¯ قبل بضع سنوات، اغتيلت ز بنظير بهوتوس في قلب العاصمة الباكستانية وهي في طريقها لخوض حملة انتخابية، وتناثر جسدها بفعل القنبلة الجهنمية التي وضعت تحت سيارتها، وبذلك ازدادت الطريق اتساعا أمام جميع الإنقلابيين الذين ما كانوا يرون الخير لبلدهم. وكانت بنظير بهوتو جميلة جسدا وروحا وعقلا، فهي باسكتانية أصيلة، ثم هي خريجة جامعة هارفارد الأمريكية مثل والدها علي بهوتو، ذلك الذي انقلب عليه الجنرال''ضياء الحق '' ''عفوا، بل هو ظلام الحق'' ، ولقي هذا الجنرال حتفه بدوره حين تم تفجير الطائرة العمودية التي كانت تقله. ولعل بنظير بهوتو أن تكون آخر النساء اللواتي حكمن بعض بلدان القارة الأسيوية واللواتي كانت من بينهن زباندرانايكهس في جزيرة ''سيلان '' و''أكينو'' في الفيليبين و إنذيرا غاندي في الهند. ومنذ بضع سنوات لم تبرز امرأة من طراز هاتيك النسوة لكي تدلي بدلوها في بحر السياسة عبر كامل القارة الأسيوية. قال المحللون السياسيون وعلماء التاريخ والاجتماع إن آسيا ليست على استعداد لكي تفسح المجال دون هذه المرأة أو تلك لكي تضع قدميها في دنيا السياسة، وكل امرأة تجرأت وتمردت على مجتمعها لقيت، إما مصرعها بصورة عنيفة، أو اضطرت للهرب صوب العالم الغربي لكي تموت هناك وسط زحمة الإعلام الزائف في معظم الأحيان. أجل، فبمجرد أن تضع هذه المرأة أو تلك قدميها في عاصمة من عواصم الغرب يجري تسليط الأضواء عليها لبضعة أيام ثم تغيب الغياب كله في زحمة الحياة الغربية. وقد تابعنا ما فعله الرئيس السابق فرانسوا ميتيران حين استقبل تلك الأديبة الباكستانية المتمردة في مطالع التسعينات من القرن الماضي ثم كان أن طواها النسيان بعد أن اتخذت مطية لتوجيه مختلف الاتهامات للإسلام والمسلمين والمجتمعات العربية والأسيوية والافريقية في آن واحد. بنظير بهوتو عادت إلى بلدها بالرغم من أن خطر القتل كان يتهددها في كل زقاق من أزقة بلادها الشاسعة الأطراف. ولقيت مصرعها في عملية جهنمية لا يدري أحد من دبرها على وجه التحديد. أهي المخابرات الباكستانية؟ أهم الرجعيون؟ أم هي المخابرات الغربية برمتها، تلك التي ما كانت تنظر إلى بهوتو نظرة إيجابية؟ وكان المرحوم والدها '''علي بهوتو'' قد خاض غمار السياسة قبلها، لكنه لم يستطع أن يشق طريقه وسط الضباب الذي يلف عالم السياسة في بلاده. كان حاصلا على الشهادات العليا من جامعة هارفارد، لكنه كان يقض مضاجع النائمين والمتخاذلين والذين يسيرون في ركاب هذه القوة الغربية أو تلك. ذات ليلة من أواسط السبعينات من القرن المنصرم، حل علي بهوتو بمطار الجزائر على الساعة الثالثة صباحا، فبادر الرئيس الراحل هواري يبومدين إلى استقباله. وجرى الحديث أيامذاك في بعض عواصم العالم الغربي بأن علي بهوتو إنما جاء إلى الجزائر من أجل بلوغ غاية واحدة، ألا وهي القنبلة النووية الاسلامية. وسواء أصحت هذه الأقاويل أم لا، فإنه ما إن عاد إلى بلاده حتى وقع بين أشداق الجنرال ضياء الحق الذي سارع بالإنقلاب عليه ومحاكمته وتنفيذ حكم الإعدام في حقه شنقا خلال بضعة أيام. قيل يومها إن هناك مشروعا اسلاميا من أجل صنع قنبلة نووية اسلامية من شأنها أن تغير الخريطة السياسية العالمية. العقل باكستاني، والتمويل عراقي، والتجربة جزائرية. وقد تابعنا ما حدث بعد ذلك، وكيف لقي زعماء هذه البلدان حتوفهم في ظرف سنوات معدودات. بنظير بهوتو كانت من طراز والدها، ولذلك تم القضاء عليها بأيدي بعض العساكر التابعين للمخابرات الأمريكية وبعض أشباه السياسيين الذين يدعون التقدمية. وليس هناك من شك في أننا قد نقضي سنوات طويلة قبل أن نرى بروز امرأة في القارة الأسيوية تخلخل بنية السياسة والاستراتيجية معا. وفي هذه الأثناء أيضا نقضي أوقاتنا ونحن نعزي أنفسنا ونندب حظوظنا على إثر استشهاد تلك المرأة الجميلة التي يقال لها بنظير بهوتو.