نأت جوائز البوليتزر الأمريكية في الأدب بنفسها هذا العام عن الجدل وجاءت أغلب الجوائز لأعمال متوقع فوزها ولمبدعين من كبار السن نسبيا لتترك البوليترز الجدل واسعا لجوائزها في الصحافة وهي الأكثر أهمية وشهرة. فقد ذهبت جائزة بوليترز للرواية هذا العام لدونا تارت مؤلفة رواية الحسون التي يتردد اسمها باستمرار في قوائم أعلى المبيعات للكتب في الأسابيع الأخيرة وتدورحول صبي يستحوذ على لوحة فنية بعد انفجار في متحف. ووصفت لجنة الجائزة هذه الرواية بأنها كتبت بقلم بديع وناضج مع حبكة رائعة لشخصيات تلاحق صبيا مأزوما في ورطته مع لوحة صغيرة شهيرة بينما قالت المؤلفة دونا تارت البالغة من العمر 50 عاما أن هذا العمل استغرق نحو عامين مؤكدة انها هي ذاتها لم تكن تتصور ان تأتي الحبكة على هذا النحو. ورجحت لجنة البوليتزر كفة هذه الرواية على روايتين منافستين في التصفيات النهائية هما : الابن لفيليب ماير و المرأة التي فقدت روحها لبوب شاكوخيس. وكانت رواية ابن سيد اليتم التي فازت بجائزة العام الماضي تتناول بأسلوب يعيد للأذهان رؤى جورج أورويل بشأن الأنظمة الشمولية وبروح كافكاوية ، مغامرات جندي كوري شمالي يسعى لأن يبقى على قيد الحياة ويصعد في هياكل السلطة الجامدة ببلاده التي لا تكف أجهزتها الدعائية عن تحذير الشعب من مخاطر وشرور العدو الأمريكي وأذنابه في كوريا الجنوبية واليابان . لكن السؤال الذي طرحه بعض النقاد حينئذ: آلا تؤثر الرؤية السياسية والصور النمطية والتحيّزات المسبقة للكاتب الأمريكي آدام جونسون على تناوله الروائي لواقع الحياة في كوريا الشمالية التي تناصب بلاده العداء وتهدد الآن بقصفها نوويا ؟!. لاريب ان هناك مبالغات تتجلى في ابن سيد اليتم بقدر ما تعبر عن مدى التحيز لكاتب الرواية وتحامله على بلد يشكل العدو في الذهنية الأمريكية حتى وان ذهبت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن هذه الرواية جريئة ولافتة . وللعام الثاني على التوالي تسير الأمور بصورة طبيعية في جائزة البوليتزر للرواية التى تمنحها جامعة كولومبيا فى نيويورك بعد أن أثار حجبها عام 2012 صدمة في الأوساط الأدبية ودور النشر الأمريكية. فالرواية الفائزة تقفز بسرعة لصدارة قوائم المبيعات..وهى جائزة تترقبها دوما دوائر صناعة النشر كما انه منذ عام 1977 لم تكن جائزة البوليتزر في الرواية قد حجبت أبدا . وتتوزع جوائز البوليتزر بين مجالات الصحافة والرواية والشعر والموسيقى والمسرح والتاريخ والسيرة الذاتية والعلوم العامة غير أن أكثرها أهمية وشهرة هى جوائزها المخصصة للصحافة فيما فازت صحيفتا واشنطن بوست وجارديان يو اس بجوائز بوليترز المرموقة للخدمة العامة. وذهبت جائزة الشعر هذا العام لفيجاي سيشادري البالغ من العمر 60 عاما عن ديوان ثلاثة مقاطع وفيه يجوب الشاعر في مناحي الحياة الأمريكية الحداثية ويستكشف بالإبداع الشعري في ثالث ديوان له أمريكا المعاصرة وهويتها. وفاز نص النقرة لأني بيكر البالغة من العمر 33 عاما وهي مسرحية عن ثلاثة موظفين في مركز فني للسينما والمسرح بماساتشوستس وانعكاس هذا العمل على حياة كل منهم. وفى التاريخ ذهبت جائزة البوليتزر هذا العام لآلان تايلور عن كتابه : العدو الداخلي: العبودية والحرب في فيرجينيا 1772 -1832, فيما كان فريدريك لوجفال قد فاز بجائزة التاريخ في العام الماضي عن كتاب جمرات الحرب ويتناول الحرب الفيتنامية. وفي الموسيقى فاز جون لوثر ادامز البالغ من العمر 61 عاما عن عمله الأوركسترالي كن محيطا الذي وصفته اللجنة المانحة للجائزة بأنه عمل جذاب نجح مؤلفه الموسيقي في الاستحواذ على متلقيه وتضمن العديد من المؤثرات الفذة للبيئة البحرية من مد وامواج متلاطمة وجليد وارتفاعات في المناسيب. أما جائزة بوليتزر للسيرة الذاتية هذا العام فكانت من نصيب ميجان مارشال عن كتاب مارجريت فولر: حياة أمريكية جديدة وهي شخصية طليعية وكاتبة وناقدة رائدة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة في القرن التاسع عشر. وفى العلوم العامة فاز دان فاجين البالغ من العمر 51 عاما بجائزة هذا العام للبوليترز عن كتابه تومس ريفر : قصة العلم والخلاص وهو كتاب عن انتشار حالات سرطانية بين الأطفال في المناطق الساحلية بنيو جيرسي جراء التلوث في المياه والجو. وكان جيلبيرت كينج قد فاز بالجائزة في العلوم العامة لعام 2013 عن كتابه : شيطان في الغابة الصغيرة:اطفال جادات الأشجار وفجر أميركا الجديدة وهي الجائزة التي منحت في العام قبل الماضي لستيفن جريينبلات عن كتاب الانحراف المفاجئ.. كيف يصبح العالم حديثا؟ وينطلق من واقعة اكتشاف قصيدة شعر منذ 600 عام وكانت قد كتبت أصلا قبل 2000 عام لتتحول إلى فكرة محورية توحى للمؤلف بكيفية تشكل العالم وتطوره.. واذا كانت جوائز البوليتزر الأكاديمية الأمريكية في الأدب لا ترقى لمصاف جوائز نوبل فان البوليتزر التى دخلت عامها الثامن والتسعين لا تقل أهمية عن جوائز المان بوكر البريطانية. وتمهد البوليتزر الطريق امام الفائز ليصبح نجما عالميا وهو ماحدث مع روائيين وشعراء أمريكيين سبق وان فازوا بهذه الجائزة التى تجعل صاحبها مسموع الكلمة في وسائل الاعلام بقدر ماتحقق لأعماله رواجا كبيرا داخل الولاياتالمتحدة والدول الناطقة بالانجليزية. كما أن البوليتزر توجه الاهتمام النقدى للفائزين بما يعزز فرص المبدعين الأمريكيين في الحصول على جائزة نوبل فى الآداب فيما يلاحظ أن هذه الجوائز تنحاز عادة في الإبداع للحداثة وما بعد الحداثة . وكانت جوائز بوليترز للصحافة في فئة الخدمة العامة قد ذهبت هذا العام للواشنطن بوست وجارديان يو اس تقديرا لطروحاتهما والمقالات والتقارير التي ارتكزت على وثائق وكالة الأمن القومي الأمريكي التي سربها العميل السابق للوكالة ادوارد سنودن. وعبر سلسلة من التقارير نجحت الصحيفتان في اثارة نقاش وجدل على مستوى العالم بشأن حدود الرقابة الحكومية والقيود الواجب فرضها لحماية الخصوصية الانسانية وعدم انتهاك الحياة الخاصة فيما فازت صحيفة نيويورك تايمز ايضا بجائزتين في الصورة الصحفية. كما فازت صحيفة ذي بوستون جلوب بجائزة بوليترز للسبق الاخباري عن تغطيتها لوقائع عملية تفجير ماراثون بوسطن التي اسفرت منذ نحو عام واحد عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 260 آخرين بينما اقتنصت صحيفة واشنطن بوست في ظل رئيس تحريرها التنفيذي الجديد مارتين بارون جائزة في فئة الصحافة التفسيرية او الإيضاحية. غير أنه من اللافت غياب جائزة بوليترز للقصة الخبرية الصحفية ذات الطابع الإنساني وعلى نحو يعيد للأذهان حجب جائزة بوليترز للرواية في عام 2012 فيما يعد ذلك هو الحجب ال11 للجائزة في فئة القصة الخبرية الإنسانية على مدى تاريخ البوليترز. وفاز جاسون سزيب وار.سي.مارشال من وكالة رويترز بجائزة التغطية الصحفية الدولية عن محنة الروهينجا وممارسات الاضطهاد التي تتعرض لها تلك الأقلية المسلمة في ميانمار. وفي التحقيق الصحفي فاز كريس هامبي من مركز السلامة العامة بجائزة البوليترز هذا العام عن تحقيق حول المشاكل الصحية لعمال مناجم الفحم فيما كانت جائزة التغطية الصحفية المحلية من نصيب هوبسون ومايكل لافورجيا من صحيفة ذي تامبا باي تايمز تقديرا لسلسلة من التحقيقات المحلية عن قضية إيواء المشردين. ومن صحيفة الجازيت في كولورادو فاز دافيد فيلبس بجائزة بوليترز للتغطية الصحفية على المستوى القومي عن سلسلة من المواضيع حول المصابين من قدامى المحاربين. وبدا حضور صحيفة واشنطن بوست طاغيا في جوائز البوليترز للصحافة هذا العام حيث استحوذت على ست جوائز وواصلت الصحف الالكترونية التى تفرض وجودها فى عالم الميديا داخل امريكا الحضوروالمنافسة في مشهد له ما بعده ويثير الكثير من الجدل بقدر ماينطوي على العديد من التحديات والفرص .!