تجاهلت جملة من المطالب الأخرى الأكثر أهمية عند هذه الشرائح العمالية، وفي مقدمتها مراجعة القوانين الأساسية، وأنظمة المنح والتعويض، والإدماج الدائم في مناصب العمل، وغيرها من المطالب، وهذا تحديدا هو حال الأطباء العامين والأخصائيين والصيادلة وجراحي الأسنان والأخصائيين النفسانيين والممرضين وباقي الشرائح العمالية الأخرى بالقطاع.وفي الوقت الذي سيتواصل فيه ابتداء من اليوم الشلل شبه التامّ للمستشفيات والعيادات والمراكز الصحية وقاعات العلاج، فإن هياكل ومؤسسات التربية الوطنية في الابتدائي والمتوسط والثانوي ليست أكثر حظا من هذه الأخيرة بالقطاع الصحي، بل هي الأخرى ستعيش شللا على مستواها، بفعل الإضراب الوطني التضامني الشامل، الذي دعت إليه نقابة الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، والذي سيشمل حتى مديري ونُظار الثانويات، الذين هم في حالة غضب قصوى، واحتجاجات متواصلة، ويهددون بتعميم مقاطعة امتحانات شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط ، التي هي على الأبواب. وغير مُستبعد أن تنضمّ نقابة»كناباست« للإضرابات الجارية من أجل الدفاع عن المطالب، ورفع الظلم المسلط على بعض النقابيين، وفي مقدمتهم نقابيي ولاية البويرة المفصولين من عملهم بقرارات تعسفية، وغير قانونية، ويُتوقع أن يتقرر ذلك في دورة المجلس الوطني التي ستنعقد يوم السبت القادم في العاصمة.