قال رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في رسالته الموجهة للشعب الجزائري بمناسبة حلول الذكرى التاسعة والسبعين لمجازر 8 ماي 1945 : »تستوقفنا، في هذا اليوم ذكرى مأساة وطنية تركت أرزاؤها وآلامها أخاديد مازالت غائرة في وجدان الشعب الجزائري، وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ففي أمثال هذا اليوم وما بعده، هدرت قبل تسعة وستين عاما، ظلما وجورا وعدوانا أنهار غزيرة من الدماء الجزائرية. وتم حرمان شعبنا، عن سبق إصرار، من مقاسمة الأمم والشعوب الأخرى لحظات الفرح واستعادة الأنفاس بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ...« ومع مرور الذكرى التاسعة والستين لمجازر الثامن ماي 1945 يبدو بأن فرنسا أو سلطاتها الرسمية -على الأقل- ما زالت مصرة على عدم غلق ملف الماضي الاستعماري بما يقدم الدليل على رغبة فرنسا في إحداث القطيعة الحقيقية مع ماضيها الاستعماري رغم كل بشاعاته وجرائمه الراسخة في ذاكرة الجزائريين وخصوصا جيل الثورة المجيدة، الذي تمثل له مجازر الثامن ماي 1945 أحد أبشع وأشنع حقب الماضي الاستعماري المأساوية والدامية، فقد قال العلامة الشيخ محمد البشير الابراهيمي ?رحمه الله- الرئيس الثاني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بخصوص مجازر الثامن ماي 1945 »لو كان تاريخ فرنسا كتب بأحرف من نور ثم كتبت في آخره هذا الفصل المخزي بعنوان سطيفقالمة خراطة لطمس هذا الفصل التاريخ كله«، ورغم ذلك تتمسك فرنسا برفض القبول بتقديم اعتراف كامل، أو اعتذار شاف للجزائريين الذين ما زالت تحذوهم الرغبة في طي ملف الماضي المؤلم، فتح صفحة جديدة مع فرنسا الشعبية والرسمية بما يحقق مصالح البلدين، ويدعم علاقاتهما في إطار التعاون والاحترام المتبادل. لقد سجل الكثير من الملاحظين أن لهجة رسالة رئيس الجمهورية كانت لينة ومتحاشية عن قصد إثارة مشاعر العداوة وأجواء التوتر بين الجزائروفرنسا والتركيز على ما ينتظر من السلطات الفرنسية الرسمية لمعالجة ملف الذاكرة، كما حدث في مناسبات مماثلة سابقة. ولكن يبدو أن فرنسا ما زالت مريضة بالحنين الاستعماري الذي ينتشر بين عدد معتبر من أبنائها، خصوصا المنتمين إلى الأقدام السوداء، وفئة بعض المعمرين (الكولون) وأبنائهم، وهذا ما يفسر ازدواجية الخطاب الفرنسي تجاه ماضيها الاستعماري في الجزائر بصفة خاصة، وذلك ما أشار إليه المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا الذي قال في أحد حواراته الصحفية: »إن هناك خطابين (عند الرسميين الفرنسيين) الأول يخص السياسة الخارجية، ويتضمن خطوات لبناء اعتراف؛ والثاني داخلي موجه إلى زبائن ? ناخبين، يراعي وجود حساسيات تجاه كل ما هو اعتراف واعتذار بما وقع في الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي«. في سنة 2011 أي بعد مرور 66 سنة على جريمة فرنسا في 8 ماي 1945 قال السفير الفرنسي بالجزائر-آنذاك - كزافيي دريانكور، أن فرنسا لم تتنكر أبدا لمسؤوليتها تجاه بعض الأحداث المؤلمة التي وقعت خلال فترة الاستعمار، ولكنه أضاف حول ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها في مجازر 8 ماي 1945 متهربا من السؤال بالقول: »أتركوا بعض الأشياء للوقت.. الوقت سيتكفل بها«. ورغم صدور العديد من الشهادات والاعترافات من جنود وضباط فرنسيين كانوا شهدا على الحدث أو مشاركين فيه، ومع توفر الوثائق الدامغة والحقائق التاريخية الساطعة عن مسؤولية الدولة الفرنسية عن ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بصورة مخططة وممنهجة ضد المدنيين الجزائريين، فإن رفض الاعتراف بالجرائم وتقديم الاعتذار والتعويضات اللازمة للضحايا هو استهتار مقصود بالدولة الجزائرية وبشعبها، وليس سرا أن هناك تراجعا في التمسك بمطلب الاعتذار والتعويض من طرف الجزائريين ،خصوصا بعد وصول الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند الذي قام ببعض الاجراءات التجميلية على السياسة الفرنسية وضلل الجزائريين بوعود لفظية فارغة. فهل يجب أن ننتظر سبعين سنة أخرى لكي يمتلك قادة فرنسا شجاعة الاعتراف بالذنب، وتخليص الضمير الفرنسي من أخطاء وآثام لا تمحى إلا باعتراف واعتذار شاملين وكاملين عما حدث، يكونان دليلا صادقا وقاطعا على أن جريمة القوة، وقهر الاستعمار ليست جديرة بالتمجيد ولا تتحول أبدا إلى علامة فخر في تاريخ أمة مهما كانت، بل تظل دائما مجرد عار في سجل البشرية!