في عزلة وخوف، تعيش النساء المصابات بالإيدز في مجتمعنا، تطاردهن وصمة المرض اللعين، ونظرة المجتمع القاتلة، يتعايشن مع كارثة المرض بشجاعة، غير أن المعاناة التي تصادفهن جعلت الأمر يبدو كما لو كن منبوذات اجتماعيًا، فالعزلة هي أقسى شيء يواجه مريضات الإيدز..هي قصص كثيرة لسيدات جزائريات من المتعايشات مع الإيدز، نقدم لكم حالتان باسمين غير حقيقيين ، رفضتا حضور ندوة صوت الأحرار وفضلنا الحديث معنا عبر الهاتف لإضفاء الطابع الشخصي على قصص حياتهما، يعيشان محنة الإصابة بالفيروس وليستا مجرد أرقام أو حالات للإصابة بالعدوى بعيدة عن الواقع. قصص حياة هاتين السيدتين تؤكد أن الوصمة ضد الأشخاص المصابين هي جوهر تجربة التعايش مع الإصابة بعدوى الإيدز وذلك لتأثيرها السلبي على الحالة النفسية والاجتماعية وتسببها في هدم حياة هؤلاء النساء إلى أن انتهى بهن الأمر إلى أن يعشن وحيدات منعزلات في مجتمعهن. وفى حالات كثيرة تختلف طريقة معاملة السيدة المصابة بالإيدز عن معاملة الرجل المصاب، فغالبًا يتم التماس العذر للرجل على سلوكياته التي أدت لإصابته بالعدوى، بينما يتم تلويث سمعة المرأة المصابة بالفيروس حتى في الحالات التي انتقلت إليها العدوى من الزواج. زينب: مصابة بالسيدا برفقة ابنتي وزوجي السبب السيدة زينب 28 سنة، تقطن بولاية وهران، أخبرتنا أنها تعيش برفقة ابنتها بمفردهما بعد أن تخلى عنها المجتمع مباشرة بعد اكتشاف إصابتها بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب ، عن مرضها الذي يعود لست سنوات خلن تقول: هذي حاجة ربي، لتضيف أن البداية كانت إثر تعرضها لوعكة صحية ألزمتها التوجه إلى مستشفى ولاية وهران أملا في إجراء فحص طبي عادي، هناك أخبرها الأطباء أنها تشكو من ميكروب في دمها، لتمكث قرابة الثلاثة أشهر بأسرة المستشفى قبل أن تصفعها الطبيبة المعالجة أن الميكروب ما هو سوى فيروس نقص المناعة المكتسبة أي السيدا، وحاولت الطبيبة جاهدة للتخفيف من مصابي من خلال تأكيدها أنه مرض له دواء ويمكن التعايش معه بشكل عادي. بنبرات صوت حزينة أضافت زينب أنها لم تقم أية علاقة جنسية ، خارج علاقتها بزوجها، ورغم ذلك تنصل زوجي من المسؤولية ظنا منه أنه يخرج منها كالشعرة من العجين كما يقال، محملا إياي كامل المسؤولية في الإصابة بالعدوى، ونقلها لابنتي التي كنت حاملا بها، غير أن إجراءه لتحاليل الدم كشف إصابته بذات المرض، ورغم ذلك انفصل عني وعن ابنته قائلا: أخطيني ما المشاكل، لم أشك يوما في أنه يقيم علاقات خارج إطار الزواج، ولكن عندما أحكم عقلي أتأكد بأن العدوى جاءته عن طريق الاتصال الجنسي المحرم لكونه كان سكيرا قبل ارتباطنا، ولكوني لم أقم أي اتصال مع غيره. أهلي لم يتقبلوا الأمر، المجتمع لم يرحمني، كل يفسر أسباب إصابتي على هواه، والدتي المطلقة قالتها صراحة: ماتجيش لعندي للدار، واليوم أنا متواجدة برفقة ابنتي في بيت مستأجر يدفع ثمنه والدي وأحيانا خالتي، لكوني لا أملك أي مورد رزق، ماعدا مساعدات والدي. العائق المادي هو أولى معوقات التعايش مع مرض السيدا حسب زينب، فتنقلها إلى مستشفى وهران للحصول على الدواء لها ولابنتها مجانا يكلفها مبلغ 1000 دج دوريا، ناهيك عن أنها تقتني بمفردها بقية الأدوية الخاصة ببقية الأمراض المصاحبة للداء، وهو ما يستوجب التفات السلطات الوصية لهذه المعضلة التي تفاقم من مصابنا. مريم: طلاقي وحاجتي للمال وراء حملي للفيروس السيدة مريم، 29 عاما ،تقطن بولاية تيارت، بدورها مصابة بمرض الايدز، عن السبب الكامن وراء الإصابة تقول بصريح العبارة وهي تذرف دموعا محرقة: حاجتي إلى المال بعد طلاقي قبل تسع سنوات ،من زواج لم يدم سوى شهرين ونصف دفعني إلى الارتماء في أحضان رجل، كان يغدقني بالمال وملأ الفراغ الذي عقب طلاقي، والنتيجة واحدة إصابتي بالمرض اللعين. الصدمة كانت مفاجئة تقول مريم ، ذاك أنها لم تكن تعلم أن مرافقتها لأختها التي نصحتها الطبيبة بإجراء تحاليل الدم لكون زوجها المتوفي والذي كان مصابا بمرض السرطان شكك الأطباء في أنه كان يعاني من ميكروب ما، سيكون بداية لمعاناة حقيقية لها أول وليس لها آخر. رافقت أختي إلى مستشفى وهران، حيث تعمل صديقتها لإجراء التحاليل المطلوبة، وهناك عرضت علي أختي إجراء تحاليل الدم، فلم أتردد لكوني لم أجريها قط، حتى أنني لا أعرف فصيلة دمي، ولم أتصور أبدا أن النتائج ستصدمني وعائلتي، فبينما جاءت نتائج تحاليل أختي سلبية كانت نتائج تحاليل إيجابية، يومها لم أتمالك نفسي وشككت في وجود خطإ ما ، الأمر الذي دفعني إلى إعادتها عند الخواص لتكون النتيجة واحدة: أنا مصابة بالسيدا. شعرت يومها بدوار شديد، كرهت كل شيء وضاقت بي الدنيا بما وسعت، ولا زلت أكذب خبر إصابتي إلى يومنا هذا رغم تأكيد الأطباء وتناولي الدواء. ومن يومها تغير وضعي النفسي والأسري إلى الأسوأ. وبصراحة لا متناهية تتحدث مريم عن أسباب إصابتها قائلة : أقمت علاقة مع رجل أعزب دامت ثلاثة أعوام، وعدني خلالها بالزواج ، كان يغدق علي بالمال وملأ الفراغ الذي كنت أشكو منه عقب طلاقي، كان زير نساء ويقيم علاقات متعددة مع غيري، السبب الذي كان وراء انفصالي عنه، غير أنني لم أشك يوما في أن ثمرة هذه العلاقة المحرمة ستكون عدوى فيروس نقص المناعة المكتسبة" . خلال حديثها أشارت مريم إلى أن المجتمع بشكل عام مازالت تسيطر عليه الكثير من المفاهيم الخاطئة تجاه المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب، وخاصة النساء، ولكن من المأمول أن يتغير هذا مع إقبال المزيد من النساء على التحدث علنا وسرد قصصهن. ونوهت إلى أن الإصابة بفيروس اتش آي في تعد وصمة عار وينظر الناس للمرأة المصابة بالفيروس نظرة دونية. ولم تتوان مريم في فتح النار على بعض الجمعيات التي تدعي مساعدتها للمصابين بالإيدز بينما لا يزال هؤلاء يتخبطون تحت ثقل تسديد تكاليف التنقل من وإلى المستشفيات أملا في الحصول على جرعة دواء، من شأنها التخفيف قليلا من مصابهم. مشيرة إلى أن هذه التكاليف أضحت تؤرق كاهل المصابين خاصة ممن لا يملكون مثلها أي مورد رزق، كما أعابت الإجراء الجديد الذي اتخذته العديد من المستشفيات والقاضي بمرور المريض أولا بمركز الأمن أين يجبر على تقديم بطاقة التعريف لأسباب أمنية وذكر سبب تواجده بالمستشفى وهو ما يلزمهم الكشف عن إصابتهم بالمرض . لتختم مريم حديثها معنا بالقول: لكن ماذا أفعل الآن وكل تفكيري ينصب في إصابتي بهذا المرض، وأنصح كل فتاة بالعفة ثم العفة، وألا تسير وراء الحرام مهما كانت الإغراءات وأن تلتزم بأخلاق الدين الإسلامي. فما حدث لي بسبب حياة الاستهتار واللهو التي عشتها .. ولم أفكر في نتائجها ، التي أتجرع مرارتها إلى يومنا هذا.