لعل القارئ اللبيب يدرك لا محالة، المسحة المتشائمة للعنوان الفرعي للمقال والحقيقة أن تاريخ الجزائر ومحاولات تدوينه قبل وبعد الاستقلال، قد اكتنفتها عدة مظاهر وملابسات ذاتية تارة وموضوعية تارة أخرى، تتعلق في الحالة الأولى، بالأشخاص المتصدين لعملية التأريخ من حيث تكوينهم العلمي وإمكاناتهم المعرفية العامة. أما في الحالة الثانية، فالأمر يتعلق بالظروف السياسية والاجتماعية التي عرفتها الجزائر أرضا وشعبا وأحداثا ووجودا منذ فجر التاريخ. هذا الوجود الذي حاول ويحاول الكثير من المؤرخين والساسة والمخربشين، التشكيك فيه ماضيا وحاضرا، ممجدين في نفس الوقت، المحتلين ومتجاهلين تضحيات ومآسي من وقع عليهم الاحتلال ردحا من الزمن. نلاحظ هذا المنحى لدى بعض المؤرخين الأجانب، فرنسيين وغير فرنسيين. حيث يصموننا بأوصاف خَلْقية وخُلُقِية وغيبية جبرية كسوء الحظ (Malchance) المرادف للعنة (Malédiction)أوالعجز الفطري (Inaptitude congénitale) وعدم القدرة على إنشاء دولة أو نظام سياسي مستقل وقائم بذاته. لكن، وحيث لم يُجْدهِم هذا الادعاء المصطنع،نفعا وأعيتهم الحيلة في تقويض صرح أمجاد الجزائر، فإنهم يحاولون في الوقت الراهن، فبركة نظريات وأطروحات، تتعلق أساسا بكتابة تاريخ الجزائر وتحريف أحداثه من خلال قراءات مريضة ومتعالمة، يحاول فيها أصحابها إفراغ هذا التاريخ وهذه الإحداث من طابعها العَقَدي الجهادي والوطني - السياسي أو الإيديولوجي الفكري. سواء كان أصحابه أفرادا أو مؤسسات. وهو ما وصفناه ب '' التزوير المتواتر'' و''التنظير المتآمر''وكلاهما في نهاية الأمر، تزوير موصوف كما سنرى. -1 التزوير المتواتر: ويتضمن عدة أوصاف وتهم ملفقة، تحاول تسفيه سياسة الجزائر قبل وبعد الاستقلال والتشكيك في وجودها وتوجهاتها واختياراتها الجوهرية. مثل: - سوء الحظ المرادف للعنة: - من سوء حظ الجزائر وشمال إفريقيا عامة، عندما لم تستوعب شعوبها وتستغل القيم الحضارية للاحتلال الروماني !! - من سوء الحظ عندما اعتنقت المنطقة الإسلام الجزائر، خاصة وساهمت في نشره في أوروبا !! - من سوء الحظ عندما تعرضت الجزائر ل زغزوس الهلاليين العرب !! - من سوء الحظ عندما استعملت الجزائر كقاعدة زللقرصنةس العثمانية !! - من سوء الحظ عندما حاربت الجزائر المحتل الفرنسي واستعادت سيادتها بعد 132 سنة من المقاومة !! - من سوء الحظ عندما انتهجت الجزائر سياسة التعريب الشامل !! - من سوء الحظ عندما أممت الجزائر مواردها الطاقوية من مناجم وبترول !! - من سوء الحظ عندما عطلت الجزائر زراعة الكروم الموجهة لصناعة الخمور !! والقائمة طويلة ومزعجة، نربأ بأنفسنا عن استغراقها ونكأ جراحات الوطنيين في الدارين . -2 التشكيك في وجود دولة وأمة اسمها «الجزائر»: عدم القدرة الفطرية (Inaptitude congénitale) على الاستقلال وإنشاء نظام سياسي خاص بهذه المنطقة والجزائر تحديدا. يؤكد هذه المقولة التهمة، كثير من المؤرخين الفرنسيين وعلى رأسهم المؤرخانسإميل فيليكس غوتيي (18111872س و زشارل أندري جيليانس (1891.1991 2,.2 التشكيك في وجود الجزائر أرضا وشعبا وتاريخا ونظام حكم قبل .1962 ويتفق في ترويج هذه الفرية الكبرى كثير من الأفراد (مؤرخون، ساسة، كتاب. . الخ) والمؤسسات العلمية، نذكر بعض العينات منها،تمثيلا لا حصرا: 2,2,.1 الانسيكلوبيديا العالمية، التي تزعم أن لا وجود ذاتي للجزائر أمة ودولة إلا في عهد جبهة التحرير الوطني!! - يقول بعض الساسة والمفكرين والكتاب وعلى رأسهم الرئيس الفرنسيسشارل دوغول 18901970س وسموريس توريزس1900 1964 رئيس الحزب الفرنسي الشيوعي والمصري زمحمد حسنين هيكلس: إن الجزائر أمة في طور التكوين ولم تكن وبأية حال من الأحوال موجودة من قبل وأن اسم زالجزائرس في حد ذاته، من صنع فرنسا !! - تتساءل دائرة المعارف الفرنسية،جيولوجيا: متى تكونت هذه الأرض الجزائر والتي تمثل الصحراء القاحلة، تسعة أعشار مساحتها؟! وفي نفس السياق، كانت فرنسا ترفض تبادل الأسرى إبان الثورة التحريرية لاعتقادها الراسخ أنها لا تخوض حربا بمفهومها القانوني الاصطلاحي المتعارف عليه بل، مجرد أحداث داخلية وعلى أرض فرنسية ورعايا فرنسيين أو كما تسميها اصطلاحا، « شيء لا يملكه أحد Res Nullius» وهي اليوم ترفض الاعتراف بماضيها الإجرامي الغير قابل للتقادم (L'imprescriptibilité) لأنها ببساطة لا تعترف تاريخيا، بدولة اسمها زالجزائرس بل، إنها تطالب المجتمع الدولي، التعويض. حيث تدعي، أنها حرمت من أرض وخيرات كانت هي سبب وجودها. ولمزيد من التفاصيل في هذا الموضوع، فإننا ندعوا القارئ المحترم للقيام بعمليات إبحار في عالم الانترنيت ليكتشف مدى عمق الهوة التي تفصل بيننا، شعبيا ورسميا. وهي هوة ما فتئت تعمقها فئة الأقدام السوداء والكولون الحالمين بسياسة «الجزائر فرنسية»!! والغريب في الأمر، أن هذه الافتراءات التي تمثل عمليات تزوير وتحريف موصوفة، فيها خرق واضح للسيادة الوطنية، مازالت تجد تربة خصبة لدى بعض الجهات والدوائر سيان في ذلك، الوطنية منها والأجنبية، دون أن تحرك الدولة الوطنية أو مؤسساتها المختصة، ساكنا. فمن المسؤول عن مثل هذه السلوكيات المهادنةوالمواقف المتخاذلة، لردع الحالمين المتحاملين والطامعين القابعين والموتورين المناورين والمندسين المتربصين . نقول هذا، لأن تاريخنا وفي غياب مدونة شاملة ومتعارف عليها، سيبقى جسما هشا و فاقدا لعناصر المناعة الكافية التي تحميهمن الأجسام الغريبة والميكروبات الفتاكة التي تهاجمه باسم المعرفة الإنسانية والنظريات العلمية المبطنة بالسموم الحاملة لفيروس العولمةالمقوضة لأركان الأمة وقيمها ماضيا وحاضرا ومستقبلا. وهو ما سنتعرض إليه في المحور الثالث الموالي. -3 التنظير المتآمر: كما تمت الإشارة إليه، فإن أعداء الجزائر الحقيقيين منهم والافتراضيين، التاريخيين أوالمغرر بهم، وبعد أن فشلوا في محاولاتهم اليائسة لشطب اسم الجزائر وتاريخها، هاهم وقد عودونا على تغيير جلودهم وألوانهم ولغاتهم وأساليب تفكيرهم يحاولون اليوم وعن طريق التنظير المتآمر، إيجاد ثغرات ومثالب لإفراغ تاريخ الجزائر من أسسه ومقاصده وفلسفته. وهذا، عن طريق التوظيف المغالط لبعض المفاهيم الإنسانية والعلمية المشتركة. والحقيقة أنها ليست مشتركة طالما أن ملابسات نشأتها تختلف وبشكل مغاير وعميق، عن مجالات تطبيقها نسخا أو مسخا. فدعاة عدم تسييس التاريخ وإفراغه من الوطنية التي يصفونها بالشوفينية (Chauvinisme) وكذا، إفراغ التاريخ من ''الذهنية الاستعمارية'' ثم أخيرا،سعدم الأدلجتهس وسالدمقرطهس إلى غير ذلك من الترهات والهرطقيات، في إطار ما يسمونه بالمراجعة « Révisionnisme » أو النفي « Négationnisme». وهما مصطلحان يعالجان قضية الإبادة المزعومة ليهود أوربا، خلال الحرب العالمية الثانية، لكن بمفهوم الكيل بمكيالين !! وقبل الشروع في تحليل ودحض هذه الأكاذيب المبطنة والادعاءات الملفقة، تجدر الإشارة إلى أن أساطين الاحتلال الفرنسي ومنظريه من ''أليكسيس دوتوكفيل 1808 85 نيامين ستورا 1950 سيعتبرون تاريخ الجزائر مجرد ردود أفعال متناثرة في الزمان والمكان ولا ترقى إلى مستوى الأفعال، المؤسسة على نظرة موضوعية تتوخى الحكمة والتبصر والاستشراف. ولذلك، فهي تصرفات غير واعية ولا تستحق التدوين والتأريخ. وهذا، انطلاقا من دعوى أن الجزائر لم تكن يوما، هيئة أوجودا أو نظاما سياسيا واجتماعيا واقتصاديا (Entité politico-sociale et économique) بل، وجغرافيا أيضا. ولذلك، فإن سكانها غير قادرين على الفعل وخرقى لا يحسنون صنيعا ناهيك، عن الدولة والتاريخ ؟! حقيقة... إن مثل هذه الأراجيف المسمومة، لتدمي القلب لكن لا ينبغي أن تشله وتطفئ تلك الشعلة المتوقدة دوما والتي عرف بها الجزائري عبر تاريخه المغتصب. ويكفينا عزاء وفخرا، أننا في كل مرة وبالرغم من المآسي والتضحيات، تسمومهجنا فتزداد إرادتنا ووطنيتنا قوة وصلابة. ليس هذا كلاما إنشائيا موغلا في تمجيد الذات أو مونولوغا حالما وغارقا في أوهام النرجسية بل، حقيقة، كان لزاما أن نتشبث بها وننافح عنها، قضية وأمانة ورسالة للأجيال اللاحقة. وإن غدا لناظره قريب. وحيث تبينت لنا إجمالا، أهداف ومقاصد المصطلحات المذكورة أعلاه، فلا ضير أن نتعرض بالشرح والتحليل، لكل واحدة على حدة ذاكرين في نفس الوقت، ما يقابلها في اللغة الفرنسية: - عدم تسييس التاريخ Dépolitisation: فعلى المستوى القاموسي اللغوي السياسي المحض، فان المصطلح يدعو إلى تقليص الإحساس السياسي، من حيث المكاسب والخسائر في تسوية قضية سياسية تعود بالفائدة لطرفين متخاصمين. أما إذا تعلق الأمر بالتاريخ وصيرورته في تصفية الاستعمار وتقرير المصير، فإنه لا مجال لإفراغ التاريخ من السياسة. فهي الأداة والغاية للوصول إلى إنشاء الدولة وتنظيم شؤونها وتسييرها مستقلة عن المحتل كما حدث في مفاوضاتزاتفاقية إيفيانس حيث قدم الطرف الجزائري تنازلات سياسية عدة وضحى بمكاسب مادية هامة، من أجل استعادة السيادة الوطنية كاملة غير منقوصة. فإذا كانت السياسة فن الممكن، فإن التاريخ سياسة والسياسة تاريخ. - إفراغ التاريخ من الوطنية Dénationalisation :كيف يمكن إفراغ التاريخ من الروح الوطنية ؟ وهل التاريخ « ... كأحداث، إلا ذلك التطور للعقل البشري المتمثل في العلاقات الإنسانية واتصالها بالدولة. وكعلم، فهو المستوى الذهني لهذا التطور. وكفن، فهو ذلك الإنتاج المتمثل في اللغة». وباختصار، فإن التاريخ هو الإنسان والوطن وكل ما يرمز إليهما، ماديا كان أومعنويا. إنناإذا أفرغنا التاريخ من الروح الوطنية، فقد ألغينا صانعه، أي الإنسان. وهذا مستحيل حدوثه عقليا وعمليا. ثم إن الوطن ومحبته بالنسبة لنا كمسلمين، جزء من الإيمان ومن ثمة، فإن الانتساب إليه والجهاد في سبيله، واجب من واجبات عقيدتنا وهذا يغنينا عن المفاهيم الغربية عن الوطنية بالرغم أن المنظر الفرنسي سإرنست رينان 18291892 قد صرح منذ العام 1882 »أن الوطنية مظهر حياة وسيادة يومي مثله في ذلك، مثل وجود الفرديؤكد من خلاله حياته الأبدية «لكنها عقلية الكيل بمكيالين، تهدم باليسرى ما بنته أمس، باليمنى. - إفراغ التاريخ من الذهنية الاستعمارية Décolonisation:والمقصود من هذا المصطلح، غض الطرف عن جرائم المحتلين واعتبارهم أي المحتلين كما هو الحال بالنسبة للجزائر دعاة تحضير وتمدين وأن احتلال فرنسا لها، كان انجازا كبيرا وعملا ايجابيا ومجيدا، أنقذ الشعب الجزائري من الهمجية العثمانية والتخلف ... الخ. وبهذه الرؤية المتهافتة، يصبح الجلاد ضحية، فيشطب بجرة قلم واحدة، قرونا من الظلم والقهر والاستعباد ونهب الخيرات وتزييف الحقائق. نعم، نحن لسنا دعاة حرب أو فوبيا الشعوب. لكن في المقابل، لا نرضى أن ينتهك عرضنا وتستباح أرضنا ويزيف تاريخنا وتستغفل عقولنا بمصطلحات لم يعد خافيا على أحد، تسخيرها وتحضيرها لاستعمار جديد. فهل يعي ساستنا ومؤرخونا و نخبنا، هذه الحقيقة وقد انجلت عن مؤامرات ومخططات لا وجود فيها للأغبياء والضعفاء، وحتى أولائك المتواطئين باعتبارهم بضاعة مستهلكة، بان عطبها وتلاشى إلى الأبد، أريجها وعبقها. - إفراغ التاريخ من الإيديولوجية Désidéologisation :يبدو لأول وهلة ولكثير من محدودي الاطلاع على خبايا المصطلحات كمادة علمية متعددة الاستعمالات، أن هذا المصطلح قد أصاب لب الحقيقة. فكان البلسم الشافي والعلاج الوافي لتطهير التاريخ مما يعتقدونه مروقا عن الدين وتشبها بأهل الضلالة الملحدين. فكل ما هو زإيديولوجياس في نظرهم، كفر أو تشبه بأهله. والحقيقة أن المصطلح في توظيفاته المعرفية الأكاديمية، بريء من هذا الفهم القاصر. فالايدولوجيا مصطلح يعني نظاما من الأفكار والتصورات تهدف إلى وصف أو شرح أو تفسير وضع من أوضاع مجموعة اجتماعية ما.وبالتالي، فإن الإيديولوجية كمصطلح علمي، تساعد على فهم الحقائق في إطارها ألزماني والمكاني و الفكري. وهي العناصر الأساسية لكتابة التاريخ. أما الإيديولوجية حسب الطرح الشيوعي والماركسي، فهي مرتبطة بالصراع داخل الطبقات العمالية وعلاقتها بالإنتاج ووسائله وتموقعها في أجهزة الدولة حسب الجدلية الهيغلية. إذن، شتان بين ايديولجية تصارع من أجل التحرر وتقرير المصير وأخرى تناور في ترف مادي، هدفها هيمنة وديكتاتورية البروليتاريا. - دمقرطة التاريخ Démocratisation: في الحقيقة أن هذا المصطلح لم يطرح حسب علمي، في إطار نقاش علمي أكاديمي. لكنني قرأته في إحدى اليوميات الفرنكوفونية. طرحه المخرج ''محمد شويخ'' على اثر عقده ندوة صحفية حول فيلمه '' الأندلسي'' حيث صرح أنه بإمكان السينما أن تساهم في دمقرطة التاريخ ملاحظا في نفس الوقت: أن فيلم زالأندلسيس ذو طابع تاريخي بحت، ويتطلب كثيرا من الإمكانات المالية. ويفهم من دمقرطة التاريخ، ضرورة إفساح المجال لوسائل الإعلام والكتاب والأشخاص الفاعلين مذكرات شخصية للمساهمة في كتابة تاريخ الجزائر عبر العصور والتعرض إلى القضايا التاريخية المصنفة دون مبرر، في خانة ''الطابو'' أو ''المسكوت عنه'' لتوضيح الرؤى وإجلاء الحقيقة كعناصر أساسية للقضاء على كل أنواع التلاحي والتنابز بين الأفراد والجماعات خاصة، والشعوب عامة. ولذلك، فإن المصطلح في مفهومه الايجابي، يعد بانفراج وشيك لأزمة كتابة تاريخ الجزائر دون عقد أو طابوهات. أما إذا كان المراد منه تكييف ديماغوجي للأحداث وفق أهواء ونزوات مغرضة، فانه تزوير سافر للتاريخ وعبث بتضحيات ومعاناة صانعيه. وسياسة التعتيم هذه أو الرقابة القبلية (Censure anticipée) في رأينا المتواضع، هي التي فتحت الباب على مصراعيه للتحريف والتزييففي غياب الرأي الآخر وانعدام فرص المقارنة لدى المختصين.في هذا السياق نذكر على سبيل المثال، قضية المجاهدين المزيفين التي أخذت أبعادا بالغة الخطورة من حيث الطعن في مصداقية الثورة التحريرية وقادتها ومجاهديها والتعريض بجدية مؤسسات الدولة الجزائرية المستقلة. لقد رفعنا في بداية الاستقلال شعار ''البطل الوحيد، هو الشعب'' فما حقيقة هذا الشعار ومدى تجسيده لدور الشعب في مقاومة الاستعمار وتقديم قوافل من الشهداء والضحايا؟. إن الذي لم يساهم من قريب أو من بعيد، في انتصار الشعب الجزائري على المحتل الفرنسي وأذنابه، لا يعرف منطقيا،كيف حيكت خيوط الشبكة السحرية التي ربطت بين مجاهدي الثورة التحريرية وأفراد وفئات الشعب في القرية والمدينة.ذلك، أن المجاهد ليس شبحا أو رجلا خارقا للعادة بل، كان مواطنا يعيش في وسط اجتماعي مكون من الأسرة الجزائرية التقليدية النووية الطابع، و يتسع هذا المحيط، إلى الجيران وبعض سكان الحي.كما شمل آنذاك، أفرادا في صفوف العدو نفسه.وهو ما يوفر للمجاهد محيطا آمنا وتموينا لوجيستيكيا مضمونا. وقد يصل تعداد من يحيطون بالمجاهد الواحد إلى أكثر من عشرين فردا يشكلون كل حسب مهمته فصيلة متكاملة الأدوار والأعباء. ولذلك، فلا غرابة أن يرتفع عدد المجاهدين، حيث لا يصح أخلاقيا أن يتنكر المجاهد لمن آزروه وآووه، فيمنحهم شهادته كأدنى اعتراف بالجميل. لكن، ينبغي أن نقيد هذا الحكم، لنعترف بوجود أشخاص لا علاقة لهم بالجهاد والثورة وفي المقابل، وجود آخرين نأوا بأنفسهم عن حطام الدنيا الزائل، تعففا وتنزها. وختاما، تنبغي الإشارة إلى أن بعض الصحف الفرنكوفونية التي دأبت على فتح صفحاتها ومنتدياتها لبعض المؤرخين والساسة والمفكرين الجزائريين والأجانب، لتمرير أفكارهم وأطروحاتهم المذكورة أعلاه، للتنظير لنا في كيفية كتابة وقراءة تاريخنا. وإذ نثمن على مضض، هذا المجهود النوعي الذي تبذله هاته الصحف في تنوير الرأي العام الوطني، إلا أننا نعيب عليها تقبلها لهذه الأفكار دون تحليل أو تمحيص. وكقارئ لما يطرح في هذه المنتديات التي يفترض أن يتم فيها تبادل الآراء بطريقة نقدية بناءة فان الصحيفة لا تنقل لنا أي شيء من هذا القبيل. وكأن القاعة كانت خالية إلا من المحاضر والصحفي . وهو ما تفنده تصريحات هذا الأخير،عند ما يدعي أن القاعة كانت ممتلئة وبحضور نوعي. فأين المهنية والروح النقدية ؟! إننا لا نرفض الرأي الأخر كما يتوهم البعض بل، نرفض أن تملى علينا الأفكار غثها وسمينها إملاء، دون وعي أو تمحيص ثم نبادر وعلى حسابنا، إلى نشرها وتعميمها كقدر لا مفر منه. لقد طردنا المحتل من الباب وهاهو يعود إلينا من النافذة ليقذف بنا خارج البيت بل، خارج التاريخ والزمن. فمن لا تاريخ له لا ماضي له ولا حاضر ولا مستقبل .. [email protected]