تؤكد اللعبة الديمقراطية على حقيقة جوهرية مفادها، أنه من حق أي مواطن أن يختلف سياسيا مع من يريد، سواء كان مشاركا في الانتخابات أو مقاطعا لها أو مؤيدا لأي مرشح. لذلك، فإنه من الطبيعي أن تكون هناك مواقف متباينة من المترشحين للانتخابات الرئاسية، فهناك من هم مع هذا المترشح وهناك من هم مع غيره، وهذا في حد ذاته مؤشر إيجابي على أن رئاسيات 17 أفريل تتسم بحراك سياسي وإعلامي وأن الحملة الانتخابية تجري في أجواء مفتوحة. لكن المرفوض وغير المقبول هو اللجوء باسم الديمقراطية والمعارضة إلى سلوكات تتعارض مع أبجديات الديمقراطية وأخلاقيات الممارسة السياسية، ومن هنا فإن مرتكبي أعمال العنف، وهي المرفوضة سياسيا وأخلاقيا، إنما يهدفون لتحقيق مآرب بعيدة كل البعد عن الأهداف السياسية. إن اللعبة الديمقراطية تقتضي أن يعبر المعارضون عن آرائهم بهدوء وليس بالعنف والحرق واستهداف الأشخاص، لذلك فإن ما حدث في بجاية يعتبر اعتداء صارخا ليس فقط على أحد المترشحين وممثليه وأنصاره والإعلاميين ورجال الأمن، بل أيضا على الديمقراطية والسياسة وعلى حرية الفكر والرأي والتعبير وقيم الحوار والحق في الاختلاف، كما أن تلك التصرفات المتطرفة هي عدوان واضح على المواطنين، إذ تحرمهم من حقهم في الاطلاع والمفاضلة بين البرامج المطروحة، في إطار الانتخابات الرئاسية. هل من المعارضة، تدمير وحرق دار الثقافة ببجاية وتخريب الأثاث ووسائل العمل والإعتداء على الصحفيين ورجال الأمن. إن هذه الأعمال النكراء مدانة، مهما كانت الأسباب والدوافع، إذ لا يمكن بأي صفة كانت تبرير العنف أو إيجاد مسوغات له تحت أي مسمى. إن المنافسة السياسية تكون بالوسائل السلمية، لأن العنف في كل الأحوال دليل ضعف وعجز وإفلاس. فأصحابه ودعاته والمحرضون عليه يفتقدون إلى الحجة، وليست لديهم قضية سياسية يتبنونها ويدافعون عنها، وبالتالي فالهدف بالنسبة لهم هو العنف في الأصل والأساس! إذا كان هؤلاء يتحججون، بأنهم ضد أحد المترشحين، فذلك شأنهم وهم أحرار في موقفهم، وعليهم أن يتجندوا وراء المرشح الذي يريدون أو يتخذوا الموقف السياسي الذي يليق بهم، لكن أن يقدموا على اقتراف ذلك الجرم المشهود، فهذا لا يمت بصلة للسياسة ولا للديمقراطية ولا للمعارضة الحقيقية، ومن ثم فإن ما أقدموا عليه مغامرة غير محسوبة واستدراج واضح للفوضى والعنف، لن يكون حصاده إلا التخريب والدمار وسفك الدماء. إن ما حدث في بجاية تجاوز خطير وسلوك غير مسؤول، لا ينبغى فقط التنديد به وإدانة مرتكبيه، وإنما يجب التحذير من تكراره، ذلك أن النار تأتي من مستصغر الشرر. نأمل أن يكون ما حدث مجرد عمل معزول، لا يمت بصلة لأعراف وأخلاق الجزائريين، ومنهم سكان بجاية الكرام المعروفين بأخلاقهم الفاضلة وحسن الاستقبال وكرم الضيافة وشيم الرجال.