إن لكل محنة دروسا ينبغي الاستفادة منها وأخذ العبر من نتائجها المؤلمة، ولعل الدرس الأول الذي يجب أن نعيه جيدا من حادث الطائرة العسكرية الذي أودى بحياة العشرات من أبناء الجزائر، هو أن تلك المحنة العصيبة قد مست كل العائلات الجزائرية، بحيث كانت على قلب واحد حزنا وألما، إيمانا واقتناعا بأن الذين استشهدوا هم أبناؤنا وفلذات أكبادنا، حراس الوطن وحماته والمدافعون عن أمنه وأمانه. إن الهبة التضامنية التي عبر من خلالها المواطنون، بجميع فئاتهم وعبر كافة جهات البلاد، عن حزنهم وتآزرهم وتعاطفهم مع عائلات ضحايا حادث الطائرة العسكرية هي، علامة واضحة وناصعة عن المكانة المرموقة التي يحتلها الجيش الوطني الشعبي في قلوب الجزائريين، حيث يحظى أفراده باحترامهم وتقديرهم، مما يؤكد بأن جيشنا- وهو القوي بوطنيته وعقيدته وكفاءته- يتوفر على دعم الشعب كله وأنه معزز بوحدته التي لم تهتز في أصعب الظروف. ولا يختلف إثنان أن الجزائر تجتاز مرحلة فاصلة، نتيجة لإرادات متصادمة، تميزها أجواء مشحونة قد تعكر الرئاسيات المقبلة، مما يفرض على الجميع إحساسا كافيا بالخطر، وفي هذا السياق يأتي تحذير رئيس الجمهورية من محاولة المساس بوحدة الجيش وأنه لا يحق لأحد مهما تعالت المسؤوليات أن يعرض الجيش والمؤسسات الأخرى إلى البلبلة. إن من يدعي بأن هناك خلافات داخل المؤسسة أو بينها وبين الرئيس فهو كمن يحرث في البحر، ذلك أن هذه المؤسسة تضطلع بمهمتها الدستورية، وقد أكدت سنوات الأزمة التي عرفتها بلادنا أن المؤسسة العسكرية هي الوحيدة التي أنقذت البلاد من الإرهاب الهمجي، وأن المواطنين ما يزالون يقدرون لها هذا الدور، إذ تحملت قوات الجيش خلال المحنة الوطنية ثقل أعبائها في حفظ أمن واستقرار البلاد، وقدم من أجل ذلك خيرة كفاءاته وإطاراته وجنوده، تضحية في سبيل بسط السلم وإعادة الاستقرار والحفاظ على كيان الدولة، وهذا رغم الحملاتÅ المنظمة التي تعرض لها الجيش في محاولة لتشويه سمعته. Åوعندما يحذر رئيس الجمهورية من المساس بوحدة المؤسسة العسكرية، فهو يتحدث من منطلق الحرص على المصالح العليا للدولة الجزائرية، التي يشكل فيها الجيش الوطني الشعبي القوة الرادعة والضامنة والحامية لوحدة الوطن وسيادته. إن هذه الكلمات ليست دفاعا عن الجيش الوطني الشعبي، بمختلف مكوناته ومديرياته وأفراده، ذلك أنه في الأصل والأساس ليس ضعيفا حتى يحتاج إلى تلك البكائيات المتزلفة، بل إن هذه الكلمات يمليها واجب الاعتراف والعرفان لجيشنا الذي ما فتئ يقدم الشواهد على تضحياته الجليلة ووفائه بالعهد وسعيه الدؤوب إلى اكتساب أسباب القوة والمنعة وإلى التكيف الكامل مع ما يتوافق وقدسية المحافظة على مكسب سيادة وحرية الجزائر واستقلالها الوطني ووحدتها الترابية. إذن، ارفعوا أيديكم عن جيشنا الوطني، جيش الشعب الجزائري، ذلك أن وحدته خط أحمر، ممنوع الاقتراب منه، تحت أي مسمى. إنها رسالة إلى الجميع، يجب الالتزام بها من أجل المصلحة العليا للجزائر أولا وأخيرا. وهذا ما جسدته مشاعر التعاطف مع عائلات شهداء الواجب الوطني من ضباط وجنود الجيش الوطني الشعبي، وفي ذلك أكبر دليل على وحدة الشعب والتفافه حول جيشه العتيد، حامي الوطن وحصنه المنيع. إن أرواح هؤلاء الشهداء، وهم الذين كانوا في مهمة عنوانها التضحية من أجل الجزائر، تدعونا إلى أن نكون في مستوى تلك الرسالة العظيمة التي تقتضي احترام الأمة لجيشها الذي يؤدي واجبه بشجاعة وإخلاص.