عنابة مدينة الجمال والسياحة والمتربعة على شريط ساحلي بحري يفوق ال 80 كم قبلة المصطافين وزوار الشواطئ، وهي التي تستقبل الملايين منهم للتمتع بشواطئها وسهولها وغاباتها واستنشاق هواء نقي وأخذ صور تذكارية، ولاية لها من المقومات السياحية ما تجعلها تنافس على الريادة في هذا المجال، رغم ذلك - وللأسف - هي بالأمس واليوم تعاني من جهة الإيواء عجزا بقرابة ال 5 آلاف سرير و تدني في مستوى الخدمات المقدمة مع تشبع كلي لفنادقها ومنتجعاتها التي اختنقت عن آخرها، جعلت من المصطافين والزوار يبيتون مجبرين على الشواطئ وفي الغابات. تقع عنابة على الشريط الساحلي في أقصى شمال شرق الجزائر تطل على البحر الأبيض المتوسط، تتربع على مساحة مقدرة ب 1421 كم?، بها 12 بلدية و6 دوائر تتوفر هذه المدينة على إمكانات سياحية هائلة مما يجعلها قطبا جهويا ووطنيا ودوليا لامتيازها بمساحة ساحلية واسعة وتمتلك أيضا كل أنواع التنقل من السيارة ، الحافلة إلى القطار والطائرة ومؤخرا أعيد تشغيل المصاعد الهوائية التي تطل من خلالها على كل أرجاء المدينة. سياح يبيتون في الشواطئ ومقومات سياحية غير مستغلة لا تزال فنادق »بونة« تصنع يوميات سكان الشرق وهي التي تستقبل سنويا الآلاف من الزوار الذين يقصدونها للتمتع بكل شيئ جميل فيها وذلك رغم تدني الخدمات المقدمة، حيث تسجل الفنادق والمنتجعات السياحية للولاية تشبعها قبل موعد الاصطياف بأشهر، الأمر الذي فتح المجال لانتشار ظاهرة تأجير السكنات، في حين تشهد شواطئ الولاية المسموحة للسباحة وعددها 20 جملة من النقائص تحول دون راحة المصطافين. وقد وقفت »صوت الأحرار« خلال التجول عبر شريطها الساحلي وبالتحديد عند الشواطئ الأكثر جمالا واستقطابا للسياح والمصطافين كشاطئ) سان كلو، شطايبي وبولفودار( عن أزمة حقيقة ورطت السلطات المحلية ومسؤولي القطاع مع زوارهم، خاصة وأنها تتكرر كل سنة ويتعلق الأمر بنقص الهياكل السياحية والعجز الكبير بها والذي وصل ال 5 آلاف سرير مقابل آلاف وملايين المصطافين. وحسب المعلومات فإنه وتقريبا في أيام معدودة من شهر أوت الجاري سجلت الشواطئ توافد 100 ألف مصطاف، الأمر الذي جعل معظمهم يبيتون في العراء وسط الشواطئ بسبب الاختناق الفندقي، والكراء لدى العنابيين الذي أشعلوا أسعاره، ناهيك عن الانقطاع المتكرر للمياه والكهرباء. وفي أحد ليالي بونة الساهرة على الكورنيش والشواطئ أين تواجد عدد كبير من الأشخاص وعائلات تفترش الأرض والرمال حاولنا التقرب منهم، حيث اخبرونا أنهم جاؤوا لقضاء عطلتهم الصيفية التي لم يبق منها الكثير ولم يجدوا مكانا يقضون فيها لياليهم غير الشواطئ وليس برغبتهم أو إرادتهم- كما قالوا- بل بسبب النقص الفادح في هياكل الاستقبال السبب الرئيسي في نفور زوار عنابة، حيث اقسموا أنهم لن يزوروها ثانية رغم ما أعجبوا به ورغم جمالها. أما بقية الشباب الذين قدموا من ولايات جنوبية فقد أكدوا منذ أن وصلوا عنابة منذ أسبوع وهم يبيتون على رمال الشواطئ والسبب لم يجدوا ولا غرفة فندق التي إما أنها ممتلئة عن آخرها أو لاعتبارات أخرى على رئسها تدني وضعف الخدمة المقدمة. أما الأجانب خاصة من )سوريا ومالي( فيتخذونها ملاذا من جحيم الحروب ويعتبرون رمال الشواطئ فنادقا لهم، ولا داعي الحديث أيضا عن مصطافوا الولايات المجاورة لبونة كالطارف وقالمة، حيث أن بعضهم يصطاف طول النهار ويعود أدراجه سواء مع عائلته أو بمفرده في حين تفضل البقية المبيت في الشواطئ أو عند الأقارب ما دمت لا توجد هياكل قادة على استقبال ضيوفها على أحسن وجه، والخدمة المقدمة )حدث ولا حرج(. وقد بلغ عدد المقيمين عبر مختلف فنادق ولاية عنابة أكثر من 900 ألف سائح ، حسب إحصائية غير رسمية تحصلت عليها صوت الأحرار، أغلبهم من أبناء الجالية الوطنية المقيمة في المهجر الذين توزعوا على 39 مؤسسة سياحية من فنادق و منتجعات منها خمسة فنادق مصنفة بسعة إيواء تقدر ب 3 آلاف و896 سريرا، يعمل بها 792 موظفا، كما فضل زوار زبونة ز هذه السنة التوجه إلى شواطئ الولاية التي استفادت هذه السنة من غلاف مالي معتبر لتهيئتها وتجهيزها بمختلف المرافق الضرورية لراحة المصطافين وهي الشواطئ الموزعة على بلديات عنابة، البوني، سرايدي وشطايبي. وقد سخرت مديرية السياحية بالتنسيق مع مختلف السلطات المحلية كل الموارد المادية والبشرية لإنجاح موسم الاصطياف منها فتح مراكز للحماية المدنية عبر كل الشواطئ وعددها 20 مع تهيئة كورنيش شطايبي على مسافة 3 كلم وهو الذي يمر عبر شاطئين مصنفين ضمن أجمل شواطئ الشرق الجزائري وهما )الخليج الغربي( و)عين الرومان( اللذين يستقطبان خلال فصل الصيف أكثر من مليوني مصطاف في السنة، علما أن الولاية استقبلت السنة الفارطة أكثر من مليوني سائح ويتوقع أن يرتفع العدد لهذه السنة. ورغم كل الإمكانيات الطبيعية التي تزخر بها الولاية التي تتوسط شرق الوطن، إلا أن النقائص المسجلة تعد بالجملة منها ظاهرة التلوث التي تغزو الشواطئ بسبب غياب الحس المدني من جهة وتعطل محطات تصفية وتطهير المياه من جهة أخرى، حيث يعاني شاطئ سيدي سالم ببلدية البوني من تلوث مياهه بسبب مياه )وادي سيبوس( التي تتدفق إلى الشاطئ من دون معالجة وهو ما دفع بمصالح الصيد البحري إلى دق ناقوس الخطر بسبب الأخطار التي تهدد كلا من الثروة السمكية والمترددين على الشاطئ العتيق وأمام ارتفاع درجة تلوث الشاطئ بادرت مديرية السياحة إلى غلقه أمام المصطافين إلا أن العديد من شباب الولاية لا يزالون يترددون عليه، في حين تعاني باقي الشواطئ من الإهمال وغياب إرادة حقيقية للنهوض بقطاع السياحة في الولاية، ناهيك عن الإجرام والسرقات المتكررة في وضح النهار فما بالك في الليل. ومن جهة أخرى يتساءل سكان الولاية عن مصير مشروع إنجاز قرية سياحية بسيدي سالم، الذي لا يزال متوقفا منذ سنوات حسب مصادرنا لأسباب تبقى مجهولة وأصبح حاله لا يختلف كثيرا عن باقي مشاريع انجاز مناطق التوسع السياحي بكل من بلديات شطايبي واد بقراط وعين عشير رغم زيارة الوزير لها مؤخرا. نقص المطاعم والتسيير الثقافي يؤثر على المردود السياحي رغم أن شواطئ الولاية مشهورة بجمالها وعذريتها واستقطابها لأعداد هائلة من المصطافين ، إلا أنها تعاني من عدة نقائص أهمها: قلة عدد المطاعم والفضاءات المخصصة للعائلات وعليه فإن المشهد الوحيد الذي يتكرر لدى زوار الولاية ، هو التجول عبر )كورنيش( عنابة في حركة ذهاب وإياب للمصطافين طوال النهاروالليل، وحتى وإن كانت قريتا سرايدي وشطايبي من أهم المناطق السياحية بالولاية، إلا أنها تعاني نقصا فادحا في المنشآت الخاصة باستقبال السياح، فشطايبي مثلا لا تضم إلا فندقا سياحيا واحدا إلى غاية اليوم في غياب استثمار الخواص في المجال السياحي. كما يسجل بالولاية انعدام تخصيص أماكن ملائمة لتنظيم النشاطات الثقافية والفنية، حيث لا يستوعب مسرح الهواء الطلق وسط مدينة عنابة إلا لعدد قليل من المتفرجين وهو ما يحرم السياح من حضور عدة نشاطات فنية دأبت المدنية على تنظيمها ، بالإضافة إلى نقص مواقف السيارات. الأمر الذي سمح بانتشار المواقف العشوائية وهي النقائص التي عادت بالسلب على المردود السياحي لولاية تمتلك كل المقومات الطبيعية والتاريخية لاحتلال الريادة، حيث تضم المدينة القديمة بين طياتها مواقع جذب سياحي متميزة تحمل مجموعة من الأسرار لا يمكن فكها إلا بعد الولوج في عمق التاريخ والانبهار بسحر الطبيعة. فالمدينة التي يتمسك أهلها بتسميتها )عنابة الجوهرة( أو )جوهرة الشرق( تملك من المقومات ما يجعلها من أشهر المدن السياحية في العالم، لا سيما وأنها تجمع بين السياحة الجبلية والشاطئية، فتضاريس متنوعة من سلاسل جبلية وغابية رائعة تمتد على طول قريتي سرايدي وشطايبي الساحرتين وخلجان جميلة وحزام أزرق ل 20 شاطئا يبدأ من شاطئ القطارة وجهة السّياح من داخل وخارج الوطن إلى غاية رأس الحمراء والتي تتوسطها شواطئ ساحرة بسرايدي، شطايبي والبوني. وبعيدا عن الشواطئ فهناك أماكن كثيرة ساحرة أشهرها ساحة الثورة المعروفة ب )الكور( التي تستقطب عددا كبيرا من الزوار يوميا داخل وخارج المدينة، ويعتبر المكان المفضل لضرب مواعيد اللقاء بين الأحباب والأصحاب في حين يفضل العدد الكبير من المصطافين قضاء أوقات الراحة في الليل في حلقات عبر الشواطئ. أما العائلات العنابية فشأنها شأن باقي سكان الولايات الساحلية، حيث يفضلون في الكثير من الأحيان تأجير شققهم للسياح طيلة الأشهر الثلاثة من الصيف، يعودون خلالها إلى المناطق الريفية لقضاء قسط من الراحة بعيدا عن ضجيج المدينة وهي الظاهرة التي انتشرت بكثرة في السنوات الأخيرة، خاصة وأن المرافق السياحية لا يمكنها استيعاب ذلك الطلب الكبير عليها. ولضمان نقل السكان والزوار إلى الشواطئ بادرت السلطات المحلية إلى اعتماد المخطط الأزرق المتعلق بفتح خطوط نقل من وسط البلديات نحو شواطئ البحر بعد فتح قرابة 30 خطا جديدا وتسخير 180 عربة نقل للمسافرين، في حين تم وضع برنامج نقل استثنائي من مطار وميناء عنابة نحو وسط المدينة لتسهيل تنقل السياح وزوار المدينة خلال فصل الصيف. »التاريخ والجغرافيا« لم تغير من السياحة شيئا وبpوبحكم موقع عنابة الجغرافي الممتاز وتربعها على شريط ساحلي بحري بواجهة تقدر بحوالي 80 كلم، تتميز بتنوع تضاريسها مما جعلها قبلة للسياح للتمتع بأشعة الشمس وصفاء المياه والاسترخاء على رمالها الذهبية، فالشمس التي تشرق باكرا وينعكس جمالها على المدينة عند المغيب تكون الأرض خضراء بغطاء نباتي متنوع وسماء زرقاء إذ كانت وما زالت المدينة حلم كل سائح أسير قلبه لجمالها، ولعل من ضحايا هذا الأسر الشاعر والكاتب الجزائري المعروف عز الدين ميهوبي حين قال: »عنابه مدينة كلما امتدت في الزمن كلما زادت صغرا وطفلة حسناء«. ويضم الساحل العنابي عشرون شاطئا للسباحة والاستجمام تتميز معظمها بروعتها وجمالها ومن أهم هذه الشواطئ نذكر: المنظر الجميل، خروبة ، رفاس زهوان إضافة إلى الشاطئ المتميز )لافونتان رومان( كلها أمكنة مفضلة للمصطافين أين يقضون أوقات مميزة مستمتعين بنقاوة الهواء ونعومة الرمال. وتحتوي عنابه على مرافق سياحية جندت لخدمة السياح كمؤسسة التسيير السياحي لمدينة عنابه بالإضافة إلى عدة فنادق كالمنتزه، سيبوس، ريم الجميل وكذا عدة مطاعم مصنفة وأخرى تقدم أطباقا محلية تسحرك حتى برائحتها. ولمدينة العناب عدة معالم تاريخية وآثار، منها لالة بونه، آثار هيبون التي تحتوي على مساحة تسمى الفوروم حيث تعد أقدم وأوسع ما اكتشف لحد اليوم كما توجد بقايا مسرح ومدرجات اوركسترا بالإضافة إلى تماثيل وقبور ,كتمثال هاكيوس، اسكولاب، افروديت ايون اله السنة وتمثال آلهة الحب وتمثال القديس اوغستين أو بازليك السلام على ربوة هيبون المشرفة على المدينة الأثرية حاملة الاسم نفسه. وتشبه المدينة في أحيائها بأحياء القصبة بالجزائر العاصمة وتحتوي على العديد من البيوت الكبيرة بها ساحات وحدائق وقاعات واسعة لا زالت شاهدة على الذوق المعماري ودرجة الرقي والتحضر لسكان المدينة إذ نلمس مسحة العمران الأندلسي الأصيل أما الصناعة التقليدية فلها القسط الوافر في كل ركن من البيت العنابي، ونذكر منها صناعة الخزف والفخار والجلود والطرابيش والزرابي والنقش على الخشب بالإضافة إلى اللباس التقليدي الذي تتميز به المرأة العنابية كالقندورة الفرقاني إذ لا يخلو بيت عنابي واحد منها على الأقل. من زار عاصمة الفولاذ ليلا يشعر كأنه في حديقة زاهية ألوانها اعتاد العنابيين السهر والسمر في ليالي الصيف فالحركة بها تزداد بشكل كبير إذ تشكل ساحة الثورة المعروفة ب )الكور( قبلة كل العائلات لتناول أكواب المثلجات والمرطبات التي تزين ديكور الطاولات للتمتع بها بعيدا عن حرارة المنزل وروتين النهار. كما تحتضن المدينة عدة مهرجانات وطنية وأخرى دولية منها مهرجان اللباس التقليدي والفنون الشعبية ، مهرجان هيبون، مهرجان الأغنية المالوفية وإحياء الذكرى السنوية لرحيل احد أعمدة الفن العنابي الشيخ الحسان العنابي مهرجان أغنية الروك مهرجان الأغنية البدوية )القصبة( ومهرجان أغنية الراب وأمسيات أخرى يتمتع بها العنابية حتى في ساعات متأخرة من الليل . تلك بونه جوهرة الشرق تبقى ذراعيها مفتوحة لمن أراد الاستماع بجمالها والاستجمام في شواطئها ويبقى يراود كل زوارها. فبونة اليوم مدينة زاهرة، ومركز صناعي مهم وهي منطقة سياحية مقصودة من طرف الكثير من السياح الأوروبيين. وباختصار فإن كل تلك الأهمية الجغرافية والاقتصادية والطبيعية والتسميات لم تغير شيئا من السياحة التي تعاني سنة بعد سنة ، في ظل غياب ثقافة سياحية حقيقية.