لم يعد الدعاة وشيوخ الفتوى اليوم يروون ظمأ هؤلاء الناس وأسئلتهم الجوعى في الدين والحياة، بل أحيانا تشعر بالمرارة أمام الفرار المقصود لهيئات ومرجعيات من الإجابة عن أسئلة الجهاد أو المقاومة ونصرة المسلم والموقف من الحاكم المستبد والعالم المرتزق وما إلى ذلك، ناهيك عن علامات الاستغراب والتعجّب التي نرفعها أمام بعض الآراء الفقهية والفتاوى الشاذة التي لا يصدرها هذا الشيخ أو ذاك الداعية في هيئات مؤثرة وفي بلدان لها وزنها مثل مصر أو السعودية. هكذا ومن فتاوى ترى بأن مقاطعة السلع الأمريكية تنطّع في الدين إلى المسيرات المندّدة بالعدوان على بلاد المسلمين وتهويد المسجد الأقصى وأنها حركات غوغائية، وصولا إلى الآراء الغريبة التي تكفّر الحجّاج الشيعة وتزيد في شرخ التفرقة بين السُنّة والشيعة.. هذا بعض من آراء المشايخ والدعاة بفتاوى تحيّر الألباب وتدفع إلى التساؤل حول دور المجامع الفقهية والاتحاد الدولي للفقهاء ودور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وباقي المرجعيات الدينية والروحية في العالم الإسلامي. لقد كان الشيخ محمد الغزالي رحمه الله يحذّر مما وصفه الفقه المتخلف، ويقينا فإن المجتمعات المتخلفة تنتج فقها متخلفا مثلما هو الحال في الاقتصاد وفي الثقافة والفنون..لا فرق.. هل هو قدر المسلمين أن يتخلّف فقههم عن قضايا الحياة المعاصرة؟ ما من فارق بين المرحلة التي يعيشها المسلمون اليوم وتضارب الفتوى والتشويش الذهني الذي تحدثه، ومراحل أخرى عاشها الناس من قبل.. ألم يحدث مثلا أن قال شيوخ وأئمة في الجزائر وفي أقطار أخرى عندما وصل أرمسترونغ إلى القمر إن هذا كفرا عظيما لأن الأمريكان صعدوا إلى الله؟ ! تبدو التحديات الخارجية المفروضة على المسلمين في تزايد مستمر يهدد الهوية والوجود، بينما يبدو الفقه متخلفا عن استيعاب ما يحدث ويخضع كثير من الفقهاء دون وعي للحسابات السياسية والأمنية القطرية مع الأسف الشديد.. التخلف حالة من التأخر الحضاري تصيب الأمة في كل الميادين حتى الفقه ولا يمكن أن يكون الفقه متقدما ومستوعبا لقضايا العصر وتحدياته في مجتمع يرزح في الفقر والجهل والمرض.