وضعت وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريت مسألة » أخلقة القطاع « في أولى اهتماماتها، وهي ترى أن »لا استقرار لقطاع التربية لا اليوم ولا غدا دون ترسيم ميثاق شرف« ، والتوقيع عليه من قبل نقابات القطاع المعتمدة رسميا، ومن خلال تصريحاتها المتكررة، وما تضمنته من مفردات أن اهتمامها الأول في هذا الميثاق مُنصبّ على أساتذة الأطوار التعليمية الثلاثة بقطاعها، وهي بالمختصر المفيد تبحث عن »عقد« توقعه مع نقابات القطاع، يتضمن ديباجة، وجملة من النصوص والمواد الواجب على النقابات احترامها والتقيد بها اليوم وغدا وبعد غد، ويحتل الإضراب والاحتجاج والتجمع والاعتصام والوقفة والمسيرة المقام الأول والأساسي في هذا »الميثاق العقد«، وهو وحتى الآن ما لم يتمّ التفكير فيه حتى في التعليم الجامعي. وفق ما هو معلوم أرجأت وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريت مرحليا، وبصفة مؤقتة إلحاحها على ضرورة أن تصل مع نقابات القطاع إلى إعداد وإصدار »ميثاق شرف مهني«، قالت عنه في أكثر من مرة، إنه الوحيد الذي يوفر لقطاع التربية الهدوء والاستقرار، إذ يسمح للأستاذ بممارسة حقه القانوني والدستوري ضمن الأطر والحدود المعقولة، ويُمكّن التلميذ من أخذ كامل حقوقه الدراسية المكفولة قانونيا ودستوريا أيضا. وسبق للوزيرة بن غبريت أن قالت »إذا كان للأستاذ حق دستوري وقانوني في الإضراب، فإن للتلميذ أيضا نفس الحق في التمدرس قانونا ودستورا«، كلامها منطقي وعادل ومعقول في ظاهره مثلما نرى، ولكن النقابات لا ترى ما نرى، وقد أكدت العديد منها ل » صوت الأحرار« أن وزيرة التربية لا تريد من وراء هذا الميثاق، الذي لم تعلن حتى الآن عن التسمية النهائية المحددة له، إلا إعادة النظر في أمر واحد ووحيد، وهو » الحق في الإضراب والاحتجاج والتجمع والاعتصام والوقفة والمسيرة، وهو الحق الذي منحه الدستور وقوانين الجمهورية للأستاذ، وقد دخل منذ سنوات في عداد المكاسب الكبرى لعمال القطاع، والنقابات ترى أن إضرابات الأستاذ أقلقت السيدة الوزيرة بحُكم منصبها، وأقلقت الحكومات المتعاقبة، ومن بيدهم الحل والربط ، لأنهم ليسوا دوما على استعداد للتعامل مع الأستاذ بالإيجابية المطلوبة، التي يمنحها له الدستور وقوانين الجمورية«. وترى السيدة بن غبريت وفق ما قالت قبل أيام »أن أخلقة قطاع التربية يمر حتما عبر إعداد ميثاق للأخلاقيات، من أجل ضمان استقرار القطاع ومستقبل التلاميذ«، هذا هو المفهوم الذي تتبنّاه وتؤمن به السيدة بن غبريت، والذي ترى فيه أن النقابات والأساتذة أن للوزيرة ومن معها مسعى واضحا لإنهاء الحق في الإضراب، ووأد كافة أشكال الاحتجاج الأخرى. وما لم يقله الأساتذة، وما لم تقله بشكل صريح لا النقابات ولا الوزيرة حتى الآن، أنه إن كان على وزيرة القطاع واجب البحث عن استقرار للقطاع، باعتباره قطاعا حيويا واستراتيجيا، وعلى النقابات أيضا واجب التفطن إلى الأضرار البليغة التي تلقاها التلاميذ دوريا منذ سنة 2003 وحتى يومنا هذا، فإنه واجب على حكومة عبد المالك سلال، بل وواجب على الدولة الجزائرية أن تُفكر اليوم قبل غد في حق وزير قطاع التربية في كامل الصلاحيات اللازمة له، التي تجعل منه وزيرا حقيقيا، لا موظفا حكوميا ساميا وكفى، منزوع القرارات والصلاحيات، بل وفي كل مرة يجد نفسه بين السندان والمطرقة، ينظر »إلى فوق«، وملزما بواجب التحفظ عمّا يستطيع وما لا يستطيع، وفي كل الأحوال هو غير مُخوّل، ولا يقو على رؤية الحق من الباطل، ولا على اتخاذ أي إجراء بمفرده دون العودة إلى سقف الهرم، أو ما هو قريب من أعلى الهرم، كما أنه من واجب الدولة ومن واجب رئيس حكومتها سلال اليوم أن تنظر بعين الحق لكل ما هو حق عند الأستاذ، وأن تبارك مسعاه حين تراه يتأوّهُ احتياجا وفقرا، وحين يقول لها وبأرقام حسابية بسيطة وواضحة »شهريّتي لا تكفيني لإعالة أسرتي، ولا تضمن لي العيش الكريم، أرجو التمعّن فيما أقول فلي مطالب عندكم يا وزير، ويا رئيس حكومة، ويا رئيس الدولة، أغيثونا مكن فضلكم«، هذا هو عين الصواب، إن كانت الدولة الجزائرية فعلا تبحث عن استقرار حقيقي وفعلي لقطاع التربية، فالحمل لا يجب أن يقع فقط على الأستاذ ولا على وزيرة التربية السيدة بن غبريت، بل يجب أن يقع وبالأساس على المستويات العليا أيضا، وأن تتفهم الأوضاع بعين ثاقبة، وبآذان مستمعة، هي مطالبة بالاستماع أكثر لآهات الغلابى، والتفريق بين ما هو أسود وأبيض، وأنه مهما كان الإضراب قاسيا في طوله، حتى وإن كان الجميع لا يتمناهُ ، إلا أنه يبقى أفضل عامل عمالي مساعد لمن بيدهم الحل والربط على اتخاذ القرارات الصائبة، وتصويب وتصحيح الوضعيات والمسارات، والمشكلة عندنا أمس واليوم ليست دوما في من أطال مدة الإضراب، بل وفي كثير من الأحيان هي في طول تفكير من بيدهم الحل والربط في »القراءة« السليمة والصحيحة للمطالب التي يرفعها الإضراب.