هز صعود أمريكا في سبعينيات القرن الماضي إلى القمر والمشي على أرضه وزرع العلم الأمريكي فوقه؛ الوعي الإنساني كله سواء لجهة العقل أو لجهة الوجدان . لم تعد الحكاية تقبل أي مزاح فالمجتمع الإنساني أمام قوة عقلية مادية سا حقة لاتنفع فيها قوة الخيال الأدبي ،بل أن المنطق الذي يسيطر على مفكري العالم سواء كان منطقا أرسطيا أو منطقا جدليا هو في حالة امتحان . لقد انتقلت البشرية في تلك اللحظة إلى دورة حضارية ثالثة، وهذا يعني أن العرب الذين أبدعوا في نهايات الدورة الحضارية الأولى، المعتمدة على الكلام والتي استطاعوا فيها نقل الإنسان من دور الصياد إلى دور المزارع ولم يستطيعوا العبور به إلى دور الحداد ، وفعلت ذلك أوروبا ، ونقلت الحضارة البشرية من خلال ثورتها الصناعية وما أفرزته من دول قومية استعمارية وامبريالية وأبعدت الدين عن الدولة ولم يستطع العرب مواكبتها بل تخلفوا على يد العثمانيين الطورانيين ، الذين فشلوا أيضا في خلق دولة امبريالية تستعمر مختلف القوميات باسم الدين . في تلك اللحظة من سبعينيات القرن العشرين وضح أن العرب متخلفين أكثر مما هو متوقع فالدورة الحضارية الثانية أي الدورة الصناعية فاتتهم بكاملها ، وهاهم في سبعينيات القرن الماضي يقفون بعيدا عن الدورة الثالثة التي انطلقت على بعد دورة كاملة منهم . في تلك الفترة حدثت ثلاثة أحداث في الوطن العربي 1- كانت الثورة الفلسطينية مع أنها قامت بعقلية فترة الخمسينيات لمأخوذة بتأثير العدد والأسلوب الشعبي في العصيان الثقافي والسياسي والعسكري ، قدبدأت تواجه العدو العربي أكثر مما تواجه العدو الصهيوني ... لقد بدأت الأمة تحارب بعضها الشعب في جانب والحكام في جانب والثورة الفلسطينية بينهما -- -2 قام رئيس مصر بإ جهاض نتائج حرب أكتوبر 1973 ولم يستطع قراءة هذا النجاح لجيش مصر والجيوش العربية في لحظة تلك الدورة الحضارية ، ونزلت مصر عن دور الريادة والقيادة في المنطقة إلى دور التبعية شبه المطلقة 3- في تلك الفترة أيضا قامت الجزائر باختراق علمي واعد؛ فقد أسست مركزا للأعلام الآلي وكانت الدولة ألأولى في العالم الثالث التي حققت هذا الاختراق ..لكن سرعان ماجرى تعطيله بطريقة لاتزال محل سؤال ..وتأخر دخول الجزائر إلى عالم الحاسوب حتى نهاية القرن العشرين وهكذا ضاع ربع القرن الأخير من القرن العشرين الذي كان فرصة كبيرة للعرب في المشرق، للقفز سريعا نحو الدورة الحضارية الثالثة قفزة يساعد في تحقيق معظمها وفرة المال وتزايد الشعور القومي والانتباه الواسع نحو العلوم التطبيقية وفجأة ودون مقدمات حقيقية، شهد الوطن العربي ظهورا مسلحا لجماعات دينية مجهولة..سرعان ماعمت العالم الإسلامي ووصلت حتى أفغانستانوافغانستان هنا تعني المصدر الثاني للثروة في العالم فغذا كان النفط الذي مركزه الوطن العربي هو المصدر الأول وتسيطر عليه امريكا ودول الغرب ،فغن المخدرات هي المصدر الثاني للثروة العالمية ومركزها افغانستان ومكنت الجماعات المسلحة باسم الدين سواء بوعي منها او بلا وعي - امريكا من السيطرة على افغا نستان .... وهاهي الدورة الحضارية في العالم تتقدم وتتقدم وسيطرت ليس فقط على أمن الدول بل حتى على أمن ألأفراد وخصوصياتهم الحميمية وبالمقابل زاد انتشار امية الحرف في الوطن العربي وعادت الأمراض الجسمية والأخلاقية .. وبالتالي كان هذا التراجع سببا في حراك اجتماعي قمعته على الفور جماعات إسلامية بدعم من الأعداء التقليديين للامة العربية والأسلامية على حد سواء ، وها نحن لانبتعد عن الدورة الحضارية الثالثة بل إننا نتراجع إلى بدايات الدورة الحضارية ألأولى .. إننا نعود سريعا إلى المجتمعات القبلية العشائرية العروشية المتناحرة في زمن قبل ا ختراع الكتابة.