إلى اليوم لم نسمع وزيرا يقول بأن هناك مشاريع ستتوقف أو ستلغى بسبب انخفاض أسعار النفط، وعلى العكس من ذلك سمعنا وزراء السكن والتربية والبريد والصحة يؤكدون بأن المشاريع المبرمجة سيجري تنفيذها كما كان مقررا من قبل، في حين يجري الحديث عن تعليمات بإلغاء كل المشاريع التي لم ينطلق العمل بها بعد. التقشف ليس مشكلة، هو خيار تفرضه الظروف الاقتصادية، وقد لجأت إليه دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل اليونان والبرتغال واسبانيا بسبب الأزمة التي تضرب منطقة اليورو، لكن في الجزائر يبدو الأمر مختلفا بعض الشيء، فالحكومة تبذل جهودا كبيرة من أجل شرح مفهوم التقشف كما تتبناه هي، وكل ما يقال يدور حول تأكيد الآثار المحدودة لهذا التقشف على دعم الدولة لأسعار المواد الاستهلاكية، وبعض القطاعات التي تعتبر حيوية بالنسبة للمواطنين ومنها السكن، ويبدو خطاب الحكومة موجها لطمأنة الجزائريين أكثر مما هو عرض لواقع الحال. في مرات كثيرة اعتبر مدير ديوان الرئاسة، والأمين العام بالنيابة لحزب الأرندي، خطاب الحكومة شعبويا، وهو يطالب دائما بقول الحقيقة للناس، وهذا الموقف أيضا يبدو غريبا، فما يحتاجه الجزائريون اليوم ليس تفسير التقشف، بل خطة اقتصادية ناجعة من أجل التخفيف من آثار تدني أسعار النفط، ففي دول أخرى عندما تتخذ إجراءات صارمة للحد من الإنفاق العمومي، يكون ذلك ضمن برنامج للإصلاح الاقتصادي واضح المعالم، وفي العادة تطرح هذه البرامج في انتخابات عامة لأن المواطنين هم من سيتحملون أعباء السياسات الاقتصادية المؤلمة التي تفرضها حالات الأزمة. ما يجب أن تفهمه الحكومة اليوم هو أن الجزائري لن يتحمل أوزار السياسات الفاشلة الاقتصادية التي طبقتها الحكومات المتعاقبة بمجرد أن يدعوه الوزير الأول، باسم الوطنية، إلى الصبر والتضحية من أجل الجزائر، والوضع الطبيعي هو أن تحظى الحكومة التي تشرف على إنقاذ الاقتصاد الوطني بسند شعبي قوي، فضلا عن أن الإصلاح لا يمكن أن تقوم به حكومة فشلت في تجنب أزمة كانت متوقعة منذ وقت غير قصير.
وحدها الحكومة المنتخبة ديمقراطيا تستطيع أن تقود الشعوب في حالات الأزمات الاقتصادية، ووحدها الشعوب التي تمتلك مصيرها بيدها تتحمل طوعا أعباء إعادة قطار الوطن إلى السكة.