أصبحت المعارضة في الجزائر أكثر شراسة في الفترة الأخيرة، فالضغط الذي تمارسه بشكل متواصل لفرض حالة الشغور في منصب رئيس الجمهورية، يثير جدلا محموما حول مخلفاته السلبية على الجبهة الداخلية التي يتوجب حمايتها في وقت تواجه فيه البلاد تحديات أمنية داخلية وخارجية غير مسبوقة. تركز نشاط المعارضة ممثلة في تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي بشكل واضح على المطالبة بإثبات حالة شغور منصب الرئيس، فتوالت انتقادات قيادات أحزاب المعارضة للسلطة معتبرة بأن الجزائر تسير من دون رئيس دولة، وطالبت المعارضة بضرورة إثبات حالة شغور منصب الرئاسة، ومن ثمة تفعيل المادة 88 من الدستور التي تتحدث عن حالة العجز، وقال عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، في ندوة صحفية، إن الجزائر بحاجة إلى رئيس قادر على التنقل إلى مختلف بقاع العالم والدفاع عن مصالح بلاده وشعبه، منتقدا استمرار غياب الرئيس بوتفليقة عن مناسبات دولية هامة وأبرز أن حركة مجتمع السلم ليس لديها مشاكل مع الرئيس بل مع »النظام السياسي المريض والفاقد للذكاء والحنكة في تسيير أمور البلاد«، وأضاف أن »النظام السياسي الحالي لا يهمه تطور الجزائر والتحاقها بركب الأمم القوية، و لا يعرف طرق تحصين المجتمع الجزائري لاسيما في ظل الوضع الخطير الذي تعرفه الساحة الدولية«. وترى التشكيلات السياسية المهيكلة في تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي على ما يبدو أن الظروف أصبحت مواتية لانتفاضة سياسية حقيقية من قبل هذه التشكيلات السياسية تسمح بممارسة المزيد من الضغط على السلطة ودفعها إلى الإسراع في وتيرة الإصلاح السياسي والمؤسساتي، هذا إن تم ترجيح النوايا الحسنة وتغليب الاتجاه الذي يرى أن المعارضة في الجزائر تدرك جيدا خطورة الوضع، ولا يمكن لها أن تتورط بأي شكل من الأشكال في أي سيناريو غير محسوب العواقب ، يؤدي إلى مزالق خطيرة ويجر البلد إلى مستنقع الفتن تحت نفس العناوين التي أدت بالعديد من الدول العربية إلى الهاوية والسقوط في أوضاع كارثية أفقدتها وتوازنها وأصبحت تهددت وحدتها بعدما أتت على أمنها واستقرارها وأنهكتها في صراعات عدمية قاتلة. اللافت أن المعارضة المذكورة تعزف على نفس النغمة منذ فترة، فمحاولة إثبات حالة شغور منصب الرئاسة، يندرج ضمن إطار أطروحات غريبة تحاول الدفع بالمؤسسة العسكرية إلى تحييد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وإرغامه على التنحي عن الحكم، وبدلا من انتظار موعد الرئاسيات المقبلة ، تريد هذه المعارضة بأن ينوب الجيش عنها في سيناريو انقلابي عفا عنه الزمن، ولم يعد مقبولا حتى في الدول التي تصنف في خانة الاستبداد والشمولية، فأي ديمقراطية هاته التي تسمح لتشكيلات سياسية بأن تفرض منطقها على 40 مليون جزائري رغم أنف الصندوق وعلى حساب قيم الديمقراطية، فهل التغيير الحقيقي والسلمي يأتي بهذه الطريقة، مع العلم أن المؤسسة العسكرية التي وجدت نفسها في مطلع التسعينيات من القرن الماضي في عمق الممارسة السياسية ، لن تقبل هذه المرة بأن تلعب أدورا نيابة عن تشكيلات سياسية عاجزة عن إقناع الجزائريين بأفكارها وبرامجها السياسية. البعض يعتقد أن المعارضة تلعب عن وعي أو غير وعي في ساحة بعض الأطراف التي تحاول جر الجزائر إلى حالة من غياب الاستقرار السياسي والمؤسساتي، خالصة وأن المطالب التي ترفعها بعض تشكيلات المعارضة بتفعيل المادة 88 من الدستور تتزامن مع وضع ألأمني غير طبيعي يحيط بالجزائر من كل الأطراف، وقبل العودة إلى هذا الوضع الخطير، نشير فقط بأن الإشاعات التي تزعم بأن الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة تدهور بشكل فجائي، أو حتى الحديث عن وفاة سريرية للرئيس، أطلقتها بعض المواقع في الفترة الأخيرة، بما في ذلك الموقع الاليكتروني لصحيفة »العلم« المغربية، لسان حال حزب الاستقلال المغربي صاحب الأفكار التوسعية ومواقف العدوانية اتجاه الجزائر، لم تكن بريئة وقد بدا جليا أنها تخدم أجندة أطراف تسعى إلى تعفين الوضع في الجزائر، أو على الأقل إضعاف الجبهة الداخلية لضرب قدرات البلاد في مواجهة مختلف التهديدات التي تحاول النيل من أمنها واستقرارها. لقد قرر الرئيس على طريقته تكذيب هذا السيل من الإشاعة التي لا يمكن لأي كان أن ينكر آثارها المدمرة على استقرار المجتمع وطمأنينة، فكان اللقاء الذي جمع عبد العزيز بوتفليقة بالدبلوماسي الكبير والمخضرم، الأخضر الإبراهيمي، بمثابة رد مباشر على مروجي الإشاعة، وقبل ذلك أجرى بوتفليقة حركة وصفت بالهامة مست رؤساء الجهات القضائية، وحتى قبل هذا التاريخ ليس هناك ما يوحي بأن الرئيس غائب عن الساحة أو لا يمارس مهامه الدستورية، فالوضع الخطير الذي تعيشه البلاد جراء التهديدات الأمنية التي تحيط بها جعلت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حاضرا في كل القرارات المصيرية التي تؤكد كلها أن الجزائر قوية وقادرة على مواجهة أي خطر يتهددها داخليا أو خارجيا. التدهور المستمر للأوضاع الأمنية في ليبيا يفرض على الجزائر وباقي دول المنطقة التي تدرك حقيقة خطورتها على أمنها واستقرارها، التحرك بأسرع ما يمكن لتفادي الأسوأ في المستقبل، فهذا الناطق باسم وزارة الخارجية بن علي الشريف يؤكد أن أي تأخير في انطلاق الحوار بين فرقاء الأزمة الليبية، سيكون لأسباب تقنية، مضيفا أن الحوار بين الأطراف الليبية سيكون شاملا ولا يستثنى منه أحد إلا الذين لا يؤمنون بالحوار لإنهاء الأزمة الليبية، وأوضح المتحدث أن الدعوات للأطراف الليبية التي ستشارك في المفاوضات، قيد التحضير، مشيرا إلى أن التواصل مع مختلف الأطراف مستمر منذ أسابيع كثيرة. فقرار الجزائر استقبال الأطراف المتصارعة في ليبيا قبل نهاية أكتوبر الجاري، يعكس في الواقع هذا الإدراك العميق للمخاطر التي تمثلها ليبيا على أمن كل المنطقة، وهو ما جعل مختلف الأطراف سواء ألأمم المتحدة أو الاتحاد الأوربي أو غيرهم يرحبون بالدور الذي تلعبه الجزائر لتقريب وجهات النظر بين الأخوة المتصارعين في ليبيا واستضافة حوار يجمع كل الأطراف ويسمح بإنهاء الاقتتال وتجنيب ليبيا التقسيم أو السقوط في حبال حرب أهلية مدمرة تنهيها من الوجود، وكان بيار شوفانمان، رئيس جمعية »فرنساالجزائر« قد وصف مواقف الجزائر من الأوضاع الإقليمية والدولية بالحكيمة والمدروسة، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد، يجب الإشارة إليها، ويجب الإشادة بالدبلوماسية الجزائرية التي احتفلت بيومها الوطني، دبلوماسية حققت نجاحات كبيرة يعترف بها العدو قبل الصديق سواء في الفترة الاستعمارية أو مرحلة الاستقلال التي كانت زاخرة بانجازات على الصعيد الإقليمي والقاري والدولي. من جانب أخر حملت الرسالة التي وجهها نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش الوطني الشعبي إلى ضباط وجنود الجيش دلالات كثيرة مرتبطة بالتحديات التي تواجهها البلاد داخليا وخارجيا، فقد جاءت مباشرة بعد إعدام تنظيم »جند الخلافة«، فرع »داعش« في الجزائر الرعية الفرنسي هيرفي غورديل بمنطقة القبائل، ودعا الفريق أحمد قايد صالح في رسالته أفراد الجيش إلى مزيد من اليقظة والإصرار لمكافحة الإرهاب والتصدي لمحاولات المجموعة المسلحة المساس بأمن واستقرار البلاد، وسمحت العمليات العسكرية الكبرى التي باشرتها قوات الجيش في جبال جرجرة من الوصول إلى مكان اختطاف الرعية الفرنسي، حيث تم العثور وتدمير الملجأ الذي تم استخدامه من طرف هذه الجماعة الإرهابية في تنفيذ جريمتها في حق الرعية الفرنسي، واسترجاع ذخيرة حربية ومعدات وبعض الأغراض والوسائل التي كانت بحوزة المجموعة الإرهابية.