سقط القناع.. والجملة من إحدى روائع محمود درويش قالها منذ أكثر من ثلاثين سنة. والمعني في هذه الحالة بالذات هو رئيس وزراء تركيا، رجب طيب اردوغان الذي كثيرا ما سوق الأوهام للعرب وللفلسطينيين بالذات مما حدى بخالد مشعل الحماسي الدعوة لمبايعته خليفة للمسلمين!! ومع أن أقنعة كثيرة سقطت هنا وهناك في مشرق العرب، إلا أن اكتشاف الوجه الحقيقي لأردوغان التوراتية أزال تلك الهالة التي أحاط بها نفسه وأحيطت به خلال السنوات الأولى لسلطة حزب العدالة والتنمية الاخواني في تركيا. بعد سنوات من التمويه والضجيج والمغالطات، يعلن أردوغان أن الخلاف مع اسرائيل قد سوي، وأن العلاقات بين البلدين ستعود طبيعية، والواقع أن العلاقات بين العثمانيين والدولة التوراتية، لم تنقطع يوما وقضية سفينة مرمرة كانت مجرد حيلة وطعم باتفاق الطرفين بغية فتح الباب أكثر لعودة الأتراك للمنطقة العربية ليس من منطق التكامل، وعوامله المتوفرة، إنما من منطق القيادة والسيطرة. ولعل ما كشف هذا السيناريو وفضحه، هو الموقف من سوريا ومن أزمتها التي كان أردوغان السباق لإشعالها، كما كانت تل أبيب أكبر محرض ومستفيد منها.. أردوغان الذي أغلقت في وجهه أبواب أوروبا وصفعته فرنسا العجوز بالقول أن مكانه الشرق الاسلامي، حاول أن يكون خليفة للعثمانيين الجدد بركوب موجة الوقوف مع إخوان غزة وتأييد ''الثوار'' في سوريا، بل التآمر على سوريا، وهو يدرك بحكم التاريخ أن سوريا هي مفتاح الشرق الأوسط وإن إسقاط دولتها يعني تمدد تركيا جغرافيا الى الخليج.. تحالف مع الاخوان المسلمين في مصر، ولو استمر مرسي في الحكم لعادت مصر إحدى توابع الاستانة، وتقول بعض التسريبات الاستخباراتية أن ساركوزي نصح أردوغان أن يصرف النظر عن دق أبواب الاتحاد الاوروبي، مقابل اقتطاع أجزاء من شمال سوريا، ومن ضمنها منطقة ومدينة حلب، وهو مايفسره التكالب الارهابي المدعوم من تركيا على هذه المنطقة ثم الساحل السوري من خلال الهجوم على ريف اللاذقية الذي كان الجيش التركي يساهم فيه مباشرة خلال سنوات من سعيها للتمدد داخل العالم العربي، مزجت تركيا أردوغان خطتها بكل توابل المخابر الغربية لتفخيخ وتفكيك وتفتيت العالم العربي في مشرقه أساسا، فهي ركبت موجة الشرق الأوسط الجديد، كما الفوضى الخلاقة ونشر الديمقراطية وهي كلها توابل المحافظين الجدد التي ابتدعتها ادارة بوش الإبن وتواصل السير على نهجها إدارة أوباما لكن بقفازات ناعمة. التحالف السياسي مع حركة الاخوان المسلمين العالمية، أدت بحكومة العدالة والتنمية ليس فقط التنسيق مع قطر ومع الحركات التابعة لهذا التنظيم على امتداد الساحة العربية والاسلامية، إنما تبني نهج كل التنظيمات الاسلاموية المتطرفة والتكفيرية، وهذا ما يفسر دعمها للحركات الجهادية في سورياوالعراق، وفتح أبواب تركيا أمام تدفق الجهاديين من مختلف أنحاء العالم للدخول الى أرض الشام وبلاد الرافدين. المقاومة السورية، وصمود الدولة فيها أفشل لحد الساعة هذا السلوك العدواني لأنقرة كما أدى فشلها هناك، وتردي علاقاتها مع الخليجيات، باستثناء قطر الى انكماش دورها الديبلوماسي والسياسي في كامل المنطقة، وتحولت الى دولة متعددة المشاكل مع محيطها بعد أن افتخرت قبل عشر سنوات أنها دولة ذات صفر مشاكل مع الجيران والمحيط.. ولعل جزء من صراعها اليوم مع الوهابية السعودية التي تحاصر حليفها الاخواني في الخليج وأعني قطر، وقد ضاعت منها مصر، لكنها لا تزال في فم الجمل من خلال تحالف الضرورة مع الرياض الممول الرئيسي لاقتصادها المنهار، وفي كل الاحوال بالنسبة للمنطقة العربية فإن سياسة الرياض مثلها مثل سياسة أنقرة لا اختلاف بينهما فهما وجهان لعملة واحدة، فكلاهما يدعم التكفيريين في سوريا، وقد يعادي السعوديون الاخوان المسلمين في مصر، لكن يدعمونهم في الشام.. هذه العواصم الثلاثة إقليميا بالاضافة لقطر، هي بداية ونهاية حليفا موضوعيا لاسرائيل التي تعلن صراحة ودون مواربة أن الخليجيات دون استثناء، وفي مقدمتها السعودية لم تعد اليوم ترى فيها عدوا أو خصما، بل حليفا ليس فقط ضد سوريا وحزب الله، إنما في مواجهة ايران التي تعاديها هذه البلدان الفارقة في الجهالة السياسية وقصر النظر.. لقد استطاع الغرب وفي مقدمته الولاياتالمتحدة أن يحول الصراع في المنطقة من خانة مواجهة الهيمنة الغربية، ودعم اسرائيل وحمايتها كحليف وحيد، إلى أن يحوله الى صراع مذهبي سني - شيعي ووجد في أدواته المحلية المتحجرة من ممالك وإمارات ليس فقط استعدادا لتبني هذا التوجه، إنما تغذيته ونشره، في حين تتموه أنقرة التي تسعى لتحسين علاقاتها مع طهران، لتحقيق مزايا اقتصادية، لكنها من جهة ثانية تتحالف مع أعدائها وأساسا تل أبيب، وتسعى لخلق مشاكل لحلفائها وأساسا سوريا ثم العراق.. وقد تدفع الانجازات المتوالية للجيش السوري، على مختلف الجبهات أنقرة للقيام بخطوة طائشة مستغلة بذلك عاملين داخلي يتمثل في إصرار الحكومة السورية على تنظيم انتخابات رئاسية ترشح لها الرئيس الأسد، وخارجي يتمثل في أزمة أوكرانيا التي قد يرى فيها أردوغان فرصة باعتبار انشغال الحليف الأكبر لسوريا بها، والمتمثل في روسيا. هي فرضية يمكن أن تشارك فيها اسرائيل التي تبتهج بعودة أردوغان الى حلفه القديم معها، بعد أن سدت في وجهه كل أبواب التموقع!.