تكتسي التصريحات التي أدلى بها المسؤول الأول الجديد على القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا )أفريكوم( الجديد، الجنرال دافيد رودريغاز، أمام لجنة القوات المسلحة لمجلس الشيوخ، التي استمعت إليه قبل الموافقة على تعيينه قائدا لأفريكم باقتراح من الرئيس باراك أوباما، خلفا للجنرال كارتر هام، أهمية كبيرة من حيث أنها اعترفت للجزائر بالدور الريادي في مكافحة الإرهاب في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل الصحراوي، وأكدت رغبة واشنطن في تنسيق حربها على الإرهاب مع الجزائر، بدلا من الخوض فغمار هذه الحرب بشكل منفرد مما قد يزيد من المتاعب الأمنية للجزائر ولكل المنطقة. وتعتبر إشادة الجنرال رودريغاز الذي كان على رأس القيادة المشتركة للقوة الدولية للمساعدة الأمنية في أفغانستان، بالاحترافية الكبيرة التي أظهرها الجيش الجزائر في التعامل مع اعتداء تيقنتورين بإن أميناس، رسالة موجهة مباشرة إلى بعض القوى الإقليمية التي قرأت بشكل خاطئ العملية العسكرية التي قام بها الجيش الجزائري، وراحت تهلل لنهاية ريادة الجزائر لشمال إفريقيا والساحل الصحراوي في الحرب على الإرهاب، بدعوى أن الجيش الجزائري »ارتكب خطأ فادحا« في هجومه على الإرهابيين بالمنشأة الغازية و»تسبب في مقتل العديد من الرهائن الأجانب وتهديد حيات العشرات من الرهائن الآخرين«، وبطبيعة الحل فإن هذا التحليل يفتقد إلى الكثير من المصداقية وهو ما تأكد فيما بعد من خلال تصريحات لمسؤولين فرنسيين وبريطانيين وأمريكيين أيضا، أجمعوا كلهم بأن تدخل الجيش الجزائري بتيقنتورين كان ناجحا وبكل المقاييس. الجنرال الأمريكي وصف الجيش الجزائري بأنه الأقوى في شمال إفريقيا، وهذه حقيقة أصبحت معروفة منذ مدة، بفعل الاحترافية التي اكتسبها الجيش الجزائري والتقنية التي امتلكها، ومستوى التسلح الذي يتمتع به باعتراف العديد من مراكز البحث العالمية المتخصصة في هذا لا مجال، وإن كان هذا لا يرق لبعض دولا المنطقة على غرار جيراننا في المغرب المهووس بكل ما يمت بصلة للجزائر، فحادثة تيقنتورين، وعكس أحلام البعض، حملت رسائل كثيرة من بينها أن الجزائر لا تفاوض الإرهابيين، وأن الجزائريين تفاعلوا ايجابيا مع العملية العسكرية، وأن الجيش الجزائري اكتسب ما يكفي من قوة وكفاءة عملياتية التي تسمح له بصد كل عدوان يستهدف البلد. ما يهمنا أيضا في تصريحات القائد الجديد للأفريكوم تأكيده بأن الجزائر تملك القدرات التي تسمح لها بتنسيق جهود بلدان الساحل لمواجهة الأخطار الأمنية، وان دراية الجزائر » بالوضع السائد في شمال مالي ذو قيمة كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة«، وأنه سيواصل دعم ريادة الجزائر الإقليمية، والعمل معها في مواجهة خطر الإرهاب في المنطقة ، وبمعنى أخر فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي دفعت الكثير من خلال تدخلها المباشر ضد القاعدة في جهات مختلفة من العالم خاصة في أفغانستان، لن تغامر هذه المرة بإرسال عساكرها لمطاردة القاعدة في شمال مالي أو الساحل الصحراوي. ريادة الجزائر للمنطقة في الحرب الدولية على الإرهاب يمنح لها الأولوية في تقدير طبيعة الإستراتيجية الواجب إتباعها لمواجهة خطر الإرهاب، ويعطي لها الحق أيضا في اختيار شركائها في هذه الحرب، فلا يجوز أن تتحول منطقة الساحل الصحراوي، كما هي عليه الآن، إلى فضاء لجيوش دول لا تربطها بالساحل الصحراوي أي رابطة. لكن ومن جهة أخرى فإن كلام الجنرال الأمريكي لا يجب أن ينسينا حقائق أخرى لا تقل أهمية، فأمريكا التي ربما تسعى حسب مصادر مغربية إلى غرس مقر قيادتها العسكرية الموحدة الخاصة بإفريقيا في المغرب ونقله من شتوتغارت الألمانية، لها حساباتها في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل الصحراوي، فالحرب على القاعدة التي تريد كسبها بأي طريقة كانت قد تخدم دول المنطقة ومن بينهم الجزائر، لكن على المدى القريب فحسب، وأما على المدى البعيد فإن هذه الحرب سوف تزيد من القلاقل الأمنية في شمال إفريقيا والساحل الصحراوي.