يعتبر الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين الرجل والمرأة ،غايته التحصين والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية زوجين بالغين راشدين وقادرين على تحمل المسؤولية، غير أن هذا المفهوم تغير في السنوات الأخيرة حيث طغت عليه المظاهر والماديات والكذب والخداع، حيث أصبح الكثير من ذوي النفوس الضعيفة يضّيفون لمسات كاذبة على شخصياتهم الحقيقية للتستّر على عيوبهم بالاشتراك مع ذويهم قبل الدخول إلى عشّ الزوجية، وذلك بهدف إخفاء العيوب وإظهار المحاسن الأمر الذي يترتب عنه نتائج سلبية وخيمة. هن نساء كثيرات غدر بهن لأجل ارتباط وزواج كاذب أو ما يعرف بالغدر الزوجي، كتب قصصهن أباء وأمهات ظالمين كذبوا عليهن وأسقطوهن ضحية زواج مغدور وذلك من خلال التحفظ والتستر على أمراض وعيوب أولادهم بهدف تزويجهم بأي طريقة كانت، مدعين بأنهم أصحاء لا يشكون من أي داء متناسين تعاليم الشريعة الإسلامية التي لا تستحب هذه الأمور ونهت عنها والأضرار الوخيمة التي سيلحقونها بالزوجة، لتتحمل الضحية في الأخير مسؤولية ارتباط بني على الغش والخداع وتحصد نتيجة القرار في نهاية المطاف لوحدها إما التضحية بالاستمرار والتنازل عن حقوقها أو الرفض والعودة إلى حياتها مع خيبة كبيرة حطمت معنوياتها. "صوت الأحرار"رصدت واقع عينات من ضحايا زواج كاذب ونقلت حكايتهن مع نكاح قلب موازين حياتهن بسبب الكذب والنفاق. نورية.د 30 سنة أم لطفلين، هي واحدة من السيدات اللواتي وقعن ضحية كذب البشر، فهذه الأخيرة تعيش ظروف قاسية لم تكن تدري أن مصيرها سيسوء بأي حال من الأحوال خاصة وأنها أكملت دراستها الجامعية وتحصلت على شهادة الليسانس في العلوم الإسلامية، ولأن مجتمعنا على حد قولها لا يرحم المرأة الغير متزوجة وينعتها بشتى الصفات قررت أن توافق على الزواج من أخ صديقتها المقربة والتضحية بمستقبلها المهني كون المتقدم لخطبتها يرفض عمل المرأة وهو من مناصري مقولة» مكان المرأة هو المنزل«. تقول نورية أنها لم يخطر ببالها في يوم من الأيام أن تعيش مأساة حقيقية مع زوج يعاني من اضطرابات عقلية، حيث تتعرض في كل مرة إلى الضرب والشتم من طرف هذا الأخير الذي تصيبه نوبات عصبية قوية، ناهيك عن حرمانها من الخروج من المنزل وزيارة أهلها إلا نادرا، هذه الظروف حولتها إلى إنسانة منطوية وبالرغم مما تتعرض له إلا أنها كانت ترفض فكرة الانفصال من أجل أن يعيش طفليها حياة متوازنة في كنف والديهما. وأضافت ذات المتحدثة أن الأمور كانت تتأزم في كل مرة إلى أن قررت أن تبلغ أهلها بالأمر والذين استفسروا عن حال الزوج ليكتشفوا أنه مصاب بمرض عقلي ويعيش تحت رحمة المهدئات وتكون بالتالي المفاجئة التي كادت أن تقضي عليها كونها وقعت فريسة لاحتيال صديقتها التي زوجتها لأخيها »المجنون«، فقررت ترك المنزل والعودة إلى منزل أهلها تجر أذيال الخيبة من أشخاص وثقت فيهم فكان جزائها حياة ملؤها الشقاء والتعاسة وهي اليوم تكابد من أجل تربية طفليها. ضحية أخرى، كريمة شابة في العشرينيات من العمر منحها الله من الجمال والعلم والأخلاق ما تحسد عليه، لم تكن تعلم ما يخفيه لها القدر من مأساة وأنها ستقع ضحية »فخ زوجي« تقربت إليها سيدة في الخمسينيات من العمر في إحدى المناسبات بهدف خطبتها إلى ابنها الذي يسكن في ديار الغربة ونظرا لبعد المسافة لم تستطع كريمة رؤية ومعرفة زوجها المستقبلي إلا من خلال الصور وما حكي عنه من أخلاق وطيبة، وتمت مراسيم الخطوبة وبعدها الزواج، قالت لنا بنبرة صوت حزينة » لا أستطيع أن أنسى تلك التجربة القاسية التي مررت بها لأنني عقدت القران مع زوج مجهول لم أعرفه إلا من خلال الصور والسيرة الايجابية التي رسمتها والدته عنه، تمت مراسيم الزواج في الجزائر دون أن يكون حاضرا بحجة العمل وبعد المسافة، تضيف وبعد إعلان مناسبة الزواج بيننا انتقلت إليه لديار الغربة رفقة والدته حيث انتظرني مع أخته في المطار وكان يبدوا لي عاديا في البداية، لكن مع مرور أيام بيننا ظهرت عيوبه الخفية وتبين على حقيقته فهو مدمن على شرب الكحول وتعاطي المخدرات وأنا كنت ضحية أم كاذبة رفقة ولدها الذين لم يرحمونني وأنا في عز شبابي، تضيف »أشكر الله أنني مثقفة ومتعلمة هربت من منزله وعدت إلى وطني أجر الحزن والقهر والألم بسبب وعود كاذبة«. أيضا واحدة من القضايا العديدة التي عالجتها المحاكم والتي تعد من بين الظواهر التي طفت إلى مجتمعنا في السنوات الأخيرة، ويتعلق الأمر بقضية رفعتها عائلة ضد أحد الشباب بتهمة »الغش الزوجي«، حيث أن هذا الأخير يعاني من اضطرابات نفسية ويتعاطى بسبب ذلك أدوية مهدئة، ولأن والديه أرادا تزويجه طرقوا أكثر من باب غير أن طلبهم قوبل بالرفض في كل مرة خاصة وان الكثير منهم يعلم بحالة ابنهم النفسية، وبعد ذلك قصدوا أحد معارفهم الذين دلهم على إحدى العائلات الفقيرة والبعيدة عن مقر سكانهم، فقصدا هذه العائلة وأبلغوهم بغايتهم، فوافقوا على الفور خاصة بعد أن علموا بأنهم عائلة ميسورة الحال، فتمت مراسيم الزواج بسرعة، غير أن المفاجئة كانت كبيرة بعد أن عادت العروس خائبة إلى عائلتها وأخبرتهم بالحقيقة، فما كان من والديها سوى رفع دعوى قضائية في حقهم بطلب الخلع والتعويض عن الأضرار النفسية التي طالت ابنتهم. إذن هي صور الأكاذيب التي يختفي من ورائها الخطيب قبل الزواج بالاشتراك مع عائلته، ضاربين عرض الحائط تعاليم الدين الإسلامي والسنة النبوية الشريفة التي تحرم مثل هذه المعاملات التي تعود بالسلب على الفرد والمجتمع على حد السواء. شريف زهرة مختص في علم الاجتماع والأنتربولوجيا الكذّب في الزواج يساهم في تدمير المجتمع تحدث الأستاذ » شريف زهرة« ل »صوت الأحرار« عن الأسرة واعتبرها من أهم وأقدم النظم والمؤسسات الاجتماعية باعتبار أن كل عضو فيها له مركز وله دور في المجتمع وهي موجودة لدى جميع الشعوب وان اختلفت أشكالها فهي تعكس صفات المجتمع، وبداية الأسرة السليمة تكون من خلال الزواج السليم الذي يلّم جميع الشروط التي تنعكس بالخير والإيجاب على المجتمع. وأكد محدثنا أن كل إنسان يسعى بفطرته لأن يكون في أحسن صورة أمام غيره من الناس، فهذه طبيعة إنسانية لا جدال فيها في كل زمان ومكان حيث يسعى كل طرف لكسب رضا الطرف الآخر بكل الطرق وكافة الأساليب، وهو نوع مرغوب فيه من التجّمل بطبيعة الحال، لأن طرفي الخطبة يكونان في مرحلة تعارف وتفاهم، ومن غير المنطقي إظهار بعض العيوب الصغيرة التي يمكن أن يتجاوزها كلا الطرفين كحب الأكل والنوم مثلا، لكن ينبغي أن تكون الصراحة والتوافق التام بين كلا الطرفين قائمة من الأول لأن الزواج هو مشروع لارتباط أبدي يدوم العمر كله وهو المؤسسة الأولى لبناء أسرة مستقرة. واعتبر»شريف زهرة« الغش والخداع في الزواج من بين العوامل التي تساهم في تدمير المجتمع وهما السببان المباشران في تفاقم حالات الطلاق والخلع التي انتشرت بنسبة كبيرة في مجتمعنا ويساهمان بذلك في التنشئة الاجتماعية الخاطئة التي تقوم على الانغلاق والكتمان وعدم الصراحة في التعامل مع الآخرين، فالصراحة أمر مهم بين الزوجين خاصة إذا ما تعلق الأمر بالمرض أو عيب خلقي أو نفسي وما شابهه من حالات مرضية، وعليه ينبغي إطالة فترة الخطوبة وعدم التسرع في عقد القران أو الزفاف حتى يدرس كل طرف أخلاقيات الطرف الآخر وعاداته عن كثب، ولكي يتسنى التعرف بشكل وثيق على الصفات الجيدة أو السيئة بينهما، وينبغي مراعاة الدقة في جمع المعلومات عن كل طرف أثناء فترة الخطوبة وعدم التردد في استقاء معلومات كاملة عن العريس أو العروس، لأن مآسي الزواج التي نجدها حاليا سببها الثقة والأمان التي يمنحها أهل الزوج أو الزوجة وبعد الزواج تنكشف الحقيقة، وعلية لابد أن تنتبه كل أسرة إلى الحيّل التي ينصبها البعض بهدف الفوز بزوجة أو زوج لأننا أصبحنا نعيش في زمن مظهري يأخذ بالظاهر فقط بينما يكون ما خفي أعظم. عبد الكريم ليشاني إمام مسجد بومرداس: الصراحة هي أساس نجاح الزواج اعتبر الإمام "ليشاني" الحياة الزوجية أغلظ ميثاق من المواثيق الذي ذكرت في القران الكريم، حيث جاء في الحديث الشريف »ثلاث جدهن جدّ وهزلهن جد هي الزواج والطلاق والّبيع، والزواج هو الصورة والصفة الأساسية لتكوين أسرة التي تعد نواة المجتمع وهو الانطلاق الفعلي لتكّوين الأسرة السليمة. وأكد "ليشاني" أن العلماء والفقهاء يشترطون الكفاءة والإلمام بالشروط الزوجية الواجبة من أهم المراحل في نجاح الزواج، ومن أسس السعادة في الحياة الزوجية أن تكون الصراحة متبادلة بين الزوجين، فتبيان ما هو خفي عن الطرفين يساهم في استمرار الحياة الزوجية، أما ما يصنعه البعض من إخفاء العيوب الموجودة في الزوج أو الزوجة دليل على أن الزواج لم يبنى على الثقة المتبادلة وفي هذا الإطار أكد العلماء على كلا الطرفين أن يصارحا بعضهما البعض وأن لا يخفي أحدهما عن الآخر عيبه، لقول الله عز وجل في كتابه العزيز» يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ « فالواجب على الخاطب أن يبين الحقيقة، وألا يكتم عن المخطوبة ما هو عيب مثل أن يكتشف الزوج في زوجته أو الزوجة في زوجها بعض العيوب التي لا تؤدي إلى الوظائف الأساسية وهذا ما يعتبره الفقهاء من الغش الزوجي. وما يعتقده العلماء في أساس الأحكام الشرعية من هذا الباب أنه لا يستحب ولا يجب التستر والكتمان على العيوب قبل البناء الزوجي، لأن هذا النوع من الزواج يعتبر غش لا يستحبه الشرع، والغّش هنا يتأكد إذا كان أولياء الزوج يعرفون بعيوب أولادهم ولا يصارحون الطرف الآخر، لأن هذا النوع من الزواج لا يحقق الغرض الأساسي من الحياة الزوجية، وإذا رضي كلاهما عن الآخر فهي تدخل في الاعتبار الإنساني.