وجهت المؤسسة العسكرية تحذيرا شديد اللجة من مغبة المساس بوحدة البلاد باعتبارها تشكل حجر الأساس لاستتباب السلم والأمن والاستقرار، وفي رسالة موجهة بشكل مباشر صوب المعارضة ومختلف الأطراف التي تدفع في اتجاه خيار الشارع، جاء في العدد الأخير من مجلة »الجيش« تنبيه إلى أن الوحدة الوطنية هي الأسمى مقارنة بباقي الأهداف سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. قالت المؤسسة العسكرية أن وحدة البلاد تشكل حجر الزاوية لتحقيق استتباب الأمن والاستقرار اللذين هما أساس التنمية والتطور، وعلى هذا الأساس لا يمكن القبول بأي شكل من أشكال المساس بها، وأوضحت من خلال العدد الأخير من مجلة »الجيش« الشهرية، لسان حال المؤسسة العسكرية، أن مساس بالوحدة الوطنية من شأنه التأثير على السلم والاستقرار الداخلي ومن ثمة تراجع التنمية وتهديد وجود الدولة بأكمله وأشارت في نفس السياق إلى أن الحفاظ على الوحدة الوطنية يشكل بالنسبة لها الهدف السياسي الأسمى والغاية المثلى والأهمية القصوى مقارنة بباقي الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكدة أيضا أن الجزائر بحاجة إلى الوحدة الوطنية التي تقوى التلاحم بين جميع عناصر المجتمع ومكوناته. لقد اختار الجيش الجزائري، الظرف المناسب كما جرت العادة في مرات سابقة، لتوجيه خطاب شديد اللهجة نحو المعارضة الراديكالية، خاصة تلك الممثلة في تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، وإلى الأطراف التي تدفع في الآونة الأخيرة نحو خيار الشارع، وتتعمد التشكيك في مصداقية وشرعية المؤسسات الدستورية وعلى رأسها مؤسسة رئاسة الجمهورية، وأبرزت مجلة »الجيش« خطورة التلاعب بالوحدة الوطنية حيث جاء في الافتتاحية أن أى مساس بالوحدة الوطنية من شأنه التأثير على السلم والاستقرار الداخلي وبالتالي تراجع عملية التنمية وما يترتب عنه من تدهور للأوضاع وتهديد لوجود الدولة، وأوضحت المؤسسة العسكرية أنه يمكن وبدون مبالغة اعتبار الوحدة الوطنية من الثوابت بل من أهمها وأكبرها حيوية. وذكرت مجلة »الجيش« بخطاب رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في فيفري الماضي، بمناسبة الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات، وهي الاحتفالات التي جاءت متزامنة هذا العام مع احتجاجات سكان عين صالح على الاستكشافات الأولية للغاز الصخرى واستغلال تنسيقية الانتقال الديمقراطي هذه الأحداث والخروج إلى الشارع تضامنا مع سكان عين صالح، حيث أكد »إن الدفاع عن الأمن الشامل لبلادنا، الذي يستأثر بكل جهودنا، يقتضي تعبئة وتجنيد قوانا الحية كلها من أجل ضمان أمننا الاقتصادي، ومن ثم، أناشد كافة الجزائريات والجزائريين أن يشمروا كلهم عن سواعد البذل والعطاء في سبيل استمرار تشييد بلادنا ووقايتها من أنواع الكيد والأذى والناجمة عن تلك المحاولات الداخلية والخارجية التي تروم الإخلال باستقراره«. وكانت المؤسسة العسكرية قد بعثت في وقت سابق برسائل واضحة وصريحة اتجاه مختلف الأطراف السياسية وغير السياسية، على غرار ما جاء في مجلة »الجيش« في عددها الصادر في منتصف ديسمبر من السنة المنصرمة ردا على الانتقادات التي وجهتها تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي للجيش ودعوتها الصريحة من أجل تدخل العسكر في السياسة، وقال الجيش الجزائري: » حري بهؤلاء الالتزام واحترام مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش الوطني الشعبي وتماسكه ووحدته وعدم الزج به في الشأن السياسي الذي هو ليس من مهامه على الإطلاق وعدم استغلال تمسكه بمهامه الدستورية للطعن في شرعية مؤسسات الدولة«، في إشارة إلى الطعن في شرعية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. رد المؤسسة العسكرية، التي غيرت من إستراتيجيتها الاتصالية منذ فترة وأصبحت أكثر تفتحا حتى في نشر أدق المعلومات حول نشطات وحداتها خصوصا على الحدود، جاء شديدا ومباشرا، فما تعرفه الساحة الوطنية منذ فترة من جدل وحتى من محاولات لتغليب كفة خيارات الشارع، لا يمكن أن تبقي المؤسسة العسكرية معزولة من دون أن تتخذ موقفا واضحا يعيد الأمور إلى نصابها ويجعل كل الأطراف تنتبه إلى مسألة في غاية الأهمية وهي أنه لا مجال للحديث عن أي قيم أو أهداف مهما كانت سياسية أو اقتصادي أو غيرها إذا ما تعلق الأمر بتهديد وحدة البلد واستقراره، فالاحتجاجات التي تعرفها منطقة عين صالح والتي امتدت إلى بعض مناطق أقصى الجنوب الجزائري على خلفية الاستكشافات الأولية للغاز الصخري، والاضطرابات التي تعرفها بعض المناطق الأخرى، والإضرابات لتي تعم عدد من القطاعات الحيوية، أوجدت وضعا غير طبيعي يدفع في اتجاه هشاشة الجبهة الداخلية، في ظل تنامي التهديدات المختلفة التي تتربص بالبلاد من كل جانب، وفي ظل تفشي الفوضى والعنف والنشاط الإرهابي لدى دول الجوار خاصة ليبيا، يضاف كل ذلك إلى تحركات مشبوهة لبعض أطراف المعارضة الراديكالية، فمحاولات تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي استغلال أحداث الجنوب لركوب موجة الشارع، تندرج في الواقع ضمن مساعيها الهادفة إلى دعم أطروحاتها السياسية القائمة على التشكيك في مصداقية المؤسسات خاصة من خلال دعوتها إلى انتخابات رئاسية مسبقة بدعوى أن الرئيس بوتفليقة لا يمارس وظائفه وصلاحياته الدستورية أو يعتبر وفق تصورها السبب الرئيس لما تسميه هذه المعارضة بالمأزق السياسي والمؤسساتي الذي تعيشه الجزائر.