في عام 1989 ألقى الوزير الأول عبد الحميد ابراهيمي محاضرة في معهد الإقتصاد بالخروبة ، وقال من بين ما قال أن 26 مليار دولار ذهبت رشاوي وعمولات جراء الصفقات التي تم إبرامها. وقد أحدثت تلك المحاضرة ضجة كبيرة في المجتمع الجزائري، لأنه مبلغ خيالي صراحة، وقد وظفها الفيس واستفاد منها استفادة كبيرة للغاية في حملاته الإنتخابية لمحليات جوان 1990 ثم تشريعيات جوان 1991 الملغاة وبعدها تشريعيات ديسمبر 1991. وكان لابد للحكومة من رد فعل، فصرح رئيسها مولود حمروش أن العمولات والرشاوي إن كانت فهي في حدود 2 مليار دولار. وخلال الأسبوع الحالي صرح الجنرال المتقاعد خالد نزال بأن الوزير الأول الأسبق السيد عبد الحميد ابراهيمي قد بدد 14 مليار دولار تركها بومدين. فمن نصدق ومن هو على حق : الوزير الأول أم الجنرال ؟ المسؤول المدني أم العسكري ؟ أنا نفسي الجواب لا يهمني، ما يهمني أنه في زحمة الحديث عن اختلاس المال العام في الآونة الأخيرة، تبرز هذه القضية من جديد ، وبغض النظر من هو على حق ومن هو على خطأ، وهل الموضوع يتعلق بتصفية حسابات أم هو مجرد سرد موضوعي لوقائع ومذكرات وذكريات .. فإن القارئ يجوز له أن يستنبط أنه قبل عام 1990 وحده تم تبديد 26 مليار + 14 مليار = 40 مليار دولار، وهو ما يعادل مدخول الجزائر من العملة الصعبة بعد الأزمة المالية الدولية منذ سبتمبر 2007. أما بخصوص تصفية الحسابات التي أشرت إليها، فإنه لابد من القول أن بين الجنرال نزار والوزير الأول الإبراهيمي سجال سياسي وإيديولوجي، فكلاهما يقف على نقيض الآخر. وتكفي الإشارة إلى أن الإبراهيمي في أحد كتبه، تطرق لما يعرف ب " حزب فرنسا " وفصل فيه تفصيلا بخصوص الضباط المعروفين باسم " جنرالات فرنسا " بمن فيهم الجنرال خالد نزار. وربما يريد نزار الكيل بمكيالين للوزير الأول، كما يمكن أن يكون على حق، بدون أن ننفي أن الإبراهيمي بدوره قد يكون له نصيب من الحق أيضا. ففي دولة تغيب فيها هياكل الرقابة الفعالة، والتخطيط الإستراتيجي للمشاريع، يمكن أن يحدث تسيب في تسيير المال العام. والتساؤل يبقى قائما : نصدق من : الوزير الأول أم الجنرال .. وإذا كنا لا نصدق أحدا، فيمكن التصديق أننا كنا وما زلنا نعاني من " المساس بالمال العام " وهذا هو المشكل الكبير.