من يشاهد تركيا من الخارج إنما يشد نظره صراع لا يتخفى وراء أيٍ من المسميات بل يعلن عن نفسه بصريح العبارة و تٌشتم من ورائه رائحة حرب ضروس تقذف مجانيقها الأولى تجاه رئيس الوزراء الحالي رجب طيب أردوغان الذي لم يعد يمثل اجماعا شعبيا كما كان عليه الحال أيام حادثي منتدى دايفوس عندما انسحب من منصة إحدى الندوات في سويسرا احتجاجاً على منعه من التعليق على مداخلة مطولة للرئيس الصهيوني شمعون بيريز بشأن الحرب على احتج على منعه من الكلام. غزة وقضية السفينة مرمره التي أرادت فك الحصار على فلسطين و استشهد فيها أتراك و كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر العلاقة بين أنقرة و تل أبيب . و يبدو الصراع بين أردوغان و خصومه كالمد و الجزر و كأن بين الطرفين خيط سميك كل واحد يحاول أن يجذبه إليه ليبد الآخر أردوغان يتحدث عن مؤامرات تطال شخصه و تمتد إلى حزبه بفعل مؤامرة خارجية تديرها أيادي من الداخل فيشهر سيفه في وجه المفسدين والمرتشين و المنتفعين من الاقتصاد و المضرين به . و غرماؤه يتهمونه أيضا بالفساد و تعطيل آلة تقدم تركيا و اثارة المشاكل مع الجيران و على رأسهم سوريا و مصر و حتى السعودية بالتدخل السافر في شأن الجيران لصالح الغرب و حلف شمال الأطلسي خاصة أن مصر مرسي كانت تتأهب للدخول في تحالف اقليمي استراتيجي مع تركيا أردوغان و نتذكر جيدا أن أول زيارة رسمية قادت مرسي(خارج أداء مناسك العمرة و حضور مِؤتمر دول عدم الانحياز في ايران) كانت إلى تركيا . لكن التحالف لم ترد له دول الغرب أن يستمر لأنّ التحالف في هذه المنطقة في حد ذاته خطر عليها و ‘ذا تمكن حزب مثل العدالة و التنمية أن يصل إلى الحكومة التركية فهذا لمجابهة الإسلام الراديكالي الذي قد يأتيها من هذه المنطقة فيهدد مصالحها و يخيف إسرائيل . و كانت السنة الماضية بمثابة الكابوس الذي أشهر في وجه أردوغان بعد أن أوقفت الشرطة بأمر من القضاء أبناء وزراء ورجال أعمال ومقربين منه في تعاطي الرشاوى بقيمة مالية خيالية نظير خدمات عقارية و معاملات تجارية مع إيران و حينها اتهم الرجل في مصداقية المبدأ الذي جاء به و المتمثل في "الكف النظيفة" و هو الذي يتطلع ليترشح لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات المقبلة و قبل ذلك تنتظر أردوغان انتخابات بلدية سيتعرف من خلالها على حجمه الحقيقي لدى الأتراك الذين نهشهم الفساد قبل أي حملة انتخابية .