احتجاجات المواطنين في عين صالح، ومناطق أخرى من الجنوب، ضد استغلال الغاز الصخري تمثل درسا بليغا يتعين على النخب أن تستوعبه، والأمر هنا لا يعني السلطة وحدها، بل المعارضة أيضا، والنخبة المثقفة، وسائر المواطنين. أثبت المتظاهرون أن الاحتجاج السلمي ممكن في الجزائر، والعنف ليس قدرا محتوما على الجزائريين، فقد أبان مواطنو الجنوب عن حس مدني مذهل، سواء من حيث إصرارهم على رفع مطالبهم إلى السلطات المعنية بطريقة حضارية، أو من حيث تنظيم الاحتجاجات، ولعل أبرز نجاح تحقق هو غلق كل منافذ التشكيك في هذه الحركة الاحتجاجية السلمية وأهداف ونوايا من دعوا إليها أو شاركوا فيها. لقد اكتشف الجزائريون أن الجنوب ، الذي طالما كان مختزلا في آبار النفط والغاز، هو أيضا خزان للمواطنة الحقيقية التي لم تلوثها أموال الريع، وأن مواطني هذه المناطق المحرومة لا يخرجون إلى الشارع من أجل المطالبة بأموال الريع، كما أريد لنا أن نرى مظاهرات الشباب البطال في الجنوب، بل يخرجون أيضا للدفاع عن مستقبل هذه البلاد وحق الأجيال القادمة في ثرواتها، من خلال رفض الاستثمار في مشروع يثير مخاوف كثير من الخبراء بسبب الأضرار البيئية التي قد يسببها. رسالة واضحة بعث بها أبناء الجنوب مفادها أن الوحدة الوطنية غير قابلة للمساومة، وهذا راد واضح على كل الذين سعوا إلى شيطنة الحركات الاحتجاجية في الجنوب وقذفها بتهمة السعي إلى الانفصال، ومن هنا يجب أن تتحول احتجاجات عين صالح، وتضامن المناطق الأخرى معها، إلى عامل محفز من أجل السعي إلى حل حقيقي لأزمة غرداية المتفاقمة والتي تحولت إلى جرح نازف يهدد الجسد الجزائري بشرخ عميق ومستدام. أبناء الجنوب أخبروا جميع الجزائريين بأن الشارع تقدم كثيرا على النخبة السياسية من حيث إدراك مخاطر الحاضر ورهانات المستقبل، بل إن هذا الوعي بأبعاد مشروع استغلال الغاز الصخري، وكلفته البيئية والاقتصادية، يؤكد أن النخبة السياسية تأخرت كثيرا في إدراك التحولات الحاصلة في المجتمع واهتمامات المواطنين، وإذا لم تعمل هذه النخبة على تدارك هذا التأخر فإنها ستجد نفسها على هامش المجتمع.