يتزايد الاهتمام الأمريكي بمنطقة الساحل وشمال إفريقيا بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، ويبدو أن صعود التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة في هذه المنطقة، خصوصا بعد حرب ليبيا والهجوم على المجمع الغازي »تيقنتورين« بإن أميناس بأقصى الجنوب الجزائري، فضلا عن الوضع في شمال مالي بدأ يثير فضول الاستخبارات الأمريكية بشكل أكبر مما دفع بها إلى المطالب بضرورة تكثيف عمليات المراقبة بالأقمار الصناعية لهذه المنطقة. القراءة المتأنية للاعتداء الإرهابي الذي تعرضت له المنشأة الغازية »تيقنتورين« في ال 16 جانفي من السنة المنصرمة، خصوصا على ضوء التناول الإعلامي المستفز لبعض وسائل الإعلام الفرنسية، وشهادات عدد من الغربيين الذين تم تحريرهم بعد تدخل الجيش الجزائري، يوصلنا حتما إلى قناعة بأن ما حدث لم يكن مجرد اعتداء إرهابي عادي يشبه تلك الاعتداءات التي عرفتها الجزائر أو باقي الدول التي واجهت الإرهاب خلال السنوات الأخيرة، فعملية احتجاز الرهائن في أكبر مركب غازي جزائري يضمن نحو 18 بالمائة من الصادرات من هذه المادة، كان بمثابة إعلان عن تحول استراتيجي كبير وغير مسبوق للنشاط الإرهابي، فلأول مرة تتعرض الجزائر إلى اعتداء إرهابي دولي، تشتم منه رائحة تورط جهات استخباراتية من دول غربية وحتى عربية تحركها حسابات أمنية وسياسية وحتى اقتصادية، وهنا يجب أن نقف عند نقطة هامة تتعلق بالرغبة الغربية، وخصوصا الأمريكية في توسيع النفوذ الأمني والعسكري في منطقة مترامية الأطراف يراد لها ربما أن تتحول إلى أفغانستان جديدة على حد تعبير الكثير من المراقبين ومن المختصين في الشأن الأمني. واستنادا إلى صحيفة »وورلد تريبيون« الأمريكية تكون أجهزة المخابرات الأمريكية قد مارست الضغط بهدف تكثيف عمليات المراقبة بالأقمار الصناعية لتحركات التنظيمات »الجهادية« المرتبطة بالقاعدة في منطقة شمال إفريقيا، ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسئولين لم تسمهم قولهم إن »أجهزة المخابرات الأمريكية طلبت الحصول على أجهزة إلكترونية إضافية وأقمار صناعية للمراقبة في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل وسط الحرب في مالي، والهدف الرئيسي من ذلك هو رصد وتعقب حركة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الذي ينشط في ست دول على الأقل في منطقة شمال إفريقيا، بناء على طلب من حلفاء واشنطن الإقليميين الأمر الذي يصب في مصلحة أمريكا أيضا«. وأكدت صحيفة »وورلد تريبيون« أن أجهزة المخابرات الأمريكية والجيش الأمريكي يمارسون الضغط للحصول على المزيد من موارد إضافية لنشاطهم في شمال إفريقيا وأن القيادة الإفريقية الأمريكية أفريكوم بقيادة الجنرال ديفيد رودريجيز طالبت كثيرا بتصعيد عمليات المراقبة الاستخباراتية في شمال أفريقيا بواسطة الأقمار الصناعية، مستدلين على الحاجة إلى مثل هذه العمليات بالهجوم الذي استهدف منشأة الغاز »تيقنتورين« بإن أميناس في أقصى الجنوب الجزائري منذ عام وخلف مقتل جزائري ونحو 40 أجنبيا، وقال مسئول للصحيفة إن »أفريكوم« تعمل بشكل وثيق مع وزارة الخارجية الأمريكية التي تدعم هي الأخرى تخصيص المزيد من الموارد للعمليات في المنطقة. ويسعى الأمريكيون إلى لعب دور أكبر في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، وهي تقليديا منطقة نفوذ فرنسية، وإن يفضل الأمريكيون عدم المغامرة على الأرض والاكتفاء بالمراقبة عن طريق الأقمار الصناعية والطائرات دون طيار والطلعات الجوية السرية والقيام بعمليات محدودة تنفذها قوات خاصة أو عن طريق الحوامات الموجودة في قاعدة أنشأها الجيش الأمريكي خلال حرب مالي بالنيجر، علما أن الوجود الأمريكي يثير الكثير من المخاوف في دول المنطقة التي تفضل التعاون بينها في إطار دول الميدان وهيأة أركان الساحل التي يوجد مقرها بتمنراست بأقصى الجنوب الجزائري وهذا لتأمين الحدود المشتركة وتبادل المعلومات الأمنية وتنسيق العمليات في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود.