الموقف الذي أعلنت عنه المؤسسة العسكرية، من خلال مجلة »الجيش« وعبر تصريح للفريق أحمد قايد صالح، قائد الأركان ونائب وزير الدفاع الوطني، جاء في سياق زمني استثنائي تميز من جهة بتحركات للمعارضة الراديكالية واستمرار ظاهرة الاحتجاجات خاصة في أقصى الجنوب، وتزامن مع استمرار التدهور الأمني في دول الجوار خاصة تونس وليبيا، ومع الضغوطات الدولية والعربية الهادفة إلى جر الجيش الجزائري للمشاركة في طبخات لها علاقة مباشرة بإستراتيجية القوى الكبرى وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية . تواصل خلال الأسبوع المنصرم النقاش السياسي الحاد الذي فجرته رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة عيد النصر، فالانتقادات التي وجهها رئيس الجمهورية للمعارضة أثارت ردود فعل ناقمة من العديد من الشخصيات والقيادات الحزبية المعارضة التي تنشط ضمن تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي التي اعتبرت رسالة الرئيس بمثابة إعلان الحرب عليها، وبات واضحا من خلال تصريحات نارية لقيادات عدد من التشكيلات المعارضة على غرار حزب التجمع من أجل الثقافية والديمقراطية (الأرسيدي) وحركة مجتمع السلم (حمس)، أن هناك رغبة في الاعتراض على برنامج السلطة فيما يتعلق بالإصلاح السياسي والدستوري، فاقتراب عرض مشروع الدستور الجديد على البرلمان يدفع بالمعارضة الراديكالية إلى استباق الحدث من خلال الاستمرار في نفس الخطاب الذي يعتمد على التشكيك في مصداقية المؤسسات الدستورية، وترديد نفس الخطاب القديم- الجديد بأن الرئيس بوتفليقة لا يحكم ولا يمارس صلاحياته ووظائفه الرئاسية. هذه الأجواء المشحونة بالجدل السياسي وبالمواجهة المفتوحة بين السلطة والمعارضة الراديكالية ممثلة في تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي لم تكن لتسمح للمؤسسة العسكرية بأن تلتزم الصمت ولا تبدي أي موقف حيال مسائل تتعلق بأمن واستقرار البلد، خالصة بعدما توجهت المعارضة إلى محاولات استغلال الاضطرابات التي تعرفها بعض المناطق خاصة الاحتجاجات ضد استغلال الغاز الصخري بعين صالح لممارسة المزيد من الضغط على السلطة. لقد جاء في افتتاحية مجلة »الجيش« الشهرية في عددها الأخير الصادر خلال الأسبوع المنصرم أن وحدة البلاد تشكل حجر الزاوية لتحقيق استتباب الأمن والاستقرار اللذين هما أساس التنمية والتطور، فلا يمكن القبول بأي شكل من أشكال المساس بها، وأوضحت المجلة التي تعتبر لسان حال المؤسسة العسكرية، أن مساس بالوحدة الوطنية من شأنه التأثير على السلم والاستقرار الداخلي ومن ثمة تراجع التنمية وتهديد وجود الدولة بأكمله وأشارت في نفس السياق إلى أن الحفاظ على الوحدة الوطنية يشكل بالنسبة لها الهدف السياسي الأسمى والغاية المثلى والأهمية القصوى مقارنة بباقي الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكدة أيضا أن الجزائر بحاجة إلى الوحدة الوطنية التي تقوى التلاحم بين جميع عناصر المجتمع ومكوناته. وبات واضحا أن الخطاب موجه بشكل خاص نحو المعارضة الراديكالية على خلفية مواقفها وتحركاتها الأخيرة التي بدأت تمس باستقرار البلد وتشوه صورتها خارجيا وبدأت تساهم في إضعاف الجبهة الداخلية في وقت تواجه فيه الجزائر تحديات خطيرة على مقربة من حدودها، خصوصا الشرقية منها، وأبرزت مجلة »الجيش« خطورة التلاعب بالوحدة الوطنية حيث جاء في الافتتاحية أن أي مساس بالوحدة الوطنية من شأنه التأثير على السلم والاستقرار الداخلي وبالتالي تراجع عملية التنمية وما يترتب عنه من تدهور للأوضاع وتهديد لوجود الدولة، وأوضحت المؤسسة العسكرية أنه يمكن وبدون مبالغة اعتبار الوحدة الوطنية من الثوابت بل من أهمها وأكبرها حيوية. ولم يفوت الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، خلال ترؤسه المجلس التوجيهي للمدرسة العليا الحربية، بشكل متزامن مع الاحتفالات المخلدة لذكرى ال53 لعيد النصر، الفرصة ليؤكد من جهته أن ضمان أمن واستقرار الجزائر وصيانة استقلالها وحرمة ترابها الوطني، هو من صميم المهام الدستورية العظيمة التي يتشرف الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني بأدائها، مضيفا انه يعتبر فعلا الضمانة الأكيدة الكفيلة بحسن أداء هذه المهام الجليلة على الوجه الأصوب. البعض يعتبر بأن الهجومات المتتالية على المعارضة هي مواقف شديدة وقاسية من السلطة اتجاه تيارات سياسية تطالب بالتغيير وتقدم قراءات حول الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد من منطلق تحاليل تعتبرها موضوعية مبنية على مخاوف من أن يتم الزج بالبلاد مجددا في متاهات أزمة تقوض أركانها، لكن النظر إلى ما يحيط بالبلد من تحديات مختلفة قد يجعل المرء يعيد النظر في هذه الاستنتاجات، فالجزائر مطالبة أكثر من أي وقت مضى برص الصفوف وتقوية جبهتها الداخلية، والمطلوب من المعارضة بمختلف مرجعياتها السياسية والإيديولوجية أن تدرك أكثر من أي وقت مضى أن الجزائر تواجه مخاطر وأن الظرف ليس لتجريب أطروحات الشارع، فهناك الوضع الهش في شمال مالي ومنطقة الساحل الصحراوي عامة، وهناك التهديدات الإرهابية التي تواجهها سواء من ليبيا المجاورة التي تعيش حربا داخلية وانتشارا غير مسبوق للتنظيمات المتطرفة خاصة الخلايا الإرهابية المرتبطة بما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام »داعش«، أما تونس فإن المجزرة التي ارتكبها الإرهاب بمتحف »باردو« وسط العاصمة التونسية وخلفت مقتل 23 شخصا من بينهم 20 سائحا أجنبيا، تنذر بما هو أخطر في المستقبل، خصوصا بعد تني تنظيم البغدادي للاعتداء الإرهابي معلنا لأول مرة عن نفسه في بلد لا يملك لا الإمكانيات ولا التجربة الكافية للتصدي لأي سيناريو على الطريقة السورية أو العراقية، هذه كلها عوامل يجب أن تقرأها المعارضة جيدا، وتقرأ أيضا الممارسات التي يقوم بها النظام المغربي سواء من خلال الحمالات السياسية والإعلامية المركزة ضد الجزائر، أو عبر فتح الحدود أمام بارونات المخدرات لإغراق الجزائر بالسموم المغربية. الجزائر تواجه خلال الفترة الأخيرة ضغوطات متزايدة عربية ومن دول كبرى على غرار فرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل القيام بادوار أكثر اندفاعا امنيا وعسكريا لصالح دول كبرى يبدو أنها لا تقتنع بالدور الذي تقوم بها الجزائر سواء من خلال حربها على بقايا الإرهاب داخليا، أو من خلال المساعدات التي تقدمها لدول أخرى سواء كانت مادية أو استخباراتية، فضلا عن مساعيها المتواصلة لتنسيق جهود الأفارقة لمواجهة الإرهاب في منطقة الساحل جنوب الصحراء ووسط إفريقيا، وتنسيق جهود دول الجوار المباشر لليبيا لقيام بدور ايجابي يجنب ليبيا النهاية المحتومة والانقسام الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من أن يتحول إلى واقع في بلد تتجاذبه قوى إقليمية وعربية ودولية مختلفة. لقد صرح وزير الشؤون الخارجية، رمطان لعمامرة، إن الجزائر لن تشارك في عملية »عاصفة الحزم« التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، مؤكدا في تصريح صحفي على هامش اجتماعات وزراء الخارجية العرب بشرم الشيخ في مصر أن »الجزائر لديها موقف سياسي وهو أن جيشها يحارب داخل أراضيها فقط«، وحول ما تردد عن وجود تحفظ جزائري على الضربة العسكرية، قال لعمامرة »الجزائر لم تطرح الموضوع بنعم أو لا، وإنما تنظر إلى الموضوع اليمني وترى أنه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عدد من المعطيات الأساسية«، الحوثيون طرف أساسي في المعادلة السياسية اليمنية، لذلك فإن الجزائر تركز على ضرورة إجراء حوار سياسي، موضحا »سيضطر الجميع إلى العودة إلى الحوار، لأن الحوار ضروري«. وأشارت وسائل إعلام سعودية إن اجتماعا تم بين سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي ورئيس الدبلوماسية الجزائرية رمطان لعمامرة، تناول الملفات المعروضة على المجلس الوزاري تحضيرا للقمة العربية في شرم الشيخ في مصر ، وفي مقدمتها ملف الأزمة اليمنية، خاصة بعدما بدا من موقف جزائري لا يدعم عمليات العملية العسكرية ضد الحوثيين، مؤكدة بأن الفيصل اجتمع بلعمامرة ليشرح له ويقنعه بما قامت به القوات السعودية والدول المشاركة في الضربة التي تتم من دون غطاء شرعي أممي. لكن من يقنع من، فالموقف الجزائري هو ثابت على نفس القيم والمبادئ، لم يتزحزح حتى لما كانت التهديدات على أمتار قليلة من التراب الجزائري، فالجزائر رفضت بشكل قطعي أي تدخل قتالي لجيشها في مالي، وعندما نتحدث عن مالي نشير إلى مسألة في غاية الخطورة بالنسبة لأمن الجزائر واستقرارها، فنتذكر بطبيعة الحال ما حصل في سنة 2012 بعدما سيطرت حركات إرهابية على شمال هذا البلد، بعدما قهرت كل الحركات الأزوادية المسلحة التي لم تعد قادرة على الدفاع عن أوكارها فما بالنا بالدفاع عن منطقة شمال مالي الذي تطالب اليوم باستقلاله وتصر على الحصول على ذلك، فالجزائر رفضت بشكل مباشر وصريح المشاركة في العملية العسكرية التي قادتها فرنسا في شمال مالي، مع أن التدخل الفرنسي كان تحت مظلة الأممالمتحدة. نفس الموقف ضلت الجزائر تؤكد عليه بشكل مباشر وعلني بخصوص الأزمة في ليبيا، فقد التزمت الجزائر الحياد إبان الحرب على نظام العقيد معمر القذافي، واستمرت على نفس الخط بعدما دخلت ليبيا أتنون حرب أهلية طاحنة، فوجود تنظيمات إرهابية في ليبيا لا تخفي نواياها العدوانية اتجاه الجزائر، بل قامت باعتداء إرهابي في جانفي 2013 من خلال الاعتداء على المنشأة الغازية الحيوية ب »تيقنتورين«، بعين أميناس وقد تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن ليبيا كانت منطلق لهذا الاعتداء الإرهابي التي لم تشهده البلاد من قبل.
لقد أكدت الجزائر في كل مرة بأن دستورها والقيم التي نشأ عليها جيشها، سليل جيش التحرير الوطني، يمنعها من إرسال وحدات قتالية خارج حدودها، باستثناء المشاركة بعض الأفراد في بعثات للسلام تحت قبعة الأممالمتحدة، امتنعت الجزائر عن المشاركة في أي عمليات عسكرية منفردة أو ضمن أحلاف، مع استثناء طبعا الحرب العربية - الإسرائيلية في 67 و73 من القرن الماضي.