مشاركة الجزائر في اجتماع »أصدقاء ليبيا« تحت قبعة باريس ولندن، لم يشفع لها لدى العديد من أعضاء المجلس الانتقالي، فانتقاد الموقف الجزائري من الأحداث في ليبيا أخذ منعطفا خطيرا بعد تصريحات وتهديدات تشبه إعلان حرب، وأخرى تعلن صراحة عن عداء أخذ بعدا استراتيجيا، وتتوعد بنقل »الثورة« إلى الجزائر. لم تخرج أجواء عيد الفطر من الناحية الإعلامية على الأقل عن أجواء رمضان التي غلبت عليها أخبار الإثارة عبر نشر سلسلة من الفضائح تتعلق بالغش والتدليس وبجرائم بعض التجار وآثارها الكارثية على المستهلك، ناهيك عن عودة الأسعار إلى الارتفاع وبشكل جنوني، وأما الظاهرة الأخرى فتتعلق بإرهاب الطرقات الذي يحصد المزيد من الأرواح. ورغم وقوعها ثلاثة أيام قبيل عيد الفطر، فقد خيم ظل المجزرة التي ارتكبتها فلول ما يسمى بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي بحق عناصر الجيش الوطني الشعبي، والتي استهدفت النادي الخارجي للأكاديمية العسكرية المتعددة الأسلحة بشرشال، غربي العاصمة، وخلفت مقتل ما لا يقل عن 18 ضابطا وعددا آخر من الجرحى على الأحداث، فالاعتداء الانتحاري الذي تبناه تنظيم عبد الملك درودكال، واعتبره انتقاما من الجزائر بسبب وقوفها إلى جانب نظام القذافي، جاء ضمن سلسلة من التفجيرات الانتحارية التي نفذها التنظيم الإرهابي بكل من برج منايل وتيزي وزو. مجزرة الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال دفعت إلى التفكير في إعادة النظر في الإستراتيجية الأمنية المتبعة، وفي إعادة تقييم التدابير الأمنية على الأرض، والبحث عن الفجوات الأمنية التي قد تكون وراء التصعيد الأمني الأخير، فالاجتماع الأمني المصغر الذي انعقد بعد اعتداء شرشال يؤكد بما لا يدع مجالا للشك القلق الكبير الذي انتاب السلطات على أعلى مستوى، خاصة وأن التفجير الانتحاري تزامن أيضا مع تهديد أمني استراتيجي غير مسبوق ضد الجزائر من جهة الشرق على خلفية الأوضاع الأمنية التي تعرفها الجارة ليبيا، وتداعيات الهزيمة التي منيت بها القوات النظامية التابعة للعقيد معمر القذافي على يد المعارضة المسلحة ومن ورائها الحلف الأطلسي، علما أن نشاط القاعدة بليبيا لم يعد سرا، وقد علم مؤخرا أن مقاتلي القاعدة سيطروا على ممرات في أقصى جنوب ليبيا، وهذه السيطرة التي تحمل أكثر من رمزية تشير أيضا إلى رغبة التنظيم الإرهابي الاستفادة أكثر من الوضع في ليبيا لتهريب السلاح وإيجاد موطئ قدم حقيقي له في ليبيا ما بعد معمر القذافي. وعلم من جهة أخرى، وفي شأن متصل بالوضع الأمني في ليبيا أن دراسة أمنية أعدتها لجنة مشتركة بين وزارتي الداخلية والدفاع صدرت مؤخرا أوصت بزيادة موازنة الأمن والدفاع للسنوات المقبلة لمواجهة المتطلبات الأمنية المتزايدة للجزائر، ونقلت مصادر إعلامية معلومات عن جهات وصفتها بالعليمة قولها بأن ميزانية الأمن الموجهة لوزارتي الداخلية والدفاع مرشحة للزيادة في السنوات القادمة في إطار برامج لتطوير الجيش وزيادة عدد عناصر الشرطة والدرك، من أجل التصدي للجريمة وحالات الفوضى التي يتكرر وقوعها على مستوى بعض التجمعات السكانية، والوضع الأمني المتردي في الحدود الجنوبية والشرقية بسبب الأزمة الليبية وانتشار عناصر القاعدة في الساحل الإفريقي، وأوضحت أيضا بأن إجراءات الأمن التي تشهدها مناطق أقصى الجنوب والجنوب الشرقي، مرشحة لأن تصبح إجراءات دائمة بالاعتماد على وحدات أمنية وعسكرية ثابتة، ما يعني زيادة عدد المجندين من عناصر الجيش والدرك وحرس الحدود وإمكانات إضافية تسخر لصالح الوحدات الميدانية العاملة في الصحراء. الجزائر تتخوف من أن تمتد الأزمة الأمنية في ليبيا لأشهر أو ربما لسنوات، وتنظر بعين الريبة إلى تحركات المجموعات المسلحة التابعة لحركات راديكالية مرتبطة بتنظيم القاعدة، وهو ما يزعج كثيرا المجلس الانتقالي الليبي ويعتبره حملة دبلوماسية مضادة، وقد يفسر إلى حد ما مواصلة بعض أعضاء المجلس حملتهم المسعورة ضد الجزائر، فبعض الأسماء مثل بوجمعة القماطي ومحمود الشمام تحولوا إلى مبشرين بحرب وشيكة بين الجزائر وليبيا، وهو ما جعل رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل يتحول إلى رجل مطافئ، حيث صرح أن المجلس يسعى إلى إقامة علاقات حسن جوار مع الجزائر الشقيقة، مقللا من أهمية ما أشير إلى خلافات بين الجانبين، وقال خلال مؤتمر صحافي في باريس في ختام مؤتمر مستقبل ليبيا »نسعى إلى علاقات حسن جوار مع الشقيقة الجزائر ومع دول المغرب العربي، الشعب الليبي والجزائري لا يمكن أن ينفصلا«، وأضاف »نكن كل التقدير والاحترام للشعب الجزائري، هناك أمور صغيرة حصلت من الإخوان في الجزائر وبعض وسائل الإعلام ضخمت هذه الأمور«. تصريحات رئيس المجلس الانتقالي جاءت مباشرة بعد تصريحات أدلى بها وزير الخارجية مراد مدلسي الذي قال إنه لا غموض في الموقف الجزائري وأن هذا الموقف سوف يظهر متجليا عندما يستتب الأمن في ليبيا، والظاهر أن بعض أعضاء المجلس الانتقالي يتعمدون برمجة عداوة استراتيجية ضد الجزائر، ومثل هذه المواقف قد تنجر عنها عواقب وخيمة على مستقبل العلاقات بين الشعبين، وهي عبارة عن هدية تمنح للرباط التي شاركت بشكل واضح في تأليب المجلس الانتقالي الليبي ضد الجزائر وروجت لأكاذيب حول المرتزقة وحول تنسيق أمني مزعوم بين النظام الليبي والجزائر لمواجهة المعارضة المسلحة. وخلافا لما يروج له البعض داخليا، كالأرسيدي، وخلافا لأحلام أعضاء من الانتقالي الليبي على غرار الناطق باسم المجلس العسكري العقيد أحمد الباني ومحمود الشمام والقماطي الذين »بشروا« بأحداث دامية في الجزائر شبيهة لما حصل في ليبيا، فإن الجزائر ماضية في عملية الإصلاح السياسي والدستوري. لقد أعلن بوتفليقة مجددا التزامه بمواصلة الإصلاح السياسي والدستوري، وجاء ذلك بعد مصادقة مجلس الوزراء على عدد من مشاريع القوانين المتضمنة عملية الإصلاح السياسي، خاصة قانون الانتخابات الذي عكس، من خلال تعزيز الشفافية، والتصدي لظاهرة التجوال السياسي، رغبة حقيقية في تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي، ويبدو من خلال المواقف التي عبرت عنها أحزاب في السلطة وفي المعارضة بخصوص مشاريع القوانين التي صادق عليها مجلس الوزراء بأن الجزائر تسير في الاتجاه الصحيح.